ماذا ينتظرنا في العام الجديد 2008؟

TT

لن تكون السنة المقبلة نوماً على فراش وثير، وإن كان البعض يظنها كذلك، فالتحقيقات التي أجريناها لهذا العدد الخاص من «المنتدى الثقافي» من مختلف العواصم، لاسيما العربية منها، تدل على أن جهوداً كبيرة تبذل من الآن، في العديد من الدول لإثبات حضورها الثقافي، وما يغفل عنه الرسمي، تحاول ان ترتقه المبادرات الفردية، التي تأبى أن تستكين رغم المعوقات. في سورية ثمة تحديات كبيرة، تريد الجهات الرسمية أن تواجهها بنجاح طوال السنة المقبلة. فدمشق عاصمة للثقافة العربية عام 2008، وهي فرصة لا تعوض بالنسبة للمنظمين، لإعادة سورية إلى الخريطة الثقافية العربية بزخم، لا بالمسلسلات وحدها وإنما بالأفلام والكتب والمسرح والموسيقى أيضاً، وبإبراز القيمة التاريخية والحضارية لدمشق كمدينة عريقة لم تنس انها العاصمة الإسلامية الأقدم. ولهذا الغرض فإن خططاً وضعت، وبرامج كتبت، لكنها ما تزال في طور التغيير والتبديل، وهو ما يثير أرق المثقفين هناك (صفحة 3). وفي هذه الأثناء، من المفترض أن تودّع الجزائر لقبها كعاصمة ثقافية للعرب بحلول عام 2008. لكن الطريف ان المسؤولين الجزائريين، حسبما تبين لنا، استساغوا اللعبة، ويودون الاستمرار بها. وهو ما دفع وزارة الثقافة لأن ترصد الميزانيات الكبيرة، للاستمرار بالمشاريع التي بدأتها العام الماضي، وكأنما الجزائر تلبستها شهوة ان تبقى عاصمة ثقافية دائمة، بعد متع تذوقتها بفرح على مدار الأشهر الماضية (صفحة 4). أما لبنان الهاجع على مخاوفه فهو لا يستسلم لليأس، بل على العكس، فما سجلته السينما اللبنانية من نجاحات، خلال العام المنصرم، وما حصدته من جوائز، وإقبال في المهرجانات والصالات، جعلنا نذهب ونبحث عما وراء هذه الوفرة غير المعهودة في الانتاج، والقفزة غير المتوقعة في المهرجانات. فوجدنا ان المسألة ليست مجرد حالة عابرة، وافلام عام 2008 صار بعضها جاهزاً وينتظر دوره في الصالات ليطل على مشاهديه. لعلها مفاجأة العام تلك التي نراها نجاحاً للسينما في بلد يمر بواحدة من أصعب أزماته في العقدين الأخيرين (صفحة 7).

في فلسطين وجود وزارتين للثقافة، إحداهما في غزة والثانية في رام الله، زاد الحال سوءاً. والتعويل كله على سواعد مؤسسات أهلية بدأت تعمل لتشعل ذكرى مرور ستين سنة على نكبة الفلسطينيين، وخروجهم من أرضهم، هذا عدا ذكرى ثانية ليست أقل قسوة، وهي مرور اربعين عاماً على انتزاع القدس من ايدي العرب. كيف يحضّر الفلسطينيون لذكريين هزتا الوجدان العربي، وزلزلتا المنطقة (صفحة 6). أما في ما يخص مصر، فقد ذهبنا نبحث وننبش في أدراج الروائيين الكبار، عن مسودات رواياتهم الجديدة التي سنقرأها عام 2008، فوجدناهم جميعهم، يسطرون رواياتهم، ويخشون الزمن الذي يمر سريعاً. كلهم يكتبون ويؤلفون، لكن ماذا؟ ومتى ستخرج كتبهم هذه من رحم الأدراج والأخيلة، إلى رحم المطابع. هذا ما يجيب عنه التحقيق (صفحة 8 و9).

أما ما ينتظره الباريسيون، فهو عام آخر من الحيوية الثقافية. وسيرى القارئ كيف أن المطابع تحضّر لإخراج مئات الإصدارات بينها 548 رواية تتأهب لتبصر النور. كما تحتفي فرنسا بمئوية كاتبة كبيرة مع مطلع العام، وهي سيمون دوبوفوار التي ما تزال نجمة نسوية، رغم كثرة النسويات في الأدب. والسؤال الذي يطرحه الفرنسيون في احتفاليتها، هل سيمون دوبوفوار فيلسوفة؟ وسؤال آخر، سيطرح بعد ذلك بشهرين أي في مارس (اذار) المقبل، خلال معرض الكتاب الفرنسي، هل لإسرائيل أدب كبير لا بد من الاحتفاء به والتعرف عليه؟ فإسرائيل ضيف شرف على معرض السنة القادمة، ووجودها بهذه الصفة إلى جانب أجنحة عربية تقليدية، قد يبعث على المنافسة الجادة، أم تراه سيتسبب بمجرد استفزازات عابرة؟ (صفحة 5).

في واشنطن يبدو ان هواجس العام الجديد مختلفة عنها في باريس، التي تظهر اكثر استقراراً. والتوقعات التي نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» توحي بأن الأميركيين يشعرون بانحدار في ذائقتهم الفنية والأدبية، وهو ما استدعى من الصحيفة دق ناقوس الخطر، معتبرة ان العام المقبل هو عام التفاهات أو النكات الثقافية، في اميركا طبعاً (صفحة 2).

على أي حال، سنة جديدة تطل بعد أيام، والأمل ان يتمكن كل الأدباء والفنانين الذين قابلناهم أو تحرينا مشاريعهم في هذا العدد، ومعهم القراء وعشاق الفنون من تحقيق أحلامهم، رغم الغمامات السوداء، التي تحجب الشمس، لكنها قد تحمل مطراً مدرارا.

«المنتدى الثقافي»