كتّاب الضواحي الفرنسية يدشنون الموسم الأدبي 2007 بالتحدي

بيان لاهبٌ ضد الأفكار المسبقة وعجرفة الأقوياء

كتاب الضواحي الذين اصدروا بيانهم والكتاب
TT

التمزقات التي يعيشها الكتّاب الشباب المتحدرون من الضواحي الفرنسية، سواء كانوا من أصول عربية أو سوداء أو فرنسيين، هي كثيرة ومؤلمة. الهموم كثيرة لدرجة يصعب سردها، ومن بينها التعامل السيئ الذي يلقونه من وسائل الإعلام الثقافية، كذلك المكتبات التي لا تقوم بما يجب لعرض مؤلفاتهم ونصوصهم إلى جانب مؤلفات المكرَّسين قبل الأوان، ومن ثمّ وصمهم بعبارات من قبيل «كتاب الضواحي» أو «كتابة الأقليات» وغيرها من أوصاف تمييزية. شبان الضواحي هؤلاء، ردوا على طريقتهم هذا المرة، وأجبروا الجميع على سماع صوتهم المدوي.

من أجل وضع النقاط على الحروف كما يقال، تَداعَتْ مجموعة من كتاب الضواحي الشباب (في حدود العشرة) للرد على التعامل المتعجرف الذي يتعرضون له، وقرروا إصدار عمل جماعي يتضمن نصوصا (قصصا صغيرة) لهم.

النصوص التي نشرتها دار النشر الفرنسية "ستوك" Stock في الموسم الأدبي الحالي، تتفاوت قيمتها الجمالية والإبداعية، ولكنها تشي بوجود حساسية أدبية وسياسية جديدة يتقاسمها هؤلاء الكتاب الشباب، خصوصا بعد أحداث الضواحي القاسية التي لا تزال في كل الأذهان، والتي لم يتمَّ إيجاد حلٍّ ثقافي وسياسي واقتصادي لها بعدُ... والأهم من النصوص الأدبية هو ذلك البيان الذي عمم بسبب وضعه على الصفحة الأخيرة من الكتاب وجاء فيه:

"لأن الأدب الذي نؤمن به، كمساهمة أساسية في حرب المعنى، هو على النقيض من الأدب الحالي الأناني والبائس ومُخرِج الأمزجة البورجوازية.

لأننا مقتنعون بأن الكتابة، هي اليوم أكثر من أي وقت مضى، لا يمكن لها أن تظلَّ حبيسةً ورخوةً ومتصنِّعة للرقّة، ولكن على العكس يجب أن تكون ملتزمة ومحاربة وشرسة.

لأننا نرفض أن نظلَّ متفرّجين على مختلف أشكال المعاناة، التي يعتبر الأكثرُ هشاشة والساقطون من محيطهم واللامرئيّون، من بين ضحاياها.

لأننا أخذنا علماً بعجز سياسة لم تمتلك أبدا، بشكل حقيقي، الوسائل الضرورية لمحاربة التفاوتات التي ترهق إمكانات مستقبل أفضل.

لأنه يتم تصنيفنا على أننا كُتّاب من الضواحي، ولأن أصل الكلمة متحدرٌ من أماكن النفي والإقصاء، فنحن نريد اقتحام الحقل الثقافي والتعالي على الحدود، واسترجاع الفضاء الذي يعود إلينا بحكم القانون من أجل التطلع الشرعي إلى الكونية.

لأن هذا الجيل، جيلنا نحن، له رغبة جارفة في النجاح، وله الزخم كي يهدم الأبواب، وله الغضب الشديد كي يصل إلى أهدافه، وله الكاريزما كي يثقب الشاشة، وله الذكاء كي يفوز بالديبلومات، وله القوة لرفع المتاريس، وله جسارة الرياضي، وله جمال الكِتاب ومزاج أفريقيا ورائحة المغرب العربي وحبّ العلم الفرنسي وشِعْر فرنسا.

لأن هذا البلد، بلدنا، له كل الإمكانات كي يصبح مثاليا شرط أن يَقْبَل نفسه كما هو (الآن) وليس كما كان. نحن الفنانين، قررنا تجميع قوانا وأعمالنا جميعا، من أجل النضال ضد التفاوت والظلم.

نحن، أبناء فرنسا المتعددة، نريد نشر هذا التنوع الذي هو ورقة رابحة وهو حظّ للغد وقوة جماعية.

نحن، نساء ورجال الكلمة العاشقة للمعنى والحركة نريد أن نتحرّك، على مستوانا، ونساهم، هكذا، في تشييد مجتمع أكثر تضامنا.

نحن المتحدرين من هويات مختلطة ندفع بكل قِوانا إلى المعركة من أجل المساواة في الحقوق واحترام الجميع بعيدا عن الأصول الجغرافية والشروط الاجتماعية.

نحن، مواطنو الهُنَا والخارج، منفتحون على العالم وثرائه، نتمنى أن نحارب، عن طريق الكلمة واليراعة، تلك الأفكار المسبقة والمعيبة التي تجمّد بلدنا وتلغّم العيش المشترك.

نحن، الكُتّاب القادمون، المتجذّرون في الواقع، ندخل في التزام من أجل أدب في المرآة، واقعي وديموقراطي، يفكّر (في) المجتمع ومخيالاته في كلّيتها.

نحن، أبناء الجمهورية، نروم المساهمة في قوّة خطابها، ومتانة إلهامها، وفي ترجمة قيمة مبادئها إلى أفعال.

نحن، أبناء فرنسا، المتحدّرون من هنا، والمتعبون من عجرفة الأقوياء إزاء صرخات استغاثتنا ونداءاتنا إلى المساعدة ورسائلنا التي ظلّت ميتة، نحوّل اليومَ أصواتنا ويراعاتنا نحو الأمّة ونحن ننهضُ كَرَجُل واحد وكنقطة حِبْر واحدة.

الموقعون على البيان هم ديمبو كومان، مبروك راشدي، جون ـ إيريك بولين، سمير وزان، حبيبة مهني، خالد البهجي، طومتي ريام، كريم أملاّل، محمد رزان، وفائزة كْوين.

والجدير بالذكر أن فائزة كوين، المولودة سنة 1985 بالضاحية الباريسية، والمتحدرة من أصول جزائرية، حققتْ نجاحاً لافتاً، بعد صدور روايتها الأولى "كِيفْ كِيفْ، غداً"...

فكرة تأسيس هذه الجمعية أو هذا النادي، هي بداية (ليست الأولى بالتأكيد) ضمن البدايات العسيرة بالطبع، لفرض الذات في عالَم الثقافة القاسي في فرنسا (أقسى من عوالم الاقتصاد، ربما)، عالَم لم يتخلص بعدُ من تقسيم الكتابة بالفرنسية إلى أدب فرنسي وآخر فرنكوفوني، ولكنها ضرورية من أجل الوصول إلى نهاية مسيرة الألف ميل التي تبدأ بالتأكيد بالخطوة الأولى، كما يقول الصينيون، بحق.