شهادات وثائقية على القسوة

«وحشية» من الكتب الأكثر مبيعا في الولايات المتحدة

TT

هناك مقولة في الفكر العسكري تبدو انها مقولة بسيطة وعقلانية، ترددت كثيرا منذ سن تزو ـ المفكر الصيني صاحب كتاب «فن الحرب» ـ مروراً بجورج واشنطن الى كولن باول مفادها: «انك ان لم تضع حدودا للتصرف في ميدان المعركة، فان الجحيم سوف يندلع". بهذه العبارة تفتتح المؤلفة تارا مكّيلفي، المحررة الأولى في "الأمريكان بروسبيكت» كتاب «وحشية»، وهو من أكثر الكتب الأكثر انتشارا في الولايات المتحدة، شهادتها الوثائقية في موضوع كتابها حول «اسرار التعذيب والتحقيقات داخل السياسة الأمريكية في الحرب على الإرهاب»، وهو العنوان الجانبي الثاني للكتاب.

لقاءات شتى اجرتها المؤلفة، مع منفذي جرائم التعذيب، ووثائقية السرد هما اللذان منحا الكتاب هويته الخاصة، وكرسا تميزه بين عشرات المؤلفات التي تصدر بكثرة حول القسوة والوحشية والفضائحية التي ترتكب باسم الحرب على الإرهاب.

تقول مكلفي: " قرأت في نص قوانين الحرب على العراق انه لا يمكن اجراء اي استجواب لأي سجين او أي اسير من دون امر ورقي موقع من قائد بدرجة اعلى.. لكنني خلال بحثي هذا لم اعثر ابدا على اية وثيقة موقعة من هذا النوع. وهذا يعني ان الأمر كان يحصل بإرادات فردية ومزاجية خاصة وانتقائية ظالمة".

مكيلفي، المحررة الأولى في "الأميركان بروسبيكت"، تكتب "مونسترينغ" من خلال الحديث المباشر مع الشهود وأطراف الفضيحة الذين يمثلون اللاعبين الحقيقيين في هذه الجريمة التي تشكل نموذجا للتكتم والسرية حول ما يرتكب من اهوال داخل السجون الأمريكية من غوانتانامو الى سجن ابو غريب، وسجن سامراء وسجن مدرسة الجمباز وسجن بوكا في ام قصر الذي تشرف عليه القوات البريطانية وتعرف حقائقه الإدارة الأمريكية

و"السجون التي نجهل عناوينها"، كما تقول. وتهزأ تارا مكيلفي من مقولة بوش امام الصحافيين حين سئل عن فضائح السجون في مؤتمر صحافي سابق:" انهم قلة من الجنود ارتكبوا مثل هذه الحماقة !".

وتعتبر المؤلفة ان وسائل عديدة استخدمت لإخفاء وقائع المأساة عن الرأي العام، بما في ذلك "الأسرار الحقيقية التي تكشف الوحشية والفضاضة التي نتحمل وزرها". وتستطرد قائلة: "ان جون يو الاستشاري القانوني في وزارة العدل الأمريكية لايتبرأ من الأمر، معتبرا ان ما حدث في هذه القضية قد حصل من قبل في فيتنام، لكنه لايشكل خرقا لقوانين الحرب، محاولا، في تعويم اللغة هذه، افراغ الفضيحة من المسؤولية القانونية التي تواجه الولايات المتحدة الأمريكية". وتضيف:" ان هناك 260 جنديا امريكيا معرضا للمحاكمة ولكن احدا منهم لم يواجه حكما حتى الآن، فضلا عن وجود 100000مائة الف من المتعاقد معهم للعمل كحراس ومحققين وجنود مقاتلين وهذا سيسهم كثيرا في ضياع الحقيقة".

لقد قابلت المؤلفة المتهمة الأكثر شهرة وندي انغلاند، التي تسميها - المرأة ذات الرسن - كما وردت في اغنية " الجمال الخطر" للمغني مايكل جاكر. هذه المرأة التي ظهرت في سلسلة الصور وهي تمسك الرسن الذي يشد رقبة سجين شبه ميت، وتؤشر بيديها علامة القتل الى رأس احدهم كما لا تتورع ان تعترف انها هي التي صورت الهرم البشري من الأسرى العراة الذين ظهروا مكدسين كجثث ميتة في صورة نادرة. لكن وندي، كما تقول المؤلفة، تكتفي بالصمت كلما كرر السؤال عليها: لماذا فعلت ذلك؟ تاركة العرق يتصبب من جبهتها وخديها بشكل كبير. وهي تقضي محكوميتها في موريفيلد غرب فرجينيا تخدم في مطبخ لإحدى القواعد.

وتكشف المؤلفة، في صفحات أخرى من الكتاب، شيوع استعمال عقاقير وأدوية مختلفة لأنماط من الخدر من قبل الجنود لمواجهة متطلبات واجباتهم في السجون، فتقول: "انهم يستعملون حبوب فيفارين و روبتوسين واضرابهما للحصول على نشوة الخروج من واقعهم المر الذي يجبرهم على تنفيذ واجبات تتعارض حتى مع اخلاقياتهم التربوية".

وتشير الى نمط من انماط انتزاع المعلومات الذي اقترحته سي آي ايه والمسمى "الإعدام الفلسطيني" ويقوم على تعليق الأسير من الخلف ويداه مغلولتان بشكل يعرضه الى الم فظيع، كما تشير الى حادثة تحقيق قذرة، حين تم اغتصاب عشرين أمراة وصبيا بعد ان اختير الجنرال جيفري ميللر، المسؤول الأول عن سجن غوانتانامو ليلتحق بسجن ابو غريب وتحويله الى مختبر لصناعة عملاء متطوعين مغسولي الدماغ من هؤلاء السجناء يزودون القوات الأمريكية بالمعلومات بعد اطلاق سراحهم المشروط والأخبار عن (المسلحين) ووسائلهم وخططهم ومخابئهم، وذلك في خطة طموحة وغير واقعية لدحر الإرهاب.

وتقول عن ذلك: "ان الحديث مع صاموئيل بروفنس، وهو احد وجوه العملية، يمثل حديثا مع نافخ البوق على حد التعبير الشائع فهو كثير الجعجعة قليل المعنى، لأنه يعرف فن الابتعاد عن منطقة الخطر.. وهو اكثر المدافعين عن المتهمة انغلاند".

كتاب " وحشية " هو نموذج للبحث والتقصي الذي تخلقه رغبة الخلاص من عقدة الذنب لدى الشخصية الأمريكية اليوم، بعد ان قامت الولايات المتحدة بفظائع خلال غزوها لأفغانستان والعراق بحجة محاربة الإرهاب. تقول المؤلفة عن الغرض من تأليفها هذا الكتاب:" لم اكن اريده كتابا ضمن الكم الذي كتب عن فظائعنا بل اريده ارضية لمكاشفة حقيقية لأن الأمر قد يخرج عن السيطرة اذا بقيت ادارتنا السياسية تقول شيئا في وسائل الإعلام وتنفذ فظائع العصر من الجهة الثانية. وتغض هذه القيادة الطرف عن ممارسة الجنود لكل انحراف اخلاقي من تناول الحبوب والعقاقير الى ممارسة الجنس بكل معاني الانحراف والمثلية، فيما يتحدثون عن فضيلة الديموقراطية التي نؤمّل بها شعوب العالم".