ترددات السياسة تصيب «معرض الكتاب العربي والدولي» في بيروت

حضور خجول مع اعتراض على التوقيت وتراشق بالاتهامات

TT

الخميس، هو اليوم الأخير لـ«معرض الكتاب العربي والدولي» في دورته الـ51، في بيروت. انه «ابو المعارض وأمها»، كما يقال عنه، لأنه أقدمها وأعرقها عربياً. لكن هذه السنة لم تكن كما سابقاتها، فقد أصاب المعرض هدوءاً مخيفاً ومقلقاً، وهجره زائروه، كما لم يفعلوا من قبل. هل هي الهزات السياسية والاغتيالات، اغتالته بطريقها، أم انه التوقيت السيئ في عز موسم الأعياد، أم تراها الاحتقانات الطائفية حسبت هذا المعرض على آل الحريري، كأنه لهم، وليس للبنان أجمع؟ كلام كثير، واتهامات متبادلة بين المنظمين والعارضين، والنتيجة ان الكتاب ينحر على مذبح الجهل بدم بارد، فماذا يحصل في بيروت، في هذا المكان الرمز الذي قاوم كل الحروب؟

من تحت ركام الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية المتربصة به منذ ثلاث سنوات ولد «معرض الكتاب العربي والدولي الـ 51»، الذي ينظمه «النادي الثقافي العربي» بالتعاون مع «نقابة اتحاد الناشرين» في لبنان، في مركز بيال للمعارض وسط بيروت.

وكأن قدر هذه التظاهرة الثقافية السنوية، التي ينتظرها اللبنانيون في شهر ديسمبر (كانون الأول) من كل عام، أن تصاب بنكسة في موعد انطلاقتها. في عام 2005 تزامن افتتاح المعرض مع اغتيال النائب في البرلمان اللبناني جبران تويني، فيما كانت في عام 2006 انطلاقة اعتصام المعارضة اللبنانية المفتوح في وسط بيروت، فاضطر المنظمون الى تأجيل موعده حوالي خمسة أشهر. أما هذا العام فبداية المعرض كانت أليمة بدورها، وترافقت مع تشييع اللواء الركن فرانسوا الحاج، الذي استشهد اثر عملية اغتيال صباح 12 ديسمبر.

منذ أن تطأ قدم الزائر المعرض يشعر بالهدوء المخيف في الداخل، مقارنة بما يفترض أن يكون عليه حدث كهذا. مما لا شك فيه أن الأجواء المتأزمة في الخارج تركت آثارها السلبية على أجنحة دور النشر اللبنانية والعربية، التي وصل عددها الى 184 دارا.

ورغم رداءة الوضع، يصر أصحاب الدور والبائعون على المضي قدما في مسيرتهم ومواجهة الواقع، على أمل الوصول الى مرحلة يعودون بها الى زمن استحقت فيه بيروت حمل مشعل الثقافة بامتياز. وان كان الأمل قد يطول انتظاره في بلد اعتاد أبناؤه على التأقلم بملل وكلل.

يقول ناصر فليطي من «دار رياض الريس للنشر»، «اضافة الى الطقس الممطر والتوقيت الخاطئ للمعرض، بسبب تزامنه مع الأعياد، فان التجاذبات السياسية كان لها وقع كبير في تراجع نسبة الزائرين هذا العام. ولكن يمكن القول إن البداية كانت مقبولة نوعا ما، خصوصا في حفلات التواقيع التي وصلت هذه السنة الى 30 اصدارا». ويضيف «لكن رغم ذلك سنستمر في عملنا، لأن دورنا هو أن ننتج كتبا جديدة ونقوم بتسويقها».

وعن أسعار الكتب يؤكد فليطي أن كل شيء في لبنان أصبح غالي الثمن، ولكن اذا قورن الكتاب بتكاليف الانتاج فهو بالتأكيد سيكون متدنيا، وهذا بالتأكيد دليل واضح على الأزمة التي يمر بها الكتاب في العالم العربي.

وتعتبر دينا فواز من «دار العلم للملايين»، أن «تنظيم المعرض، لمرتين في عام 2007، في مارس (آذار) الماضي وديسمبر الحالي، كسر حالة التعوّد لدى الناس الذين كانوا ينتظرونه في أوائل هذا الشهر، اضافة الى الوضع الاقتصادي المتردي الذي يتفاقم يوما بعد يوم».

ولأن السياسة في لبنان أصبحت الموجه الأساسي لعقول اللبنانيين وتفكيرهم، فها هو دستورها الذي أعدّه أمين عاطف صليبا ونشرته في كتيّب «المؤسسة الحديثة للكتاب»، ولا يتعدى ثمنه الدولار ونصف الدولار، يحظى باهتمام الزائرين الذين يقبلون على شرائه للخوض في تفاصيل هذا اللغز الخلافي الذي تتصارع عليه الأطراف اللبنانية.

وهذا الوضع أكدت عليه احدى الزائرات، التي اعتبرت أن التنوّع هو عامل أساسي في زياراتها السنوية لمعرض الكتاب، وقالت: «بعدما كنت أحرص على شراء الكتب الدينية، اليوم وبعدما فرض الواقع السياسي نفسه على لبنان، اتجهت الى اختيار الكتب التاريخية والسياسية».

ولا يختلف سعد خليفة من «المؤسسة الحديثة للكتاب» مع ما قاله زملاؤه في نظرتهم لسبب عدم نجاح المعرض، الذي اختصره بالوضعين السياسي والاقتصادي والتوقيت الخاطئ. واعتبر أن الايام الأولى للمعرض هي المؤشر لنجاحه أو عدمه، من خلال عدد الزائرين الذين وان لم يشتروا كتبا خلال هذه الفترة يتصفحون ويطلعون ليعودوا في الايام الأخيرة ويشتروها، أما مؤشر هذا المعرض فهو سيئ للغاية نظرا لعدد الزوار القليل منذ اللحظة الأولى لافتتاحه».

وفي حين امتنع عدد كبير من ممثلي دور النشر عن الادلاء بآرائهم، قال وليد أحوش من «دار بيسان»: «توقعنا سلفاً ما سيكون عليه المعرض، فالواقع الحالي لم يفاجئنا، لذا كان يفترض اتخاذ قرار الغائه، خصوصا أن اللبنانيين لا يزالون يعيشون صدمة الاغتيال التي وان خفت وطأتها بعد ايام من افتتاحه، الا أنها ما تزال حاضرة، رغم اننا خفضنا الاسعار واحتسبنا الدولار ألف ليرة بدلا من الألف والخمسمائة ليرة لبنانية، مع العلم بأن سعر إيجار الأجنحة لا يزال نفسه من دون اي تعديل أو تغيير».

أما تقويم مدير التسويق في «مركز دراسات الوحدة العربية» حسيب حسيب، فأتى متناقضا مع الآراء المتشائمة، ووصف يوم الافتتاح بأنه عادي، فيما اعتبر أن الأيام الأولى كانت ممتازة وان تأثرت بشكل بسيط بالأوضاع العامة، قائلا «من يحتاج الى الكتاب سيشتريه من دون تردد ولا يهتم بسعره».

ووصف جبران ابو جودة من «دار الساقي» المعرض بأنه بطيء، وأشار الى أن الروايات تحتل المرتبة الأولى في قائمة المبيعات لديهم.

ومما لا شك فيه أن الأسباب التي ذكرها ممثلو دور النشر لعبت دورا مهما في تراجع نسبة الزائرين، لكن اضافة الى ذلك يبدو أن اللبنانيين انجروا إلى اللعبة السياسية وانسحبت تردداتها الى ثقافتهم. فليس غريبا مثلا ان تسمع أن المقاطعة أتت من شريحة من الناس معارضة لسياسة رئيس مجلس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة الذي افتتح المعرض، واضعة هذه الخطوة في نطاق الاستفزاز لفئة معينة من اللبنانيين، علما بأن رعاية رئيس الحكومة اللبناني للمعرض، هي تقليد يمارس منذ 25 عاما. كما أن أمرا مشابها حدث في المعرض السابق حين اعترض بعض الناس على صورة رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري المعلقة على مدخل قاعة بيال، وربما لهذا السبب أزيلت في هذا العام.

ومن جهته يرى مدير «النادي الثقافي العربي» عدنان حمود أن «وضع معرض الكتاب جيدّ، ولكن ليس كما يجب أن يكون. الاقبال خفيف من حيث عدد الزوار يوميا، وذلك نظرا للأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية التي تصيب كل لبناني في كل منطقة، اضافة الى اقفال بعض الطرقات المؤدية الى وسط بيروت، خصوصا يوم كان موعد انعقاد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية».

وردا على اعتراض ممثلي دور النشر على توقيت المعرض قال حمود، ان «النادي الثقافي العربي حدّد الموعد بالاتفاق مع نقابة الناشرين اللبنانيين الذين لم يبدوا اعتراضهم على الأمر. ونحن قمنا بدورنا على أكمل وجه، وتقع على عاتق دور النشر مهمة التسويق لكتبهم».

وأضاف حمود «كذلك على اصحاب دور النشر أن يخفضوا سعر الكتاب كي تزيد نسبة البيع بدلا من بيعه بأضعاف التكلفة، وهو سعر أعلى من ذلك المتداول في المكتبات!».