نهج البردة

أحمد شوقي

TT

نشرنا في ملحق " المنتدى الثقافي" يوم الأربعاء الماضي قصيدة "البردة" للإمام البصيري، للإمام شرف الدين محمد بن سعيد بن حماد الصنهاجي البوصيري، المولود في أحدى قرى بني سويف من صعيد مصر، عام 1213 لأسرة ترجع جذورها إلى قبيلة صنهاجة، إحدى قبائل البربر، التي استوطنت الصحراء جنوب المغرب الأقصى، ونشأ بقرية «بوصير» القريبة من مسقط رأسه. وننشر هنا قصيدة " نهج البردة" لأحمد شوقي، الذي تحتفل الأوساط الثقافية العربية هذه الأيام بمرور خمسة وسبعين عاماً على رحيله عام 1932، وهو يعارض بها قصيدة البصيري في مدح الرسول، وهي من أجود شعره.

ريـمٌ عـلى القـاعِ بيـن البـانِ والعلَمِ

أَحَـلّ سـفْكَ دمـي فـي الأَشهر الحُرُمِ

رمـى القضـاءُ بعيْنـي جُـؤذَر أَسدًا

يـا سـاكنَ القـاعِ، أَدرِكْ ساكن الأَجمِ

لمــا رَنــا حــدّثتني النفسُ قائلـةً

يـا وَيْـحَ جنبِكَ، بالسهم المُصيب رُمِي

جحدتهـا، وكـتمت السـهمَ فـي كبدي

جُـرْحُ الأَحبـة عنـدي غـيرُ ذي أَلـمِ

رزقـتَ أَسـمح مـا في الناس من خُلق

إِذا رُزقـتَ التمـاس العـذْر فـي الشِّيَمِ

يـا لائـمي في هواه - والهوى قدَرٌ -

لـو شـفَّك الوجـدُ لـم تَعـذِل ولم تلُمِِ

لقــد أَنلْتُــك أُذْنًــا غـير واعيـةٍ

ورُبَّ منتصـتٍ والقلـبُ فـي صَمـمِ

يـا نـاعس الطَّرْفِ، لاذقْتَ الهوى أَبدًا

أَسـهرْتَ مُضنـاك في حفظِ الهوى، فنمِ

أَفْـديك إِلفًـا، ولا آلـو الخيـال َفِـدًى

أَغـراك بـالبخلِ مَـن أَغـراه بـالكرمِ

سـرَى، فصـادف جُرحًـا داميًا، فأَسَا

ورُبَّ فضــلٍ عـلى العشـاقِ للحُـلُمِ

مَــن المـوائسُ بانًـا بـالرُّبى وقَنًـا

اللاعبـاتُ برُوحـي، السـافحات دمِي؟

الســافِراتُ كأَمثـالِ البُـدُور ضُحًـى

يُغِـرْنَ شـمسَ الضُّحى بالحَلْي والعِصَمِ

القــاتلاتُ بأَجفــانٍ بهــا سَــقَمٌ

وللمنيــةِ أَســبابٌ مــن السّــقَمِ

العــاثراتُ بأَلبــابِ الرجـال، ومـا

أُقِلـنَ مـن عـثراتِ الـدَّلِّ في الرَّسمِ

المضرمـاتُ خُـدودًا، أسـفرت، وَجَلتْ

عــن فِتنـة، تُسـلِمُ الأَكبـادَ للضـرَمِ

الحــاملاتُ لــواءَ الحسـنِ مختلفًـا

أَشــكالُه، وهـو فـردٌ غـير منقسِـمِ

من كل بيضاء او سمراء زينتا

للعيـنِ، والحُسـنُ فـي الآرامِ كالعُصُمِ

يُـرَعْنَ للبصـرِ السـامي، ومن عجبٍ

إِذا أَشَــرن أَســرن الليـثَ بـالعَنمِ

وضعـتُ خـدِّي، وقسَّـمتُ الفؤادَ ربًى

يَـرتَعنَ فـي كُـنُسٍ منـه وفـي أَكـمِ

يـا بنـت ذي اللِّبَـدِ المحـمي ِّجانِبُـه

أَلقـاكِ فـي الغاب، أَم أَلقاكِ في الأطُمِ؟

مـا كـنتُ أَعلـم حـتى عـنَّ مسـكنُه

أَن المُنــى والمنايـا مضـرِب ُالخِـيمِ

مَـنْ أَنبتَ الغصنَ مِنْ صَمصامةٍ ذكرٍ؟

وأَخـرج الـريمَ مِـن ضِرغامـة قرِمِ؟

بينـي وبينـكِ مـن سُـمْرِ القَنا حُجُب

ومثلُهــا عِفَّــةٌ عُذرِيــةُ العِصَـمِ

لـم أَغش مغنـاكِ إِلا في غضونِ كَرًى

مَغنــاك أَبعــدُ للمشـتاقِ مـن إِرَمِ

يـا نفسُ، دنيـاكِ تُخْـفي كـلَّ مُبكيـةٍ

وإِن بــدا لـكِ منهـا حُسـنُ مُبتسَـمِ

فُضِّـي بتقـواكِ فاهًـا كلمـا ضَحكتْ

كمــا يُفـضُّ أَذَى الرقشـاءِ بـالثَّرَمِ

مخطوبـةٌ - منـذُ كان الناسُ - خاطبَةٌ

مـن أَولِ الدهـر لـم تُـرْمِل، ولمتَئمِ

يَفنـى الزّمـانُ، ويبقـى مـن إِساءَتِها

جــرْحٌ بـآدم يَبكـي منـه فـي الأَدمِ

لا تحــفلي بجناهــا، أَو جنايتهــا

المـوتُ بـالزَّهْر مثـلُ المـوت بالفَحَمِ

كـم نـائمٍ لا يَراهـا، وهـي سـاهرةٌ

لــولا الأَمـانيُّ والأَحـلامُ لـم ينـمِ