وزير الثقافة التركي الجديد أتاتوركي استنجد به الإسلاميون

شعاره «العقل المشترك» وعشرات المؤسسات وضعت أرصدتها في تصرفه

ارتوغرول غوناي وزير الثقافة التركي الجديد
TT

تنتظر وزير الثقافة التركي الجديد، أرتوغرول غوناي مهمات جسام، يدرك حساسيتها. فالثقافة ليست في تركيا شأناً يخص نخبة، بقدر ما هي جزء من السياسة الخارجية والتنموية للبلاد. وبالتالي فإن لائحة المشاريع الموجودة في عهدة الوزير القادم من الأتاتوركية إلى الليبرالية، هي بمثابة تحد لا يمكن الاستهانة به، والأنظار مشرئبة لمعرفة ما ستحمله الأيام الآتية.

ارتوغرول غوناي، وزير الثقافة التركي الجديد، كان حتى الأمس القريب يساريا اتاتوركيا متشددا من الطراز الاول. اختلف مع قيادات حزب الشعب الجمهوري اليساري العلماني، بسبب مسائل القيادة والتوجهات والبرامج السياسية، وانفصل عن الحزب لينشط كشخصية فكرية مستقلة، كانت تتابع على مدار الساعة المسائل الداخلية والخارجية التي تهم البلاد. فاجأه رئيس الوزراء التركي، رجب طيب اردوغان بأن اقترح عليه المشاركة في الانتخابات النيابية الأخيرة، على لائحة نواب العدالة والتنمية الاسلامية، فوافق على ان يأخذ مكانه في حافلة ركاب تضم مجموعة من قدامى اليسار التركي تحولوا الى ليبراليين انفتاحيين، يتبنون سياسة حزب العدالة ويدافعون عنها. انتخب نائبا في البرلمان الجديد، وسرعان ما كلفه اردوغان بتولي مهام وزارة الثقافة في حكومته بدلا من اتيللا كوش، الوزير الخفيف الظل الذي دخل في اكثر من مواجهة مع الاتحادات والنقابات الثقافية والحرفية، وأطلقت عليه الصحافة لقب الوزير الدائم النوم بسبب حالة النعاس التي كانت تصيبه. غير ان الوزير الجديد انبرى للدفاع عن سلفه بالقول ان هموم الوزارة ونشاطاتها الدائمة هي التي كانت ترهقه.

غوناي بشخصيته المحببة والمتواضعة، يردد امام الإعلام ان اكثر ما يعانيه هو ربطة العنق والجاكيت اللذان يفرضان نفسهما عليه، بعدما تخلى عنهما لسنوات، وها هو يجد نفسه اليوم مجبرا على العودة اليهما. عشرات الهيئات والتكتلات الثقافية وضعت ارصدتها تحت تصرفه، وأعلنت ثقتها بشعار "العقل المشترك" الذي رفعه كاسأس لاستراتيجيته، في إصدار القرارات والتعامل مع المعضلات. مفاجأته الاولى التي اعلنها كانت دفاعه عن ضرورة نقل الاماكن الاثرية والمواقع التاريخية المهددة بالاختفاء تحت مياه العديد من مشاريع التنمية والري الى مكان آخر، وهو موقف كانت حكومة العدالة، تتجنب الخوض فيه لانه سيكلفها مبالغ كبيرة ويؤخر تنفيذ مشاريعها هذه.

ومع ذلك، فتكليف غوناي بمثل هذه الحقيبة، كان يعني بالنسبة الى اردوغان اصابة اكثر من عصفور بحجر واحد: ترميم العلاقة مع الاوساط الثقافية التي تعرضت للاهتزاز في عهد الوزير السابق، وطمأنة الاوساط العلمانية ان لا اهداف لحزبه في اجراء حملة تغيير جذرية ثقافية ببعد ديني. الوزير الجديد سيكون مركز التقاء الاسلاميين والعلمانيين الاتراك حول مائدة ثقافية واحدة لاطلاق العديد من البرامج والنشاطات والمشاريع التي ستأخذ مكانها في القريب العاجل على جدول اعمال وزارة الثقافة التركية. ولإيجاز ما ينتظر الوزير الجديد ورزنامة البرامج الثقافية والفكرية والادبية المحلية والدولية التي تتطلب ورشات كبيرة، وتحركا دائما نتوقف عند مشاريع:

- وضع اللمسات الاخيرة على برنامج "اسطنبول عاصمة اوروبا الثقافية للعام 2010" والذي يتطلب حملة تجديد وترميم شاملة لأهم المعالم السياحية والثقافية والتاريخية في العاصمة التركية الثانية والذي سيكون بمثابة الامتحان الصعب الواجب اجتيازه بنجاح على طريق الاتحاد الاوروبي.

- تحضير ملف تركيا الادبي والفكري الى معرض فرانكفورت للكتاب للعام المقبل، حيث ستكون هي ضيف الشرف في المعرض. وهذا ما يعني بالطبع الذهاب ببرنامج نشاطات غني ومتنوع. وتشير المعلومات هنا الى ان الوزير سيصطحب معه نخبة من المثقفين والكتاب الاتراك تتقدمهم الكاتبة اليف شفق والروائي ارهان باموك ويشار كمال للمشاركة في النشاطات والمساهمة في التعريف بالادب التركي والترويج له على المستوى العالمي.

- اطلاق حملة مواجهة مع القرصنة الأدبية والسينمائية والموسيقية المتفشية بشكل واسع في تركيا. فرغم اصدار العديد من القوانين والأنظمة، فإن مشاكل التطبيق والمراقبة تظل قائمة. وهنا تتحمل وزارة الثقافة المسؤولية الكبرى في اتخاذ الاجراءات العملية الكفيلة بالقضاء على هذه الآفة.

- الاسراع في حل مشاكل القطاع الموسيقي التي تتقدمها مشكلة سرقة الالحان والاغاني، واستخدامها بصورة غير مشروعة عبر الانترنت. وهو مطلب الأوساط الموسيقية التي ترى فيه تهديدا مباشرا، بتوقف القطاع بسبب الاضرار المادية والمعنوية الكبيرة التي يتعرض لها.

- حل مشكلة مركز اتاتورك الثقافي في اسطنبول، اهم المواقع ومركز اللقاءات الفكرية والنشاطات الاستعراضية، حيث قررت الحكومة هدم هذا البناء القديم وانشاء مجمع ثقافي جديد مكانه، يتلاءم ومتطلبات العصر، لكن المعارضة الشديدة في اوساط المفكرين والمثقفين العلمانيين قادت الى ارجاء الفكرة. وهي قضية تنتظر خطوة جريئة من الوزير الجديد الذي اعلن أخيرا ان انجاز المشروع خلال عامين قبل بدء مهرجانات اسطنبول هو شرطه الرئيسي لاعلان موافقته على التوقيع.

- اصدار العديد من القرارات لحل مشاكل القطاع السينمائي والمسرحي لناحية الضمانات الاجتماعية والتقاعدية، بعد سنوات طويلة من المماطلة والاهمال.

- تخصيص موازنات عاجلة لترميم الكثير من الاماكن السياحية والثقافية والمسرحية في اكثر من مدينة تركية. وسيكون مشروع ترميم هيكل الجمهورية في ساحة تقسيم، في قلب اسطنبول الذي بُنِي قبل 80 عاما هو اول هذه الانجازات، خصوصا أن الكثير من الفعاليات اليسارية العلمانية تحوله الى ورقة ضغط في مواجهتها مع حزب العدالة الحاكم.

الوزير غوناي اعلن أخيرا ان من بين اولوياته ايضا، مطالبة وسائل الاعلام، خصوصا الصحافة اليومية بزيادة اهتمامها بالقضايا الثقافية في البلاد، من خلال تخصيص صفحة ثقافية ثابتة، لمتابعة هذه النشاطات. فكما هناك صفحة للاقتصاد وأخرى للرياضة وثالثة للرأي، فنحن سنطالب بادراج هذه الصفحة في كافة الصحف اليومية لتكون في خدمة القارئ.

نحن بدورنا نضيف مادة على جدول اعمال الوزير، وتستحق التوقف عندها بجدية - بحسب رأينا - وهي دفع عجلة التعاون والتقارب الثقافي والادبي والفني بين العرب والاتراك، حيث اهمل الجانبان سد هذه الفجوة التي اتسعت عبر السنين. فالتقارب والانفتاح والتعاون على تنظيم معارض ونشاطات مشتركة، سيتحول الى كنز ثقافي، ينتظرنا عندما تفتح صناديق ظلت مقفلة ومهجورة ومتروكة لسنوات طويلة.

الوزير غوناي المغرد خارج السرب، جاء من قلب الثقافة والفكر والموسيقى والمسرح، وهو يحمل اكثر من ميزة وخصوصية، تخوله اطلاق حملة ثقافية شاملة في الداخل، ودفع مشاريع الانفتاح والتقارب التركي- الغربي والتركي - الشرقي التي يوليها حزب العدالة اهمية بالغة.