فوكوياما: وزن أميركا الكبير أفقد العالم التوازن

دعا إلى نهج جديد في السياسة الخارجية

TT

ينقسم كتاب "أميركا عند مفترق طرق... الديمقراطية، القوة وإرث المحافظين الجدد" لفرانسيس فوكوياما، صاحب كتاب "نهاية التاريخ" الذائع الصيت، الذي صدر العام الماضي، إلى سبعة أقسام غطت العناوين الرئيسية: المبادئ والتعقل، تركة أو إرث المحافظين الجدد، التهديد، الخطر والحرب الوقائية، التفرد الأميركي والشرعية الدولية، الهندسة الاجتماعية والتنمية، إعادة التفكير المؤسساتي بنظام عالمي، ونوع مختلف من السياسة الخارجية الأميركية.

وفيما يخص العنوان الأخير، يتناول الكتاب موضوع السياسة الخارجية الأميركية منذ هجمات القاعدة في 11 أيلول (سبتمبر) 2001، وفيه ينتقد فوكوياما احتلال العراق، ويضع نفسه على طرفي نقيض مع أصدقائه من المحافظين الجدد، سواء داخل أو خارج إدارة بوش. ففي رأيه أن إدارة بوش في قرارها غزو العراق أخفقت في إدارة السياسة الخارجية الأميركية. أولاً لأن الإدارة أخطأت في الحرب الوقائية التي تشكل الركيزة الرئيسية لسياستها الخارجية، وثانياً أساءت تقدير رد الفعل العالمي على ممارستها ما سماه "الهيمنة المُحسنة" وأخيراً فشلت في توقع الصعوبات المرافقة لعملية الهندسة الاجتماعية ذات الحجم الكبير. وإجمالا، إنها أساءت تقدير الصعوبات المرافقة لتأسيس حكومة ديمقراطية ناجحة في العراق.

لم يكن غزو العراق استجابة واضحة لأحداث 11 (أيلول) سبتمبر. وقد توقعت إدارة بوش حرباً قصيرة الأجل وتحولاً سريعا ونسبياً غير مؤلم لعراق ما بعد صدام حسين. وأولت اهتماماً قليلا لمتطلبات إعادة البناء لفترة ما بعد انتهاء الحرب وتفاجأت عندما وجدت نفسها تقاتل التمرد لفترة طويلة.

لقد اقترح منظرو الفكر المحافظ الجديد في السنوات التي كانوا فيها خارج السلطة قبل انتخابات عام 2000 أجندة السياسة الخارجية الأميركية التي تتضمن تغيير الأنظمة و"الهيمنة المُحسنة"، والتفرد الأميركي لتكون علامة فارقة في السياسة الخارجية لإدارة بوش. وقال الكثير من المحافظين الجدد خلال أواخر التسعينات بأنه يجب على الولايات المتحدة أن تستخدم تفوقها العسكري لفرض "الهيمنة المُحسنة" على أجزاء استراتيجية مهمة من العالم. والكثير منهم كانوا يؤيدون الحرب بقوة ودافعوا عن تحويل التركيز من منظمة القاعدة إلى العراق.

لكن إدارة بوش فشلت في توقع متطلبات السلم وإعادة اعمار العراق وكانت متفائلة بشكل مفرط في تقديرها لسهولة "الهندسة الاجتماعية" وإمكانية إتمامها ليس في العراق فحسب وإنما في الشرق الأوسط ككل.

وقد كشفت حرب العراق حدود "الهيمنة المُحسنة" في الولايات المتحدة. وسلطت الضوء أيضاً على محدودية وجود المؤسسات الدولية، خصوصا الأمم المتحدة التي كانت قد فضلت من قبل الأوروبيين كإطار ملائم للشرعية الدولية. ولم تكن الأمم المتحدة قادرة على المصادقة على قرار الولايات المتحدة للذهاب إلى الحرب أو وقف واشنطن من عمل ما تريد. ومن كلتا الوجهتين يعد هذا فشلاً لهذه المنظمة.

العالم اليوم، حسب فوكوياما، لا يمتلك مؤسسات عالمية كافية قادرة على منح الشرعية للعمل الجماعي، وإن إنشاء مؤسسات جديدة توجد توازناً جيداً لمتطلبات الشرعية والفعالية سوف يكون المهمة الأولى للجيل المقبل، مستفيداً من أكثر من مائتي سنة من التطور السياسي.

إن ما يسميه فوكوياما "المساءلة الأفقية" أصبحت على وجه الخصوص حاسمة لسببين. الأول العولمة التي تعني بأن المجتمعات تتداخل بشكل متزايد اقتصاديا وثقافيا، حيث التغير في التكنولوجيا أو الاستثمار على بعد آلاف الكيلومترات يمكن أن يؤديا إلى تأثيرات ثقافية جديدة. والسبب الثاني هو ان وزن الولايات المتحدة على المستوى الدولي ايجاد عدم توازن ملازم، حيث تستطيع الولايات المتحدة أن تؤثر في دول كثيرة في العالم دون أن تتمكن هذه الدول من ممارسة درجة من التأثير المماثل في الولايات المتحدة. وهذا الأمر يبدو أكثر وضوحاً في عالم القوة العسكرية إذ تستطيع الولايات المتحدة تغيير نظام يبعد عنها 8.000 ميل.

ويكشف المؤلف الجدل الدائر بين قسم من المحافظين بخصوص إدارة بوش التي نفذت أجندة المحافظين الجدد، والتي فرضت على السياسة الخارجية الأميركية خلال الفترة الأولى للرئاسة. وفي رأيه، إن هذا الجدل ظاهرة صحية، وهو يذكر بتاريخ من تباين مواقف الفكر المحافظ الجديد منذ ثلاثينات القرن الماضي. إن تركة أو أرث المحافظين الجدد مسألة معقدة، لكنها يمكن أن تفسر بشكل مختلف تماما عما كانت عليه بعد انتهاء الحرب الباردة. وهو هنا يقترح نهجا جديدا للسياسة الخارجية الأميركية من خلال الاستفادة من الأخطاء، وتحويلها إلى نقاط ايجابية للتراث المحافظ الجديد، بالارتباط مع نظرة أكثر واقعية حول الطريقة التي يمكن أن تستخدم فيها الولايات المتحدة القوة في أنحاء العالم.