ريجيس دوبريه يشغل الفرنسيين بكتيب صغير

TT

هل ستفوز امرأة، بلجيكية، بالغونكور؟

السياسة التي دفعت بكتاب ياسمينة رضا إلى قمة المبيعات في فرنسا، حيث لا يزال في طليعتها، هي نفسها التي أطاحت به. فيما يبدو. إذْ أنه تمت إزاحتها من المسابقة للفوز بالغونكور، على الأقل. التصفيات الأولى للمسابقة لا تزال تحتفظ بروائيين وروائيات على الخصوص، لهنّ وافر الحظوظ للفوز بهذه الجائزة العتيدة. تقفز إلى السطح أسماء كلّ من بيير أسولين، أميلي نوطومب في روايتها «لا حواء ولا آدم» وليدي سالفاير وأوليفيا روزونثال وماري داريوسيك، كما لا ننسى الرواية المشتركة من توقيع الأخوين أوليفيي وباتريك بْوافر دارفور(يعتبر هذا الأخير، باتريك، من ألمع مقدمي نشرات الأخبار في فرنسا، منذ فترة طويلة جدا، كما أنه يقدم برنامجا يعنى بالكتاب في القناة الأولى الفرنسية) وغيرهم من الروائيين.

ويرى الكثير من المراقبين الأدبيين أن الروائية البلجيكية إيميلي نوطومب هي الأكثر حظا، هذه المرة، (لأنها كثيرا ما تكون حاضرة في تصفيات هذه الجائزة خلال السنوات السابقة) خصوصا مع روايتها التي تعتبر من أكثر رواياتها تماسكا وقوة. هذه الرواية التي تتخذ من اليابان موضوعا مركزيا لها، وتعتبر عودة إلى هذا البلد الآسيوي الذي شهد ولادتها، من والد دبلوماسي بلجيكي (كان سفيرا). وبعد دراسات في جامعة بلجيكية حرة، تقرر الكاتبة العودة إلى اليابان وهناك تعيش تجرية قاسية في الكدح والعمل، ستعبر عنها روائيا من خلال روايةStupeur et tremblements التي أثارت حنق الكثير من اليابانيين واعتبروها إهانة لبلدهم. ومن هنا تأتي هذه الرواية الجديدة التي تتخذ من اليابان أيضا موضوعا لها ولكن في جو أقل قسوة وأكثر مرحا. رواية تتحدث عن نفس الفترة، ولكن من خلال خطبتها من قبل شابّ من شباب طوكيو. وبينما ينهمك الكثير من الفرنسيين بأخبار جائزة الغونكور وتطوراتها، تصدر الكثير من المقالات وتتحدث البرامج التلفزيونية الثقافية عن كتاب جديد لريجيس دوبريه عنوانه «أسطورة معاصرة: حوار الحضارات»، صادر عن «منشورات المركز الوطني للدراسات العلمية». ومثل كل «جديد» لهذا المفكر، تتعرض مؤلفاته للقراءة والمساءلة وأحيانا للتجريح. وأهمية الكتاب، تنبع من مكانة المؤلِّف الذي كان معروفا بيساريته وصحبته لتشي غيفارا، التي تعود ذكراه هذه الأيّام.. كما أنه عمل مستشارا للرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا متيران....

الكتيب الصغير هو عبارة عن محاضرة ألقاها المفكر وعالم الميديا الفرنسي في مدينة إشبيلية أمام كوكبة من 200 مثقف، اجتمعت لمناقشة مسألة «حوار الشعوب والثقافات». وتأتي أهمية الحدث من كونه ينعقد بعد تفجيرات 11 سبتمبر التي لا يمكن لها أن تظل بعيدة، ومن كون المفكر يتمتع بروح سجالية كبيرة ويصعب ترويضه، وقد رأينا موقفه المعارض لشبه الإجماع فيما يخص حرب البوسنة وأيضا موقفه من القضية الفلسطينية. مقطع من الكتيب: «تمر العلاقات الدولية، هذه الأيام، بمرحلة مثيرة للفضول. وكما لاحظ هيبيرت فيدرين الأمر مؤخرا، فالدول المهيمنة، والولايات المتحدة على رأسها، التي تتصور أنها انتصرت في معركة التاريخ، تعتبر السياسة الخارجية غير مجدية، أي هذا التمرين الذي يقتضي التفاوض مع أناس لا يشاطروننا نفس الأفكار ولا نفس القيم. يتمّ الاعتقاد بأنه لا مجال لحوار مع هؤلاء. إنهم أوغادٌ وإذنِ يجب إدانتهم، وحين يبالغون، يتوجب قصفهم. إن هذا، ربما، هو إرثٌ تدليسيّ من الإمبراطورية البيزنطية، هذا الممقوت، حيث الإدارة المكلفة بالعلاقات الدولية تسمّى مكتب البرابرة. وهي تسمية يمكن أن تستعيرها بعض العواصم (متناسية أن البربري، حسب معادلة شهيرة، هو مَنْ لأجله يتَواجَدُ برابرةٌ، بالطبيعة والقضاء والقدر). إذا كان حوار الثقافات يتعلق بمنح روح إضافية لهذا الغباء الإمبراطوري، ومصاحبة «الحرب ضد الإرهاب»، هذا التعبير العبثيّ، وفي تصدير مبدئنا إلى التخوم، فإن هذا لا يستحق أي شيء. سنتوجه قريبا إلى الإسكندرية، هذا شيء جميل، هو الطريق القويم. لكن علينا أن لا ننسى أنه يتوجب علينا أن ندفع قليلا نحو الأعمق، ونجتمع في أيام قادمات، إذا كان مسموحا بالحلم، في غزة وطهران وبيروت ودمشق، من دون نسيان كابول وبغداد».