«الخميسة» محفورة في روح شجر الزان

من أعمال كريم العطاوي في معرضه المستوحى من «الخميسة»
TT

يعرض حاليا، النحات الشاب كريم العطاوي في فضاء "دار الفنون" لمدينة الرباط، أعمالاً تتميز بسبرها لمادة الخشب بهدف إعادة قراءة أحد الرموز الرئيسة في الثقافات السامية، لا سيما الثقافة العربية - الإسلامية. إنه معرض يتمحور حول الخميسة، التي تقي من الحسد من المنظور الشعبي. و"خميسة" تصغير لخمسة، وهو عدد نوراني عند المسلمين. فالفرنسيون يسمونها مثلا "يد فاطمة" نسبة إلى فاطمة ابنة الرسول الكريم، ويصبغون بهذه التسمية الرمز بقدسية سلالية. وهي عبارة عن اليد "اليمنى" التي تشهر في وجه قوى الشرّ، تحاربها، وتحمي حاملها من ضربات "العين" المتربصة به. وهناك من الباحثين من يعتبر "الخميسة" ضاربة في القدم، حيث وجدت قبل اليهودية والمسيحية والإسلام، بدليل أنها تنتشر في أفريقيا الشمالية منذ القرطاجنيين، أي قبل البربر واليهود والمسلمين. ففي المغرب، نجد هذا الرمز مثلا في تصميمات الحلي عند المسلمين واليهود والأمازيغ...

يشتغل كريم العطاوي في الغالب على خشب الزان. وهذا الخشب ذو اللون الطيني يتميز بجودته وصلابته ومرونته، إذ يتقمص جليا روح العمل الذي يحمله. لذلك فبراعة النحات تأتي من قدرته الهائلة على تطويع هذا النوع من الخشب لممارسة حفريات في التراث الجمالي العربي الإسلامي والكوني. لأننا نقف أيضا في هذا المعرض على أشكال وأحجام تقرب عمله من النحت الأفريقي الأصيل الذي نهل منه كبار الرسامين في العالم. مما يشي بأن العين التي تلتقط الرموز في منظومتها الثقافية الشخصية يلزمها الكثير من الخيال والفكر الحواري، لتكتشف المسكوت عنه في طبقاتها الدلالية والتداولية والبصرية. كما أن التنويع الشكلي الذي وظفه الفنان من وجوه ومنحنيات ورؤوس وأشكال هندسية مختلفة مكّنه من توسيع الدلالة الأولية لهذه المادة التراثية التي يشتغل عليها بفتحها على التأويل، والبناء المركب، وإعادة القراءة الفاعلة. غير أن يد النحات وإن أعطت الامتياز لشجر الزان، لم تنس شجر الزيتون والعرعار، وهي أنواع تنتشر في المغرب وتسمح تشكيليا بابتكار صناعة تقليدية وعصرية جديدة.

بين العين والخشب تتأسس بلاغة مغايرة تفتح الباب لإبداع جيل صاعد، لا يكتفي بالتقليد والمحاكاة، بل يحفر في مختلف اتجاهات اليد والذاكرة، ليفتح آفاقا بصرية تؤهله للإنصات المبدع للهوية المغربية، خصوصا أن الفنون البصرية المغربية تتميز بهيمنة جيل الرواد الذي ما زال يسود في مملكة العين. لذلك يمكن أن نعتبر هذا المعرض إحدى الخطوات الموفقة لشاب عصامي من مواليد مدينة طنجة سنة 1971، استطاع أن يعيد قراءة "الخميسة" التراثية بتواضع ودون ادعاء ليضع قدمه على طريق البحث النوعي في ميدان كثر فيه المدعون وأشباه الفنانين التشكيليين. إنها يد الإنسان التي تعيد الحياة لروح الشجر...