صقلية بين الوهم واليوطوبيا

ليوناردو شياشيا: تاريخ صقلية يبدأ فعليا مع قدوم العرب إليها

TT

بعد ليوناردو شياشيا، يعتبر فانسانزو كونسولو واحدا من أهم كتاب جزيرة صقلية. وبالرغم من أنه مقلّ، إذ أنه لم يصدر خلال اربعين عاما سوى عشرة كتب، فإن النقاد يضعونه في قائمة أهم الكتاب الإيطاليين خلال النصف الثاني من القرن العشرين. وفي رواياته التي ينتظرها القراء بلهفة دائما، يصف تناقضات الواقع الاجتماعي الايطالي، والجمال والعنف في جزيرة صقلية، حيث يمتزج الأمل بالخيبة واليوطوبيا بالوهم. وقد ولد فانسانزو كونسولو عام 1933 في صقلية غير انه امضى الجزء الأكبر من حياته في ميلانو، حيث عمل في التلفزيون. وفي روايته «نخلة بالارمو» يتناول بعض الجوانب من تاريخ صقلية الاجتماعي والسياسي، دون أن ينسى الإرهاب الذي تسلطه عصابات المافيا على أهل الجزيرة. أما الشخصية الرئيسية في هذه الرواية، فهي كاتب يقرر التخلي نهائيا عن الكتابة، غير أنه لا يعثر على مكانة في المجتمع، بل تزداد حياته تعقيدا خصوصا بعد أن تتدهور العلاقات بينه وبين ابنه الذي يعيش في باريس بسبب تورّطه في قضايا سياسية خلال سنوات التمرد الطلابي الذي عاشته ايطاليا في نهاية الستينات. وفي هذيانه، تمتزج كوابيس التاريخ بذكريات الطفولة، والآمال المنكسرة بمشاعر عقدة الذنب. ومتحدثا عن هذه الرواية، يقول كونسولو: «إن رواية «نخلة بالارمو» هي جزء من ثلاثية حاولت أن أروي فيها بعض الفترات الأساسية في تاريخ بلادي انطلاقا من النصف الأول من القرن التاسع عشر. والجزء الأول من هذه الثلاثية كان بعنوان «بسمة البحار المجهول» وقد صدر عام 1976. وفيه اروي احداث فترة توحيد ايطاليا الذي تم خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر. لست الكاتب الأول الذي تناول هذا الموضوع المتصل بحقبة أساسية من تاريخ إيطاليا. فقد سبقني للحديث عنها كتاب آخرون من أمثال فيرجا، وبيراندالو، وشياشيا.. كل هؤلاء حاولوا توضيح ما حدث بعد الوحدة والتطرق تحديدا إلى الخيبة الكبيرة التي شعر بها أهل الجنوب، أي أهل جزيرة صقلية الذين ابتهجوا كثيرا بالوحدة وعلقوا عليها آمالا كثيرة، لكن الأوضاع لم تتغير، بل ازدادت تدهوراً. وربما لهذا السبب تمرّد المزارعون الصقليون ضد السلطة المركزية. وروايتي «ابتسامة البحار المجهول»، تتحدث عن هذا التمرد». وعن روايته الأخرى «من بيت لآخر أثناء الليل بطوله»، يقول كونسولو: «إن أجواء الثمانينات هي التي دفعتني إلى كتابة هذه الرواية التي تدور أحداثها خلال حقبة بروز الفاشية، والتي كانت حقبة تميزت بالأزمات الآيديولوجية والفكرية، وايضا ببروز ميتافيزيقا جديدة وفرق شيطانية. وهذا ما حدث بالضبط خلال الثمانينات، بالنسبة لي أعتبر أن الروايات التاريخية اداة للتعبير عن الواقع الراهن، الذي فيه يعيش الكاتب. خلال حقبة بروز الفاشية كنت ارغب في أن أصف ما كنت أعيشه خلال الثمانينات، وفي أن اتحدث عن مخاطر الحاضر الغامض الذي كان يمهد لظهور رجل مثل برلسكوني الذي لم يتردد في رفع بعض الشعارات الفاشية».

وعن واقع الأدب راهنا في ايطاليا، يقول كونسولو: «ككاتب تجريبي يهتم كثيرا بالحفر في اللغة، وبالبحث عن ادوات فنية جديدة، اشعر أنني مهدد من قبل الثقافة الجماهيرية المبتذلة والاشهار التلفزيوني. ان الجمهور حاليا منصرف عن الأدب انصرافا يكاد يكون كليا والفضاء الأدبي يزداد ثقله يوما بعد آخر والذاكرة الأدبية تموت شيئا فشيئا خصوصا هنا في ايطاليا التي هي بلد حديث على المستوى الاقتصادي والتكنولوجي، غير أنه متخلف على المستوى الحياتي الثقافي. فالناس لا يقرأون إلا قليلا، غير انهم يلعبون اليانصيب ويعشقون كرة القدم».

وعن اهتمامه بالثقافة المتوسطية، يقول كونسولو: «هناك حضور كبير ومهم للحضارة العربية ـ الإسلامية في التراث الثقافي لصقلية، ذلك أن هذه الجزيرة كانت ولا تزال جسرا بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط. واعتقد ان تاريخ صقلية يبدأ فعلياً مع قدوم العرب إليها. ان صقلية الاغريقية التي احبها الرحالة الرومنطيقيون هي بالنسبة لي اسطورة من الماضي البعيد، ولا وجود لها أصلاً، مقابل ذلك، أرى أن التأثير العربي لا يزال قوياً فيها. وخلال العصور الوسيطة، كانت هناك علاقات قوية بين صقلية والعالم العربي الاسلامي. وفي بالارمو، كان هناك 300 مسجد، وكان هناك شعراء كثيرون. وخلال القرن التاسع عشر، هاجر العديد من الصقليين إلى شمال افريقيا خصوصا إلى تونس. ومن حسن الحظ أن هذه العلاقات لا تزال مستمرة إلى حدّ هذه الساعة. وهي علاقات جدّ هامة في نظري إذ انها مثرية للأدب والفن بالخصوص. لذا، فإن السفر بين ضفتي البحر المتوسط شيء أساسي ومفيد بالنسبة لي».

النازية من خلال اللغة ولد فيكتور كلامبرير في لاندسبارج في بروسيا الشرقية، ذلك عام 1881. وهو ينتسب إلى عائلة يهودية. ومبكرا عشق الثقافة الجرمانية وتشبع بها الشيء الذي أفاده لاحقا وجعله ينجذب بسرعة إلى التنوير الفرنسي الذي جسده كل من فولتير وروسو وديدرو ومونتسكيو ولكي يتحاشى المصاعب التي كان يعاني منها اليهود في ألمانيا، اختار ان يصبح مسيحياً وكان ذلك عام 1903. وعند اندلاع الحرب العالمية الأولى التحق بالجبهة، بعدها عين استاذا متخصصا في الادب الفرنسي في جامعة درسدن وظل في منصبه هذا حتى عام 1935، حيث تم فصله من الجامعة بقرار من السلطات النازية. ولأنه كان متزوجا من ألمانية، فإنه استطاع أن يفلت من المضايقات المسلطة في تلك الفترة على اليهود. وفي دفاتر مذكراته التي شرع في كتابتها، يصف الأحداث اليومية في ألمانيا والفظائع التي شرع النازيون في ارتكابها، مسلّطا الضوء على الضحايا من اليهود أو من غير اليهود. ومن خلال لغة الجرائد والخطب السياسية للزعماء النازيين، حاول أن يحدد مفاهيم النازية من الناحية الآيديولوجية والفلسفية.

بعد نهاية الحرب الكونية الثانية، أعيد كلامبرير إلى منصبه في جامعة درسدن وفي الفترة ذاتها انتسب إلى الحزب الشيوعي في ما كان يسمى بألمانيا الديمقراطية معتقدا انه الجهاز السياسي الوحيد الذي تصدى للنازية. وبين عام 1953 و1957 انتخب نائبا في مجلس الشعب وعين رئيسا للجمعية الثقافية للاحياء الديمقراطي. وعقب وفاته في درسدن عام 1960، قامت زوجته الثانية بتسليم وثائقه الخاصة ودفاتر مذكراته إلى المكتبة المركزية بمقاطعة الساكس وايضا سيرته الذاتية، والآن تلقى هذه الآثار رواجاً كبيراً في ألمانيا ذلك انها تشكل وثيقة مهمة وثرية عن تاريخ ألمانيا المعاصرة وعن الحقبة النازية تحديداً.

مؤرخ في مواجهة المتطرفين الهنود بعد سنوات، فصل عرفان حبيب من منصبه في الجامعة الإسلامية بـ «اليغرت» بسبب افكاره واطروحاته التي أثارت غضب المتطرفين الهنود. غير أن هذا القرار الظالم، لم يمنع عرفان حبيب البالغ الآن من العمر 65 عاما من مواصلة ابحاثه، لذا هو يغادر كل صباح بيته ويتوجه على ظهر دراجة إلى قسم تاريخ الهند في العصر الوسيط الذي أنشأه والده محمد حبيب ليصبح في ما بعد من أهم وأشهر الأقسام المتخصصة في تاريخ الهند القديم ليواصل عمله بإصرار وتحدّ.

ويتمتع حبيب بشهرة واسعة في الاوساط الطلابية والعلمية، وايضا في اوساط الناس البسطاء، فهو بالنسبة لهم الاستاذ المستنير، المنفتح على جميع الافكار: المحب للنقد النزيه، المتواضع، الحازم، المناضل ضد التطرف بجميع أنواعه ومعانيه وأساليبه.

وقد اغضبت اطروحات عرفان حبيب المتطرفين الهنود لأنها حطمت مشاريعهم الرامية إلى تزييف تاريخ الهند. وهو منشغل الآن بإعداد مؤلف ضخم عن تاريخ الشعوب الهندية منذ بداية التاريخ وحتى عام 1947، العام الذي استقلت فيه الهند عقب قرون من الاستعمار البريطاني، كما أنه سيسعى في هذا المؤلف إلى تحديد مفهوم التاريخ، مقدما معلومات مذهلة عن الحياة اليومية في مختلف الأحقاب، وعن الأمراض، وأسباب موت الافراد كما الجماعات، وايضا عن التغذية والمعمار والفنون والشعائر الدينية والامثال ومكانة المرأة ودورها في المجتمع.

وتضامنا معه، نظم أزيد من 200 مؤرخ وباحث اجتماعا ضخما في دلهي الجديدة في 12 أغسطس (آب) 2000، وذلك بمناسبة صدور كتاب حمل عنوان: «كيف يصنع التاريخ»، تضمن العديد من الدراسات والمقالات ردّ فيها أصحابها على أطروحات المتطرفين الهنود حول الحقيقة التاريخية.

رسّام يصور حياة المشاهير من الأدباء والفلاسفة في عام 1965، كان فريدريك باجاك في العاشرة من عمره لما توفي والده في حادث سيارة. وهو ينتسب إلى عائلة بولونية هاجرت إلى فرنسا مطلع القرن الحالي. وكان جده رساما، وأبوه أيضاً. ومنذ طفولته، أحب السفر والتنقل بين الأمكنة. وهو يقول عن ذلك: «أحببت دائما تغيير المكان، ودائما أحببت السفر إلى افريقيا والصين واليابان واستراليا وغير ذلك. وقد أكون ورثت هذا الامر عن والدي الذي كان يفضل دائما تغيير الشقة التي نسكنها، أو الاتيليه الذي يعمل فيه. وبفضله تعرفت على أماكن عديدة ومختلفة وأنا جدّ صغير». وفي عام 1974، بدأ باجاك يرسم ويرسل برسومه إلى الصحف والمجلات. في ذلك الوقت، كان يعيش في باريس وكانت اوضاعه المادية سيئة للغاية. وفي مذكراته كتب يقول : «كانت المصاعب تزداد تفاقماً يوماً بعد يوم. وكان بيع رسم من رسومي إلى جريدة ما يجعلني أشعر كما لو أنني أبيع روحي. وكان من النادر أن أعثر على من يتفهم وضعيتي ويعير رسومي اهتماماً ما. والذين تقابلت معهم، بدوا لي أشخاصاً متغطرسين، مغرورين، يحتقرون القراء ويعتبرونهم أغبياء». وقبل عام، اصدر باجاك ألبوما ضخما تحت عنوان: «العزلة الكبيرة: مع فريدريك نيتشه وسيزار بافيزي تحت سماء تورينو»، وقد احتوى هذا الألبوم الذي حظي بنجاح كبير لدى القراء على رسومات بالابيض والاسود مصحوبة بنصوص صغيرة، ومن خلال هذه الرسوم وهذه النصوص نحن نتعرف إلى أحوال نيتشه الذي أحب إيطاليا قبل أن يبتلعه ليل الجنون، وعلى أحوال سيزار بافيزي الذي انتحر في تورينو. وخلال عام 2000، اصدر باجاك ألبوما ثانيا احتوى على رسوم بالابيض والاسود وعلى نصوص صغيرة مستوحاة من حياة ابوليبنر الذي مات بجرح في الرأس في نهايات الحرب الكونية الأولى، ممهدا لظهور الحركة السوريالية بعد ذلك بسنوات قليلة.