الطاهر وطار: بعض الشعراء ارتموا في أحضان السلطة بتلذذ عجيب

يخص "الشرق الأوسط" بفصل من روايته الجديدة

TT

أحضان السلطة بكل استسلام، ومن دون تساؤل وبتلذذ عجيب. فتم تعيين الكثير من الشعراء على رأس مديريات الثقافة، كذلك في مناصب حساسة في قطاع الإعلام. وبحكم اهتمامي بالموضوع رحت أبحث عن الإشكاليات في ما يمكن أن يجمع بين المبدع ومسؤوليه، وما يمكن أن يفرقهما، وهل يقبل المبدع الفساد المتفشي، وإن رفض فهل يعبّر عن ذلك أم يكون بطريقة سرية؟

فعندما يكون الفساد متفشيا في الأرض، ويسكت عن ذلك الشعراء، فهذا دليل على غيابهم.

* عوّدتنا على استلهام شخصياتك الروائية من أشخاص واقعيين، فعلى من اعتمدت هذه المرة؟

- في هذه الرواية شيء من سيرتي الذاتية. فعندما عدت إلى فترة الستينات من القرن العشرين وفترة التسعينات منه دخل على الخط شيء من سيرتي الذاتية. لا تنس أني مررت بسلطة عندما كنت مديرا عاما للإذاعة الجزائرية لمدة ثمانية عشر شهرا، حينها واجهت تجربة واكتسبت خبرة في هذا الشأن، ولم استلهم تجارب أشخاص آخرين. كنت بيني وبين نفسي، رجلاً شيوعياً مناضلاً حاول أن يختطف الرائد شابو، أمين وزارة الدفاع الوطني حينها، فهذا أنا.

* ألم يكن بشير حاج علي، الشاعر الجزائري والمناضل الشيوعي الراحل، حاضرا وسط الأحداث، وهو الذي ظل معارضا إلى النهاية؟

- الرواية في جزء منها، تتناول حادثة انقلاب العقيد هواري بومدين على الرئيس احمد بن بلا يوم 19 يونيو (حزيران) 1965، والشاعر بشير حاج علي كان ساعتها في السجن، وقد ذكرته بالاسم، مثلما ذكرت المؤرخ محمد حربي، والصحافي اليساري عبد الحميد بن الزين والمناضل الحقوقي حسين زهوان، وكلهم كانوا في السجن ساعتها.

* عنوان روايتك الجديد، "قصيد في التذلل"، ظاهريا هو احتفاء بالشعر وباطنيا هو "نقض" له؟

- العنوان هو متابعة لهاجسي المركزي، أي علاقة المثقف بالسلطة. ففي الروايات السابقة تحدثت عن المثقف بصفة عامة، عن المتعلم ورجل المسرح، كما حصل في "تجربة في العشق". لكن هذه المرة تحتم عليّ أن أفصّل هذه الظاهرة. فذهبت إلى المبدعين كشريحة منفصلة تماما عن ظاهرة المثقفين التي عالجتها سابقا. فهي شريحة تتميّز بكيانها وخصوصياتها وتاريخها الطويل. وطبعا عندما نقول "المبدع" يبرز أمامنا الشاعر، وهو الأكثر حضورا في تاريخ الأدب العربي. وهو حسب معرفتي الأكثر حساسية من بين المبدعين وربما لا يتساوى معه في هذا الأمر إلا الموسيقار. وقد أردت القول، كيف يمكن أن تكون علاقة بين مبدع يفترض أن يتجاوز الواقع كل لحظة، وسلطة هي رمز للاستقرار والثبات لـ"غض الطرف عن الصغائر". كيف يكون هذا التزاوج، خاصة مع ما لوحظ في الجزائر مثلا، منذ سنوات بعد خفوت صراع المثقفين الإسلاميين مع السلطة وما نجم عن ذلك من ارتماء الكثير منهم، خاصة الشعراء، في أحضان السلطة بكل استسلام، ومن دون تساؤل وبتلذذ عجيب. فتم تعيين الكثير من الشعراء على رأس مديريات الثقافة، كذلك في مناصب حساسة في قطاع الإعلام. وبحكم اهتمامي بالموضوع رحت أبحث عن الإشكاليات في ما يمكن أن يجمع بين المبدع ومسؤوليه، وما يمكن أن يفرقهما، وهل يقبل المبدع الفساد المتفشي، وإن رفض فهل يعبّر عن ذلك أم يكون بطريقة سرية؟

فعندما يكون الفساد متفشيا في الأرض، ويسكت عن ذلك الشعراء، فهذا دليل على غيابهم.

* عوّدتنا على استلهام شخصياتك الروائية من أشخاص واقعيين، فعلى من اعتمدت هذه المرة؟

- في هذه الرواية شيء من سيرتي الذاتية. فعندما عدت إلى فترة الستينات من القرن العشرين وفترة التسعينات منه دخل على الخط شيء من سيرتي الذاتية. لا تنس أني مررت بسلطة عندما كنت مديرا عاما للإذاعة الجزائرية لمدة ثمانية عشر شهرا، حينها واجهت تجربة واكتسبت خبرة في هذا الشأن، ولم استلهم تجارب أشخاص آخرين. كنت بيني وبين نفسي، رجلاً شيوعياً مناضلاً حاول أن يختطف الرائد شابو، أمين وزارة الدفاع الوطني حينها، فهذا أنا.

* ألم يكن بشير حاج علي، الشاعر الجزائري والمناضل الشيوعي الراحل، حاضرا وسط الأحداث، وهو الذي ظل معارضا إلى النهاية؟

- الرواية في جزء منها، تتناول حادثة انقلاب العقيد هواري بومدين على الرئيس احمد بن بلا يوم 19 يونيو (حزيران) 1965، والشاعر بشير حاج علي كان ساعتها في السجن، وقد ذكرته بالاسم، مثلما ذكرت المؤرخ محمد حربي، والصحافي اليساري عبد الحميد بن الزين والمناضل الحقوقي حسين زهوان، وكلهم كانوا في السجن ساعتها.

* وكيف تجاوزت اللغة الصوفية التي كتبت بها رواياتك الأخيرة لتعود إلى "لغة واقعية" في هذه الرواية؟

- أنا من المستسلمين بشكل نهائي للموضوع، أترك له العنان ليختار شكله من حيث اللغة والإنشاء والتركيب والبناء الهيكلي، لهذا يصعب عليّ القول بالاختيار الواعي للشكل. فأنا أرى أن هناك علاقة جدلية بين الشكل والمضمون، فهذا يشكّل هذا والعكس صحيح. وما احرص عليه هو الوفاء للشخصيات في أبعادها. فعندما تكون هناك شخصية ولي زاهد خارج من وجدان الناس، فأنت مجبر على استعمال لغة صوفية فيها الكثير من "الأكاذيب"، كأن تجعله يحلق في الفضاء مثلا، وهي حالة غير طبيعية. وعندما تتحدث عن مناضل فأنت مجبر على استعمال تعابير آيديولوجية. فالشخصيات تفرض شكل الرواية والأسلوب والحوار، وأنا عندما عدت في هذا العمل إلى المتنبي، عدت إليه بشيء من الفانتازيا لأن شخصية أبي الطيب لا يمكن أن توصف بهذه الواقعية. فهذا مناضل كبير ولو كان ما زال حيا لاختطف معي الرائد شابو (يضحك).

* تكتب رواياتك في العادة، دفعة واحدة، لكن حدث الاستثناء هذه المرة وقد عدت من خلوتك، ولم تتم الرواية بعد، هل الصعوبة تكمن في الموضوع هذه المرة؟

- منذ رواية "الولي الطاهر يرفع يديه بالدعاء" أحسست بضرورة التأني في الكتابة، مع محاولة إعطاء الموضوع الوقت الكافي في التحرير. وأحسست كما لو أني أسعى إلى التراكم النوعي، فاخترت ألا اكتب الرواية الطويلة لضرورة العصر، والناس حاليا يسعون إلى اختزال كل شيء. ومع ذلك لدي شبه نقد ذاتي، وهو أني متعجل بشكل من الأشكال، وأنا للأسف مضطر لهذا، لأني في باقي أيام السنة أكون منهمكا في العمل العام والنشاطات الثقافية. وأجدني في شهر عطلتي منهكا، وكلما تقدمت بي السنون يكون إنهاكي ثقيلا كما لو أني أهرب من استكانة الشيوخ، وهي إعلان العجز البدني. وفي هذه السنة بذلت نفس الجهد البدني الذي كنت أبذله، وكنت اكتب بمعدل 1500 كلمة في اليوم، وعندما أقول أكتب، فأنا أحرر وأظل طوال الوقت أفكر في الموضوع وأبعاده ومستلباً مئة بالمئة من طرفه، وأحس بضرورة التأني، وتقديم شيء يقترب من أعمالي الناجحة مثل "تجربة في العشق" و"اللاز" و"عرس بغل".