الطاهر بن جلون: لا أعرف ما الذي يجري في العراق

دردشة على ضفاف خليج بوتاميا

الطاهر بن جلون اثناء حلوله ضيف شرف في فنلندا
TT

هي المرة الأولى التي التقي بها الطاهر بن جلون وجهاً لوجه. تابعت سيرته وما يكتب عنه، وقرأت له العديد من مؤلفاته الروائية. كاتب غزير الانتاج، ظهرت ترجمات لكتبه في العديد من لغات العالم، ناضل من أجل المساواة والعدالة الاجتماعية، وطالما اثارت افكاره جدلا ونقاشا حاميين من حوله. لذلك فإن الانفراد بدردشة جانبية معه كانت متعة اكتشفت معها بعض كوامن هذه الشخصية التي بقيت ملتبسة على كثيرين.

يرى الطاهر بن جلون، اذ يعالج موضوع الهجرة الى فرنسا كمجتمع علماني، الخلاص من منظور إنساني، متحرر من تدخل الدين في السياسة ومن الموروث الثقافي الثقيل الذي يحمله المهاجرون إلى مجتمعاتهم الجديدة. كنت اتطلع دائما لقراءة كتابات هذا المبدع، ولم يخطر لي يوما اني سألقاه ببساطة شديدة. كان اول ما قرأت له روايته "طفل الرمال" (1985)، حيث يبحث بن جلون على نحو ساخر وشفاف في مكانة الذكور والاناث في المجتمعات الشرقية. فزهرة حين ولدت لأب له ثماني بنات، وهروبا من ازدراء الناس يلجأ الاب الى تربيتها كولد تحت اسم "احمد"، وتكون المصيبة اكبر حين يتزوج "احمد" ابنة عمه فاطمة. لكن رغبة "احمد" في الانجاب تجعل شخصية زهرة تستيقظ، ليواصل بن جلون رواية حكايتها لنا في كتاب آخر هو رواية "ليلة القدر" او "الليلة المقدسة" التي ترجمت الى 43 لغة، وحاز عليها جائزة الغونكور. وفي هذه الرواية تعثر زهرة على هويتها من خلال عشقها لرجل اعمى.

وهكذا في يوم ممطر، من ايام طقس خليج بوتاميا المتقلب، وجدت نفسي مدعوا الى الحفل السنوي الذي تقيمه دار النشر الفنلندية "غوميروس" بمناسبة ذكرى تأسيسها عام 1872. الحفل اقيم في واحدة من القاعات التاريخية، في هلسنكي، وبحضور اكثر من مائتي كاتب. كان الطاهر بن جلون ضيف الشرف، والمناسبة صدور الترجمة الفنلندية لروايته "الرحيل"، عن اللغة الفرنسية. وهو كتابه السادس بالفنلندية، ويروي فيه بن جلون مأساة شبان مغاربة مستعدين للمجازفة بحياتهم هربا من البطالة والاذلال في بلادهم، وكل املهم قطع مسافة الـ 14 كيلومترا التي تفصل طنجة عن جنوب اسبانيا عبر مضيق جبل طارق، من اجل ايجاد معنى لحياتهم .

وسط ازدحام الحفل وعدسات المصورين ومراسيم التعارف، لم اجد صعوبة في التحدث الى بن جلون. قدمتني اليه احدى العاملات في دار النشر، وحالما سمع تحيتي باللغة العربية حتى اقترب مني هامسا: ـ منأين؟

* اجبت مباشرة:

ـ من العراق.

عاد وصافحني بحرارة اكثر. وسرعان ما وجدنا فسحة جانبا لننفرد، سألته:

ـ كيف هي متابعتك ورؤيتك لاحداث العراق؟

نظر اليّ مبتسما:

ـ اتدري، لا اعرف تماما ما الذي يجري هناك. الامور تبدو مختلطة تماما. بالله عليك، انت من هناك هل يمكن ان تحكي لي وتوضح بعض الشيء؟

وهكذا بدل ان اوجه الاسئلة، وجدتني اتلقاها، واخوض في حديث مكثف عن الاوضاع في العراق، واحاول ان اقدم صورة عما يجري في بلادي، ليعقب بن جلون بحسرة :

ـ الشعب العراقي لا يستحق هذا. كنت في بغداد عام 1975، شاركت في مهرجان الفارابي، وكتبت مقالات للصحافة الفرنسية عن العراق، كانت هناك فسحة من الحرية، وكانت الحركة الادبية بعافية، واليسار نشطا في الشارع العراقي. قلت له، لو كتبت شيئا عن لقائنا، فلن اسميه لقاء وإنما دردشة سريعة، وانا اعرف اجوبة كثير من الاسئلة التي تخطر في البال، لاني من متابعيك الدائمين، ولكن ثمة سؤالا يلح على الذي يقرأ كتبك: اين تضع نفسك على خارطة الكتابة، هل انت كاتب مغربي، فرنكوفوني ام فرنسي؟

اجابته كانت سريعة:

ـ انا من اصل مغربي متحرر من ازمة الهوية، لغتي الأم العربية، ولكني لست كاتبا عربيا ولا فرنكوفونيا، انا كاتب فرنسي من نوع خاص. فطالما انني اكتب بالفرنسية، فأنا اعتبر ان اللغة هي هوية الكاتب.

واذ قطع حديثنا احد الاخوة، ودار كلام عن موضوعات تخص الاسلام واصدار بن جلون كتبا مخصصة للاطفال، يفسر فيها مفهوم الاسلام والعنصرية. قال بن جلون لمحدثه: انه حاول في كتاب "العنصرية كما أشرحها لابنتي" (1998)، الإجابة عن أسئلة تطرحها عليه ابنته ذات العشر سنوات حول العنصرية. وفيه عرّف العنصرية بكلمات بسيطه واعتبر ان العنصريين يعانون من أزمة نفسية عميقة، ويخشون من كل من يختلف عنهم. اما كتابه "الإسلام مشروحا" (2002) ففيه اتبع نفس النمط في طريقة "سؤال - جواب". وفي هذا الكتاب الذي صدر عقب هجمات 11 سمبتمبر، يسعى بن جلون إلى توضيح تعاليم الإسلام الأساسية وتسليط الضوء على العهد الزاهر للثقافة الإسلامية والمبادئ السمحة التي يتأسس عليها الإسلام.

* ووجدتني أسأل:

ـ وكيف ترى واقع الثقافة العربية مع طغيان موجة الاسلام السياسي، والتيارات الدينية المتطرفة؟

مد ذراعيه على سعتهما:

ـ في حالة انحطاط كبير، والحكومات تساهم بذلك، والمثقف العربي محاصر تماما.

الطاهر بن جلون من مواليد فاس، في الاول من ديسمبر 1944. انتقل إلى مدينة طنجة مع أسرته عام 1955 حيث التحق بمدرسة فرنسية. وكان قد اعتقل عام 1966 مع 94 طالباً بسبب تنظيمهم ومشاركتهم في مظاهرات 1965. وهي تجربة دفعته بحماس إلى تبني نوع آخر من المقاومة أساسه الكلمة لا الفعل. ثم درس الفلسفة في مدينة الرباط لغاية 1971 حين اعلنت الحكومة المغربية عن عزمها تعريب تعليم الفلسفة. ورداً على ذلك، غادر المغرب صوب فرنسا، حيث حصل على شهادة عليا في علم النفس. وبدأت مسيرته في الكتابة، حيث عمل كاتبا مستقلا لصحيفة "لوموند" وبدأ ينشر الشعر والرواية.