أب المحافظين الجدد يرسم خطوط حرب عالمية أخرى

نورمان بودهوريتز يتوقع أن أكثر الدول المسلمة ستكون ساحات قتال

TT

لأكثر من أربعة عقود ظل بودهوريتز صوتا مهما في مناقشات السياسة الخارجية في الولايات المتحدة. وهو من المثقفين الذين بدأوا ناشطين يساريين، ثم تحولوا أمام فظائع النظام الاستبدادي السوفييتي إلى اليمين. وخلال سنوات الحرب الباردة لم يكن لهم تأثير يذكر، لكن مع وصول رونالد ريغان إلى الرئاسة تمكنوا من الوصول إلى مراكز القوة ونجحوا في صياغة السياسات التي ساعدت على تفكيك الامبراطورية السوفييتية. وهو الآن من أشد مؤيدي الرئيس الأميركي. ويؤمن أن ما نشهده الآن من صراع هو حرب عالمية رابعة، ساحتها معظم البلدان العربية والإسلامية

هل نحن نشهد حربا عالمية جديدة؟ إذا كان الجواب بالإيجاب، فمن هم أبطالها وما هي الأهداف من ورائها؟ هذه هي بعض الأسئلة التي تتردد منذ هجمات 11 سبتمبر ضد الولايات المتحدة، مصحوبة عادة بتحليل الأسباب الأعمق لما يبدو وكأنه صراع وجودي بين رؤيتين مختلفتين حول مستقبل البشرية.

يرى المؤلف نورمان بودهوريتز ان علينا تسمية هذا الصراع بالحرب العالمية الرابعة وقدم في كتابه هذا مجموعة حجج مقنعة تسند رأيه. وأظهر بودهوريتز أن هذه الحرب بدأت قبل 11 سبتمبر ومن المرجح أن تستمر بعد تحقق استقرار العراق.

لأكثر من أربعة عقود ظل بودهوريتز صوتا مهما في مناقشات السياسة الخارجية في الولايات المتحدة. وهو من المثقفين الذين بدأوا ناشطين يساريين، ثم تحولوا أمام فظائع النظام الاستبدادي السوفييتي إلى اليمين. وخلال سنوات الحرب الباردة لم يكن لهم تأثير يذكر لكن مع وصول رونالد ريغان إلى الرئاسة تمكنوا من الوصول إلى مراكز القوة ونجحوا في صياغة السياسات التي ساعدت على تفكيك الامبراطورية السوفييتية.

طالب بودهوريتز وأصدقاؤه بحصتهم من النصر فيما اعتبروه حربا عالمية. وفي هذا الكتاب يرسم بودهوريتز خطوط حرب عالمية أخرى ومرة أخرى يعد بتحقق النصر.

لكن من يحارب من؟

في طرف هناك الولايات المتحدة وحلفاؤها بمن فيهم حكومات أكثر الدول المسلمة في العالم وفي الطرف المعاكس هناك القوى الإسلاموية المتطرفة أو الفاشيون - الإسلامويون كما يسميهم بودهوريتز، وهؤلاء يعارضون النظام العالمي الجديد ويقاتلون من أجل استبداله بنظام الخلافة أو الإمامة استنادا إلى الفهم المضحك للإسلام. والعنوان الفرعي للكتاب هو: «النضال الطويل ضد الفاشية - الإسلاموية».

تقع معظم ساحات قتال هذه الحرب في أكثر الدول المسلمة، حيث يقاتل المتمردون المسلحون والإرهابيون الحكام المسلمين المتحالفين مع الولايات المتحدة وبلدان أوروبية أخرى.

وحقيقة كون هذه الحرب تجري في عشرات من البلدان المسلمة الواقعة في أنحاء مختلفة من العالم، يمكن بودهوريتز أن يراها كحرب عالمية رابعة بعد الحرب الباردة التي تعتبر حربا عالمية ثالثة، حيث تضمنت أكثر من 100 حرب ساخنة خلال أكثر من نصف قرن.

يعتبر بودهوريتز، الذي شغل منصب رئيس تحرير مجلة ذات نفوذ هي «كومنتاري» لأكثر من ثلاثة عقود، أباً للمحافظين الجدد، الذين هم مجموعة من المثقفين تمكنوا من كسب قدر من النفوذ خلال المراحل الأولى من رئاسة جورج بوش الابن. وعلى الرغم من أن تيار المحافظين الجدد ما عاد سلعة مرغوبة كثيرا في سوق الأفكار الأميركية، فإن بودهوريتز يفتخر بالتسمية. مع ذلك فإن الكتاب يكشفه باعتباره مفكرا نموذجيا لأولئك المتحررين من قيود الايديولوجيات.

يمكن القول إن بودهوريتز ليس واحدا من المثقفين الذين يقلدون السياسيين في إعطاء تصريحات ملتبسة وغامضة. وهو ليس من جماعة «نعم ولكن» كمحلل. كذلك، هو ليس واحدا من أولئك المثقفين الذين يكونون إما ساخنين أو باردين. ويذكّرنا تحليل بودهوريتز بالوضوح الذي كانت تتمتع به الأفلام القديمة ذات اللونين الأسود والأبيض حينما يكون سهلا جيدا إدراك الخيّر والشرير، ووراءها ليس هناك سوى الهلاك. ظهر بودوريتز بهذه الروح كواحد من آخر مؤيدي نهج بوش. وهو يؤمن ان بوش على صواب عندما قال ان منطقة الشرق الاوسط ستظل مفرخا لعناصر الارهاب اذا لم تتم مساعدة المنطقة على التخلص من محنة التسلط والاستبداد. ويرى ايضا ان بوش كان على حق في التأكيد على ان مساعدة دول اخرى في تبني وتطبيق النظام الديمقراطي تصب في مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة.

دفاع بودوريتز عن نهج بوش قاده الى معركة على ثلاث جبهات. فعلى واحدة من الجبهات هاجم مؤيدي توجيه المسؤولية الى الولايات المتحدة اولا، وهؤلاء يرون ان الولايات المتحدة، وليس اعداؤها، هي السبب وراء كل التوتر والنزاعات في مختلف أنحاء العالم. وعلى جبهة ثانية، ناوش بودوريتز المفكرين اليمينيين الذين يتمسكون بتقليد الانعزالية المتمثلة في شعار "اميركا اولا" خلال فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية.

ويعتقد رودوريتز ان جورج بوش الابن "رئيس عظيم" وسيعترف التاريخ به كرئيس عظيم. ويتذكر الرئيس الاسبق هاري ترومان الذي وصلت نسبة تأييده الى أقل مستوى لها مع بداية الحرب الباردة (أو الحرب العالمية الثالثة)، لكنه اعترف به كواحد من أعظم قادة الولايات المتحدة. نهج ترومان كان محل انتقاد خلال فترته، لكنه اصبح فيما بعد اساسا للسياسة الاميركية لمدة خمسة عقود تقريبا.

ويأمل بودوريتز، الذي جرى تعيينه في الآونة الاخيرة مستشارا للسياسة الخارجية بواسطة رودي جوليناني الذي يطمح في الوصول الى البيت الابيض، في ان تستمر سيطرة الجمهوريين على البيت الابيض، وبالتالي إطالة عمر نهج بوش. إلا ان الجزء الأكثر إثارة للأهمية لهجمات بودوريتز دحضه المنطقي لما يسمى بالمدرسة "الواقعية" للسياسات الخارجية. كما اظهر كذلك ان كلمة "الواقعية" استخدمت للتغطية على جبن واضح وحتى اهمال الواجبات على أعلى المستويات في دوائر صنع السياسة في الولايات المتحدة تحت ظل مختف الادارات.

يعتقد بودوريتز ان تحرير أفغانستان والعراق كان عملا ضروريا وانه لا يجب ان تسكب أي دموع على الملا عمر او صدام حسين. كما ليس لديه شك في انه على الرغم من الأخطاء التي حدثت في أي حرب، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها الأفغان والعراقيين سيهزمون أعداء النظام الديمقراطي الوليد والهش في كل من افغانستان والعراق.

فيما يتعلق بالنظام في ايران، يؤيد بودوريتز انتهاج سياسة قوية تتضمن قصفا مكثفا داخل ايران للمواقع التي يشتبه في انها تستخدم في صناعة السلاح النووي. ويعتقد بودوريتز ايضا ان الولايات المتحدة يجب ان تكون على استعداد كي تحارب لوحدها، رغم انه لا شك لديه في ان الولايات المتحدة عندما تبدي عزيمة قوية فإن الكثير من الدول تسارع الى الوقوف بجانبها. ولا تنأى الدول الاخرى بنفسها من الولايات المتحدة إلا عندما تعاني من الانقسام وغير متأكدة من مواقفها. وينادي بودوريتز بالتحلي بالمرونة ورباطة الجأش بغية تحقيق الانتصار في الحرب العالمية الرابعة. وتساءل:"ما الذي يمكن ان يجلب النصر هذه المرة؟" وأجاب: "بالنسبة لنا سيكون الانتصار بمثابة القضاء على خطر آخر على سلامتنا وأمننا... الانتصار سيؤدي ايضا الى تحرير مجموعة اخرى من الدول من الاستبداد والتسلط".