مهرجان السينما المغربية يستثير نقدا أخلاقيا

TT

اختتمت بـ «عروس البوغاز» فعاليات الدورة التاسعة لـ «المهرجان الوطني للسينما المغربية» الذي أقيم في طنجة، وبفوز فيلم «القلوب المحترقة» للمخرج المغربي المقتدر أحمد المعنوني. وهو يحكي قصة مهندس معماري شاب يعيش في باريس، يعود بشكل مفاجىء إلى مدينة فاس ليصاحب رحيل عمه، فيعيش في لحظة مضاعفة قساوة الطفولة وشبح الماضي. وفاز أيضا فيلم «سميرة في الضيعة» للطيف لحلو بجائزة أحسن دور رجالي ثان للممثل الشاب يوسف بريطل وأحسن دور رجالي للممثل المعروف محمد خيي. وحصلت سناء العلوي على جائزة أحسن دور نسائي عن دورها في فيلم «عود الورد» للمخرج لحسن زينون الراقص الكوريغرافي المغربي المعروف، كما انتزعت زميلتها في نفس الشريط حنان زهدي أحسن دور نسائي ثان. أما جائزة العمل الأول، فكانت من نصيب الأخوين سهيل وعماد نوري. في حين فاز بجائزة الفيلم القصير للسنة الثانية على التوالي المخرج الشاب محمد مفتكر بفيلم «آخر الشهر»، ونوهت لجنة التحكيم بفيلم «شعرك الأسود إحسان» لطالا حديد.

وتميزت هذه الدورة بمشاركة 25 شريطا طويلا و28 فيلما قصيرا. ويؤشر هذا الرقم على دينامية السينما المغربية رغم التفاوت الظاهر في جودة الأفلام، لاسيما فيما يتعلق بالتمكن من أدوات اللغة السينمائية. فالكثير من الأفلام وخصوصا القصيرة منها تفتقر إلى أبسط قواعد الكتابة السينمائية. ويعود الخلل البنيوي في هذا السياق إلى غياب التكوين في مهن السينما مغربيا. فرغم مجهودات المركز السينمائي المغربي في تأطير بعض المخرجين الشباب لتصوير أفلامهم القصيرة الأولى، تبقى هذه المحاولة غير مكتملة. كما أن المدارس السينمائية الخصوصية سواء في مراكش أو ورزازات تبقى في مرحلة التأسيس. لذلك فتقييم الأفلام المغربية، يبقى مرتبطا بتطور الصناعة السينمائية خارج جيل الرواد وجيل الشباب المقيم في أوروبا، أي بجيل من الشباب المغاربة، يتعلمون ثقافة الصورة واستعمالها محليا. هذه الأسئلة المنهجية، هي التي جعلت تناول قضايا المجتمع المغربي تختلف من مخرج إلى آخر بالنظر إلى ثقافته السينمائية وتمكنه من الصورة واستيعابه لسيرورة المجتمع المغربي بمختلف تشعباته الرمزية والسياسية والسوسيو اقتصادية. حيث شاهد المتفرج المغربي أفلاما كوميدية متواضعة لكل من المخرجين سعيد الناصري وبشير سكيرج، وأفلاما تعالج مسألة هجرة اليهود المغاربة من المغرب إلى إسرائيل في شريطي «فين ماشي يا موشي» لحسن بن جلون، و«وداعا أمهات» لمحمد إسماعيل، غير أن المعالجة التاريخية لم تكن موفقة، ثم أفلاما ذات طابع اجتماعي كـ «نانسي والوحش» و«القلوب المحترقة»، و«طريق العيالات».

توزعت إذن الأفلام بين أسلوبين متقاطبين: أفلام هيمنت عليها الخطابة والإيديولوجيا التبسيطية والرؤية التاريخية الملتبسة، وأخرى تمتعت ببلاغة إبداعية على مستويي الصورة والنص.

صاحب هذه الدورة أيضا، نوع من النقد الصحفي ينبغي الاهتمام بمظهراته الرمزية والسياسية، حيث تكررت مقالات، في بعض الصحف، تغلب عليها الإيديولوجيا الأخلاقية الوعظية، حيث هاجمت مواضيع الأفلام واعتبرتها ترويجا لقيم فاسدة كالجنس والمخدرات والصهيونية. وأهملت تماما التمييز بين الواقع والتخييل، اللغة السينمائية ولغة الخطاب.

وهنا نقف على نفاق المجتمع السياسي الذي يغمض العين على هذه الظواهر في الواقع، ويهاجمها عندما توظف فنيا. ولنا في مثال «الخبز الحافي» الرواية الشهيرة لمحمد شكري أحسن مثال. وبعيدا عن هذه الشعبوية التي أصبحت السلاح الباتر لبعض الصحف الواسعة الانتشار، فإن التربية السينمائية والتحسيس بخصوصية الخطاب السينمائي، يعتبران من الضرورات الرئيسة لتأهيل المنظومة السينمائية المغربية، إن على مستوى الأنساق التعليمية أو النوادي السينمائية أو جمعيات النقد السينمائي. وما دامت وضعية هذه المكونات مهلهلة، فإن الخطاب السينمائي سيراوح مكانه، شأنه شأن الخطاب الثقافي العام في المغرب الذي يعاني من الضعف والتشرذم والتهميش في مجالات الأدب والترجمة والفنون البصرية والمسرح وغيرها.

وهكذا أسدل الستار على دورة قدمت برمجة نوعية، يجب التفكير مستقبلا في تقليصها، تعبر عن حركية السينما المغربية المعاصرة التي ما يزال الطريق أمام شبابها طويلا لبناء هوية سينمائية مغايرة، تكون في مستوى إنجازات الرواد الذين وضعوا أسس السينما المغربية الحديثة. فالدور الذي يلعبه المركز السينمائي المغربي، لاسيما بعد تأهيله تقنيا وبشريا، ينبغي أن يقوى بتصور استراتيجي أكبر يأخذ بعين الاعتبار دعم التكوين في مختلف مهن السينما حتى يتسنى للصناعة السينمائية أن تقف على قدميها وقوفا حقيقيا.