«القرية الفرنكوفونية» وسط بيروت

ستة أشهر من الاحتفالات الثقافية

TT

يريد لبنان ان يتميز، وان ينتهز الفرص ما امكن ليثبت انه «غير شكل»، وليس افضل من المناسبات الدبلوماسية والسياسية المشهودة لتفعيل هذه الصورة النابضة بالحيوية والديناميكية.

فالقمة الفرنكوفونية التي ستعقد في خريف العام الحالي في بيروت لن تكون كمثيلاتها التي عقدت في ثماني عواصم سابقة، تكتفي باجتماعات لأيام قليلة تنفض بعدها اللقاءات وتنتهي، انما هي في لبنان سنة كاملة من الاحتفالات انطلقت مع بداية العام الحالي ولن تتوقف قبل اواخره. عشرات النشاطات الثقافية كانت قد اقيمت في مختلف المناطق وها هي تصل الى ذروتها مع افتتاح «القرية الفرنكوفونية» في الوسط التجاري لبيروت، الذي كان قد تهدم اثناء الحرب واعيد ترميمه وبناؤه وبات يستعيد الحياة تدريجياً بفضل عودة الحركة اليه.

وفي هذا الوسط المستعاد القديم الجديد، العتيق الحديث وقف وزير الثقافة اللبناني غسان سلامة منذ عدة ايام ليعلن بفرح غامر: «لقد انطلق العيد». والحقيقة ان العيد كان مزدوجاً اذ جمع بين عيد الموسيقى وافتتاح «القرية الفرنكوفونية» تحت عنوان «حوار الحضارات» الذي تبنته القمة، هذه القرية التي اريد لها ان تعمّر وتنشط وتتألق على مدار ستة اشهر متواصلة بمشاركة الدول الفرنكوفونية وعلى رأسها فرنسا، كندا، سويسرا، بلجيكا، الغابون، السنغال، رومانيا اضافة الى دول عربية مثل تونس والمغرب وسورية.

الاحتفالات بدأت وستتواصل في الطرقات والقاعات والكنائس والساحات. ومن اليوم الاول الذي كان طابعه موسيقياً ـ بمناسبة عيد الموسيقى ـ تدفق اللبنانيون بكثافة الى وسط عاصمتهم لسماع الموسيقى الكلاسيكية تعزفها الفرقة السمفونية الوطنية اللبنانية، وموسيقى التكنو في ساحة الشهداء مروراً بموسيقى الجاز والروك والراب، وعزف الفنان الكندي فيليب كاندلاريا على الغيتار مقاطع من معزوفاته التي حازت جوائز عديدة في كندا والولايات المتحدة وفرنسا. لقد بدأ الحوار والتثاقف منذ اليوم الاول وكانت المنصّات الموسيقية المنتشرة هنا وهناك تعزف الحاناً غربية وشرقية، ومع الجمع المبتهج سياسيون ودبلوماسيون وحركة افتتاح رسمية لمعارض مثل المعرض المخصص لفنون السكان الوطنيين للساحل الباسيفيكي الكندي، اي ما يعرف بالهنود الحمر وفنونهم وزخارفهم واساليب تعبيرهم. وثمة معرض آخر لصور الفنان مانوك الفوتوغرافية، وهو مصور ارمني كان قد التقط صوراً بديعة للبنان بين عامي 1950 ـ 1977 ووهبها لكندا بعد رحيله الى هناك مع عائلته حيث توفي عام 1994 اثر مرض عضال. وها هي الصور تعود الى لبنان للتذكير بهذا الرجل الذي منح اللبنانيين اجمل الصور عن بلدهم.

وستشهد القرية على مدى الشهور المقبلة حوالي ثمانين نشاطاً تشمل المسرح، الرسم، الرقص، البيئة، الازياء، التراث. وثمة معارض ونشاطات تعنى بالحرف، الكتب، الفن القصصي، الطوابع، العلوم ومختلف انواع الفنون والمهارات التي سيتدفق مبدعوها مع ابداعاتهم لانعاش القرية لا سيما اثناء انعقاد القمة حيث سيصار الى انتزاع رؤساء الدول من اجتماعاتهم وراء الجدران المغلقة الى فضاء القرية لبضع الوقت، كما قال وزير الثقافة اللبنانية غسان سلامة المكلف التحضير للقمة.

بعض الاحتفالات الفرنكوفونية التي تناهز المائة والثلاثين يتخطى حدودها القرية نذكر منها مؤتمرات وندوات دولية اضافة الى حفلات كبرى تستضيفها المهرجانات مثل عزف للاوركسترا الوطنية الفرنسية على ادراج قلعة بعلبك واستعراض مسرحي ضخم لرائعة فيكتور هوغو «نوتردام دو باري» ضمن «مهرجانات بيت الدين».

وعلى اية حال فان البرنامج المعلن لغاية الآن عن نشاطات القرية وحدها يتخطى السبعين نشاطاً من جنسيات مختلفة لكن الاتصالات ما تزال قائمة مع سفارات وجهات دبلوماسية عديدة الإغراء مزيد من البلدان المشاركة في حدثٍ يتبنى الروحية الفرنسية في تعميم الثقافة واشراك المواطنين في كبير المناسبات وصغيرها، واعتبارهم معنيين ومسؤولين عما يدور على ارضهم. وما من شك في ان السعي لاستدراج المبدعين وابداعاتهم الى هذه القرية الصغيرة وطرح النتاجات، باختلاف انواعها وجنسياتها على ذائقة المارة والعابرين والقاصدين المعرفة والاكتشاف سيعود بنفع بالغ على الانسان العادي، الذي ربما لا يعنيه كثيراً ما سيقوله الرؤساء، من كلام حول السياسية الفرنكوفونية وابعادها واهدافها الدولية وانما سيبقى يتذكر.

وبحرارة ان جزءاً جميلا من العالم، كان قد انتقل الى عاصمته ذات يوم، بأحلامه وتوتراته وجنونه، وانه تحاور معه لا بالفرنسية فقط وانما بخيال مجنح ورغبة جامحة بابتكار الفرح وتبديد غمامات الوحشة.