أسامة أنور عكاشة: أكتب للفقراء والبسطاء وأنا واحد منهم

دعا الجمهور لمقاطعة الأعمال الدرامية الهابطة مثلما فعل مع السينما

TT

هل للإبداع سقف معين، وكيف يمكن للمبدع أن يتجاوزه ، أو يعيش في ظل ما أنجزه راضياً مكتفياً، ومتطلعاً في الوقت نفسه إلى نقطة ارتواء أخرى؟ هذه الحالة يعيشها بامتياز الكاتب أسامة أنور عكاشة، بعد اعلانه أن مسلسل "المصراوية" الذي يعرض، حاليا، وبشكل حصري على قناة دبي، سيكون نهاية المطاف لكتاباته الدرامية التلفزيونية، وأنه سيتجه للكتابة للمسرح الذي يشهد نهضة شكلية حسب تعبيره، ولن يكتب للسينما حتى تعود إلى صوابها، متمنياً على الجمهور مقاطعتها كي تصلح مسارها، وتبتعد عن الهابط.

في هذا الحوار مع أسامة أنور عكاشة، تحدثنا عن دوافع هذا الإعلان، وعن رحلته مع الكتابة الدرامية، وغيرها من قضايا المسرح والسينما. وهنا نص الحوار الذي جرى في القاهرة:

> هل مسلسل "المصراوية"- كما أعلنت- سيكون اللقاء الأخير بينك وبين الكتابة الدرامية التلفزيونية؟

- مسلسل "المصراوية" سيكون في خمسة أجزاء، ولا أعرف إن كان العمر سيسعفني في إنهائها أم لا. لكن كتاباتي للتلفزيون ستتوقف بعد هذا المسلسل، من دون ان تتوقف كتاباتي المسرحية والسينمائية. وأنا أتولى حاليا مشروعا لتفريغ عدد كبير من الكتاب الموهوبين، بالاتفاق مع قطاع الإنتاج، للعمل على مسلسل طويل، سيقوم كل مؤلف منهم، بكتابة عدد من حلقاته. وستتم كتابة اسم مؤلف كل حلقة عند عرضها كما اسم مخرجها.

> لماذا وافقت على عرض مسلسل "المصراوية" على قناة دبي، حصرياً، وحرمت ملايين البسطاء، في مصر من مشاهدة المسلسل؟

- ليس لي دخل في بيع هذا المسلسل للقناة التي تعرضه حصرياً. أنا في حالة استغراب. أبطال المسلسل كلهم مصريون والمنتج مصري والمخرج مصري، ولكن ماذا أفعل أمام سطوة المال التي تتحكم في كل شيء. كنت أتمنى أن يعرض المسلسل على التلفزيون المصري، والمحطات الأرضية حتى يشاهده البسطاء الذين يملكون التلفزيون القديم "الأبيض والأسود"، لأن هؤلاء الناس هم الذين يهمونني، وأنا أكتب من أجلهم، وليس من أجل الأغنياء الذين يملكون القدرة على الاشتراك في القنوات المشفرة. لذلك طلبت من منتج المسلسل، أن يتم عرضه في التلفزيون المصري بعد انتهاء قناة دبي من عرضه حصرياً، لأنني حزين لعدم مشاهدة جماهير مصر لهذا العمل، وهم الذين يهمونني في المقام الأول.

> معنى ذلك أن رأس المال أصبح يتحكم في الفكر والثقافة؟

- متفق معك بنسبة مائة في المائة، أصبح كل شيء يباع ويشترى. والدولار أصبح سيد الموقف للأسف الشديد. فعالمنا لا يتحكم فيه أدب أو ثقافة، بل تتحكم فيه رؤوس الأموال.

> ما هو رأيك في الدراما هذا العام؟

- عندي آراء كثيرة في الدراما التي تقدم هذا العام، ولكن لا أستطيع البوح بها، كي لا تفسر خطأ، ما دام مسلسلي "المصراوية" يعرض بالتزامن معها. صحيح أنه يعرض في قناة خاصة حصرياً، لكنه دخل في منافسة مع الأعمال الدرامية الأخرى التي تعرض في القنوات الفضائية والمحطات التلفزيونية الأرضية. وأترك للنقاد مهمة نقد كل عمل على حدة. فهذا شغلهم.

> ما هو رأيك في الدراما بوجه عام؟

- أنت تريد أن تستدرجني للحديث عن الدراما. العام الماضي عندما لم يكن لي عمل يعرض في فضائيات التلفزيون المصري، قلت رأيي بصراحة شديدة، وكان الحديث لجريدتكم "الشرق الأوسط". وقتها غضب كثيرون من صراحتي. ولولا عرض "المصراوية" ما كنت لأتردد في إبداء رأيي في الأعمال الدرامية التي تعرض هذا العام.

> ما هو رأيك في السينما، وهل امتناع الجماهير هذا العام في مصر عن الذهاب للسينما سيكون بداية لإصلاح مسارها؟

- هناك عوامل عديدة تتحكم في هبوط السينما المصرية، منها المنتجون الذين يريدون الكسب السريع، فيطلبون من بعض المخرجين عمل أفلام (هايفة) لكي تعرض في السينما أثناء الصيف، وبعد ذلك تعرض في القنوات الفضائية لملء ساعات العرض اليومي المتواصل للقنوات الخاصة بالأفلام. والمؤسف أن هناك أفلاما في غاية (التفاهة) حققت أرباحا خيالية (24 مليون جنيه). صحيح أن هناك موقفا من الجمهور هذا العام ، حيث انه أحجم عن مشاهدة أفلام الصيف، وبالتالي حكم عليها بالفشل. ولكن لا بد من خطوات أخرى تتبعها الدولة لإصلاح شأن السينما، وليس تركها للتجار وأصحاب المكاسب السريعة. وأتمنى من الجمهور الذي أحجم عن مشاهدة الأفلام الهابطة وأسقطها أن يحجم عن مشاهدة الأعمال الدرامية الهابطة، حتى يسقطها ونرتاح من الممل والسخيف.

> لماذا لا تكتب للسينما؟

- لا أكتب للسينما إلا إذا عادت لمسارها الطبيعي، وقدمت أعمالا قيمة تفيد المجتمع. فمنتج لأعمال هابطة، يحقق من ورائها الملايين، لا يستطيع ان ينتظرني عاما كاملا كي أكتب له نصا يناقش قضايا مهمة. هذا المنتج يريد السرعة والفبركة والخلطة السحرية، لكي يلحق موسم الصيف.

> هل يشهد المسرح نهضة في مصر؟

- نهضة شكلية وليست حقيقية. فإن وقعت على عرض جيد فهذا يحدث بالصدفة. لو كنا نريد نهضة مسرحية حقة، فيجب أن نعمل على منظومة شاملة، أي على كتاب ومخرجين جدد، وأن تتعاون وزارة الثقافة والإعلام، والتلفزيون لبث البرامج الثقافية التي تناقش قضايا المسرح ولا نترك الأمور للصدفة.

> هل ستكتب للمسرح أم ماذا؟

- لي مسرحية وهي "الناس اللي في التالت"، كانت تعرض على خشبة المسرح، توقفت قبل شهر رمضان، وسيعاد عرضها بعد عيد الفطر مباشرة. ولن أتوقف عن الكتابة للمسرح لأنه أفضل حالاً من السينما، فالمسرح أبو الدراما.

> هل هناك محطات في حياتك جعلتك تغير في اتجاهاتك وتدفعك للكتابة؟

- أنا لست ممن يكتبون نتيجة حدث أو مشكلة تفجرت، بدليل أنني بدأت الكتابة عن تأصيل الشخصية المصرية، منذ زمن بعيد. مع مسلسل "أرابيسك" و"الراية البيضة" حاولت أن أرسخ لدى المشاهدين انتماءهم لمصر ولجذور الشخصية المصرية، ولذلك ظلت الفكرة بداخلي وتناولتها في عدة صور على لسان الشخصيات التي أجسدها في الأعمال الدرامية. بطبيعتي لا أندفع وراء فرقعة إعلامية حين أكتب، وإنما أبحث عن فكرة وأنميها بشكل منطقي وأبسطها، قدر المستطاع، كي تصل إلى المشاهدين، الذين اعتبرهم قراء، لأن أعمالي الدرامية أشبه بالكتب.

> هذا ما دفعك أخيراً للهجوم على القومية العربية؟

- أنا لا أريد التحدث في السياسة، أتحدث في الفن والثقافة ونحن في شهر رمضان الكريم.

> كيف تعلمت كتابة الأعمال الدرامية، من أساتذتك في كتابة السيناريو والحوار؟

- لم يعلمني أحد، ولم أدرس كتابة السيناريو والحوار في معهد، وإنما تعلمت عندما بدأت أقتني بعض سيناريوهات لأفلام وأعمال درامية وأقرأها جيداً. مع تكرار القراءة بدأت أعرف ما هو المشهد الداخلي وما هو المشهد الخارجي. من هنا بدأت أتعلم ما هو السيناريو. النصيحة التي أقدمها لمن يريد أن يكتب سيناريو وحوارا هو قراءة الأعمال السابقة لكتاب الدراما، لأن الدراسة في المعاهد لا تصنع كتاب سيناريو. والموهوب الذي يملك بداخله شيئا، سيظهر مع تكرار الكتابة، وهذا ما قمت بتجريبه في حياتي.

> من هو الكاتب المفضل لديك؟

- هناك الكثير من الكتاب الذين أعشقهم، وأقرأ معظم أعمالهم مثل طه حسين، فهو كاتب سابق لعصره، وهناك تولستوي أفضل من كتب في الوجود، تأثرت به جداً وخاصة في روايته "الحرب والسلام"، وتشيكوف عبقري القصة القصيرة. وتأثرت بالكاتب الكبير عباس محمود العقاد وقرأت تقريباً كل أعماله، وبخاصة "العبقريات". وهو كاتب حريص على عمق الأفكار وسلامة اللغة العربية. انه عبقري بلا شك، ومن أهم كتاب مصر. وهناك الكاتب الكبير نجيب محفوظ الذي نال جائزة نوبل في الأدب، وإن كنت أرى ان "جائزة نوبل" تشرفت بنجيب محفوظ، صاحب الفكر العميق فهو تجسيد رائع لصورة تاريخ مصر الحديث تقريباً. قرأت كل أعماله، وفي رأيي ان هذا الكاتب من الصعب أن يتكرر، وله الفضل في الرفع من شأن الرواية في العالم العربي. وتأثرت بالكبير توفيق الحكيم، خاصة أعماله المسرحية، كما تأثرت بيوسف إدريس وأقرأ لكبار مثل، الشاعرعبد الرحمن الأبنودي، ويوسف القعيد، وجمال الغيطاني. عندي مكتبة مليئة بالكتب لكتاب كثيرين من مختلف الجنسيات. فالقراءة بالنسبة لي أصبحت إدمانا لا أريد التخلص منه. القراءة لا تزودني بمعارف جديدة فحسب ، وإنما تمنح رؤيتي الحيوية والجدة، وتجعلني قادرا على خلق وسائل إدراك جديدة ومغايرة للعالم من حولي.