نشوء اللهجات العربية في العهود القديمة والحديثة

دراسات مترجمة عن الوضع اللغوي في الجزيرة العربية قبل الإسلام

TT

صدر عن دار الفيصل الثقافية التابعة لمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية كتاب بعنوان: «دراسات في تاريخ اللغة العربية» يتضمن مجموعة من الدراسات التي كتبها بعض الباحثين الغربيين عن الأطوار التي مرت بها اللغة العربية في خلال تاريخها الطويل، وترجم هذه الدراسات وقدم لها الدكتور حمزة بن قبلان المزيني، الأستاذ في جامعة الملك سعود بالرياض.

ومن أهم ما يتضمنه الكتاب نقاش مستفيض عن الوضع اللغوي في الجزيرة العربية قبيل الإسلام وفي خلال التاريخ الإسلامي المبكر، فقد تعددت الآراء بشأن الأنواع اللغوية التي كانت مستخدمة في الجاهلية وفي الفترة الإسلامية المبكرة. كما تشمل هذه الدراسات مقالاً بعنوان: «اللغة العربية العامية المشتركة» كتبه المستعرب الاميركي المعاصر تشارلز فرجسون في سنة 1959، ويقترح فيه نظرية لتفسير نشوء اللهجات العربية الحديثة بعد الإسلام في خارج الجزيرة العربية، وكان هذا المقال سبباً في نقاش استمر إلى الوقت الحاضر، وأنتج عدداً كبيراً من الدراسات عن هذا الموضوع.

ويتضمن الكتاب كذلك دراسة مطولة كتبها المستعرب جاشوا بلاو بعنوان «نشأة الازدواجية العربية 1977» ويعرض فيها رأياً يكاد يكون مطابقاً للرأي السائد عن الوضع العربي القديم في الثقافة العربية، ويرى أن السبب الرئيس في نشوء اللهجات العربية الحديثة ومن ثم الازدواجية اللغوية في العربية، هو دخول أعداد كبيرة من غير المتكلمين العربية لغة أولى في الإسلام مما أوجب عليهم أن يتكلموا العربية، لكنهم في خلال هذه العملية أدخلوا علىها بعض الخصائص السائدة في لغاتهم وبخاصة حذف علامات الإعراب.

ويتفق مع هذه الدراسة فصل طويل كتبه مايكل زويتلر الأستاذ في جامعة أوهايو الحكومية والمتخصص في اللغة العربية، ضمن كتابه «التقليد الشفهي للشعر العربي القديم 1978»، ويقع هذا الفصل في 215 صفحة في الترجمة، وهذا الفصل مراجعة مستقصية لكل ما كتب عن هذا الموضوع في اللغات العربية والألمانية والفرنسية، وبعد أن استعرض زويتلر هذه النظريات بتفصيل دقيق اقترح نظرية جديدة تقوم على النظرية الشفهية التي اقترحها الباحثان المشهوران مليمان باري والبرت لورد.

ويتضمن الكتاب كذلك مقالاً لاندرو فريمان، المتخصص في اللغة العربية في جامعة متتشيجان، حيث قدم عرضاً موجزاً عن طبيعة اللغة العربية القديمة وتغيرها إلى العربية الوسيطة ومن ثم إلى العربية المعاصرة، كذلك عرض بعضاً من أهم النظريات التي اقترحها الباحثون عن الوضع اللغوي العربي القديم أمثال حاييم رابين وكورينتي وفريستيغ وزويتلر وفرحات زيادة وفريدريك قدورة وجاشوا بلاو، ويسرد فريمان في مقالته ما قرره فريستيغ وبلاو بقوله ان العربية المتكلمة القديمة وعربية الشعر المشتركة كانتا لغةً واحدة. إلا أن فريستيغ يتزحزح قليلاً عن هذا الرأي الصارم ليتحدث عن المستويات والأشكال المخصوصة التي كانت تستخدم في بعض الاستعمالات الخاصة. لكنه يعبر بوضوح عن اعتقاده بأن هذين الشكلين كانا متكاملين وانهما ينتميان إلى طبيعة واحدة. ونظرية فريستيغ معقدة جداً إلا أنها باختصار ترى أن الأنواع اللغوية التي تنتمي إلى العربية الجديدة تقوم كلها على التجديدات والقوانين اللغوية التي حدثت بعد الفتوحات الإسلامية. أما بلاو فلا يأتي بتفصيل مماثل لكنه يؤكد على أنه يجب ألا نبالغ في أهمية أي من الفروق المزعومة بين عربية الشعر المشتركة وعاميات القبائل. وكان بلاو مثله مثل فريستيغ واضحاً في تقريره أن التغيرات التي نلحظها بين العربية القديمة والعربية الوسيطة، إذا ما إستعملنا مصطلحات بلاو، كانت لها آثار بعيدة المدى وقد ظهرت نتيجة للفتوحات الإسلامية. ويرى بلاو وفريستيغ كلاهما أن العربية القديمة والعربية التي وجدت بعد الإسلام هما نوعان لغويان مختلفان. وأورد فريمان في مقالته بعض الآراء الدقيقة عن كثير من جوانب موضوع الكتاب والتي أسهمت إسهامات مهمة في وضوح محاور البحث في هذه القضية.

=