ساركوزي الحاضر في كل مكان هل سيفوز بـ «الغونكور»؟

الدخول الأدبي الفرنسي للعام 2007

TT

يشهد الموسم الأدبي الفرنسي هذه السنة صدور 727 رواية مقابل 683 السنة الماضية. وكما كل عام فهذا الموسم عامر بالأسرار والمفاجآت، والحيل الإعلامية التي تحاول تصنيع فائز قبل الأوان، وهي ربما ضرورية لتسويق الكتب واصطياد الجوائز أيضا. لكن هذه المرة وصلت اللعبة إلى رئيس الجمهورية، مما يرفع من ضراوة المعارك ويزيد من حدتها...

في الماضي حاول الإعلام منح جائزة الغونكور لميشيل ويلبيك، من خلال إجماع لا نظير له، وكذلك مع بيغبيدي وأنجو وغيرهم، ولكن في العديد من المرات، يستطيع كاتب «مغمور» أن ينبثق فجأة ويسرق الجائزة، كما فعل قبل سنتين صاحب رواية «ثلاثة أيام في رحاب أمّي» فرانسوا وييرغان.

ابتدأ الدخول الأدبي لهذه السنة بانفجار سجال حاد على خلفية «بلاجيا نفسية» (سرقة أدبية) ما بين الكاتبتين الفرنسيتين اللامعتين ماري داريوسيك Marie Darrieussecq وكميل لورنس Camille Laurens

وليس من الغريب أن تخترق هذه الفترة نقاشات ومعارك ثقافية تساهم في إسالة الكثير من المداد ورفع المبيعات، ومعرفة الاصطفافات الأدبية، وقلب التآلفات والتواطؤات. القصة تقول بأن الكاتبة كميل لورونس اتهمت ماري داريوسيك بقرصنة الفكرة المحورية التي تدور حولها روايتها الجديدة المعنونة: «موت توم»Tom est mort عن نص أوتوبيوغرافي لها قديم بعنوان «فيليب» Philippe صادر سنة 1995.

لكن الناشر، الذي ينشر لكلتا الكاتبتين، عبّر عن رفضه للاتهامات، مؤكّدا أنه قرأ رواية داريوسيك بكل إعجاب، واستحضر ما وقع لكميل لورونس، ولكنه لم يفكر قطّ في كتابها «فيليب». وأضاف بأن التناول كان مختلفا بشكل كبير جدا. بالإضافة إلى أن داريوسيك تتحدث كثيرا عن الأطفال الموتى في العديد من رواياتها. وأضاف الناشر، بول أوتشاكوفسكي ـ لورونس، الذي قرر التوقف النهائي عن نشر مؤلفات كميل لورونس، متحدثا عن داريوسيك، بالقول «إنه نشر كتابها «Truismes» الذي عرف نجاحا مدهشا وفضائحيا ومُربكا، وترجم إلى أكثر من أربعين لغة، مما سبّب سعادة كبيرة للأدب الفرنسي. ولكن هذا النجاح لا يثير سعادة الجميع، وحتى في لحظات مجد الكتاب ظهرت مقالات سيئة النية وتحمل عنفا لا يزال يثير الدهشة إلى حد الساعة».

تقول داريوسيك في معرض الدفاع عن نفسها، إذ أنها ليست المرة الأولى التي تُتَّهَم فيها بالسرقة، إذ سبق للكاتبة الفرنسية ماري ندْياي Marie Ndiaye أن اتهمت داريوسيك بتقليدها في مؤلَّف سابق، إنّ: «الكاتب يعثر على لغةٍ عادةً ما نمرّرها في صمت. أية فكرة غريبة تتمثل في وجود تابوهات ومواضيع محرمة في التخييل. الرواية بالنسبة لي ليست ترفا ولا وقت فراغ. إنه فنّ جدي. يوجد بُعْدٌ قُرباني في الكتابة. أنتظر من قرائي مجهودا، وذكاء. اتهامات كميل لورونس هي أيضا اتهامات التخييل الذاتي ضد الخيال. الرواية هي عالَم الممكنات، عالَمٌ مسكونٌ بأحلام وكوابيس، بما فيها الرواية التي نستخدم فيها ضمير المتكلم، كما فعلت في ست من رواياتي». المسألة تطرح قضية كثيرا ما تناولها السجال الأدبي وهي، هل يتوجب على الكاتب أن يتحدث عن أشياء عاشها أم يمكنه أن يتخيل أشياء لم يعشها قط. الكاتبة كميل لورونس تقول: «على الكاتب أن يضع أحشاءه على الطاولة. ويجب أن يكون قد عايش وعانى مما يكتبه». وتذهب الكاتبة في اتهامها لماري داريوسيك إلى القول بأنه كان من المفروض على داريوسيك أن تكتب بصيغة الغائب. السجال لا يزال يحتدم وإن كان معظم النقاد الفرنسيون والصفحات الثقافية قد اصطفت خلف داريوسيك.

كما أن سجالا آخر بدأ يطفو إلى السطح على خلفية الهجمة الإعلامية الكبرى التي تحاول من البداية خلق هوة سحيقة بين مُؤلَّف، عالي القيمة، وبين المؤلفات الأخرى، كي يتسنى القبول باستحقاق ياسمينة رضا، الكاتبة والممثلة اليهودية الفرنسية ذات الأصول الإيرانية والروسية والمجرية للجائزة الأدبية الفرنسية الرفيعة. الصفحة الأولى من مجلة «نوفيل أوبسرفاتور» حملت عنوان: «الوجه الخفيّ لساركوزي/ الكتاب ـ الحدث». وبعدها توالت الأغلفة لباقي المجلات الفرنسية التي لا تخلو من تقريظ العمل والكاتبة. يبقى أن الصوت النشاز الذي لم يُطبّلْ للـ «رواية ـ الحدث»، جاء من طرف مجلة «ليزانروكوبتيبل» التي اعتبرت العمل مخيبا للآمال. وترى بأنها ليست المرة الأولى التي تنشر فيها ياسمينة رضا كتبها في شهر سبتمبر، إلا أنها المرة الأولى التي يُنتظر فيها كتابُها بهذه الطريقة. تمخض الكتاب الذي يحمل عنوان: «الفجر، المساء أو الليل»، الصادر عن دار فلاماريون/ ألبان ـ ميشيل، من خلال تتبع لساركوزي، لما يقرب السنة، أثناء الحملة الانتخابية، لكتابة بورتريه، أو «أوتوـ بورتريه» من الصنف التراجيدي حول السلطة والرغبة الجامحة بها، مع الالتزام بالموضوعية. وتذهب المجلة، في رصد الكتاب، قائلة: «كان يتوجب أن يكون كتاب الدخول الأدبي، ولكنه أصبح خيبة السنة». وترى بأن الكتاب يضمن للقارئ «ضجراً مؤكَّدا».. وتذهب إلى مدى موغل في السخرية: «في الكتاب، ثمة وجودٌ لساركوزي، لحاشيته، ولطائراته، ولياسمينة رضا في كل مكان. ولكن ما ينقصُ بقساوة هو الكاتب (ـة)».

ولأن فيليب سوليرز الذي يسره كثيرا أن يحشر في مثل هذه القضايا، لم يفوت فرصة مقاله الشهري في «لوجورنال دو ديمانش»، كيْ يدلي بدلوه في الموضوع. «السؤال الأهم في الأسابيع القادمة، يبقى هو معرفة إنْ كان الرئيس (أو ياسمينة رضا بالأحرى) سيحصل على الغونكور. ستتم إعادة طبعة غونكور الروائية الفرنسية لمارغريت ديراس في آثار الرئيس فرانسوا ميتران. تذكروا رواية «العشيق» ومليون نسخة من المبيعات ثم نقاشات في أعلى الهرم التي تظل راسخة في الذاكرة. (...) لننتظر ما سيأتي، ثم إن منظر رضا وساركوزي في رحاب الجائزة. يا لها من حفلة. من سيجرؤ على أن يقول لي بأن الأمر لا يتعلق برواية حقيقية!». السياسة تدخل الأدب بطرقها الغريبة والملتبسة، الأخلاق أيضا، بل، وأشياء أخرى لا تمت إلى عالَم الأدب. وبين هذا وذاك سيضيع القارئ وسط زحمة العناوين. ولكن العديد من الروائيين الشباب لن يجدوا في المكتبات، على كثرتها، زاوية لعرض باكورة أعمالهم.