تأثيرات الترجمة الحرفية على العربية

كتاب يتهم الإعلام العربي بالإساءة إلى اللغة الفصحى

TT

في تقديمه لـ «كتاب الأعاجيب في لغة الأعاريب» يقول الدكتور تمام سليمان:«إن هذا الكتاب يعد إنجازاً فكرياً وحضارياً مهماً، سيكون محط إعجاب الذين يريدون للغة العربية أن تحافظ على سموها ورونقها، وأن تنقل الكلام من الانجليزية بأسلوب حضاري يحافظ على سلامة اللغتين. ويرى أن عنوان الكتاب ينطق بالقليل مما في مكنونه، باعتبار أنه لا يبحث فقط في تردي مستوى الترجمة أو التعريب، بل يبحث أيضاً أزمة الهوية العربية التي أضاعتها الترجمة الحرفية البعيدة عن العقل والمنطق والمنافية للذوق السليم للغة».

مؤلف هذا الكتاب علي محمد الدرويش، يحمل شهادة دكتوراه في الترجمة والتواصل، وقد جاء الكتاب بـ 464 صفحة من القطع الكبير ضمن منشورات شركة رايتسكوب للمنشورات التقنية في ملبورن، متضمناً سبعة عشر فصلاً غطت الموضوع الذي يتناوله من مختلف جوانبه، مع استشهادات مقارنة بين اللغتين العربية والانجليزية. كما تضمن الكتاب ملحقاً باللغة الانجليزية كرس له 20 صفحة، قدم فيها ملخصات مركزة عن مضامين الكتاب.

وفي تمهيده للكتاب، يذكرنا المؤلف كيف كانت نهضة العرب الأولى في بداية الحضارة العربية الإسلامية، تقوم على الترجمة كعامل رئيس في نقل المعارف والعلوم من الأمم العظيمة الأخرى التي سبقتهم إلى تلك المعارف والعلوم، وكيف دأبوا على هذا النهج فطوروه وشذبوه وحسنوه على أيدي عباقرة كان سعيهم وجدهم ضمن إطار حضاري ذي رسالة واضحة تطلب العلم ولو في الصين في سبيل حركة فكرية وعلمية تجاوزت الكسب المادي والفوز الآني إلى أهداف سامية أعظم وأرقى وأشد نبلاً.

وبالانتقال إلى الحاضر، نجد المؤلف يقول: «لا يمكن الاستخفاف بما يمر به العالم العربي اليوم من تغيرات وتحولات اجتماعية ونفسية ضاربة في عمق الشخصية والهوية العربية، وما تتعرض له اللغة العربية على أيدي المجددين والمقلدين والمستلبين في الصحافة والإعلام والمناحي الأخرى من النشاط الإنساني العام. وقد دق رئيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة محمود حافظ ناقوس الخطر، فحذر في ندوة بعنوان «العربية في عصر العولمة» عقدت في القاهرة، من استمرار العدوان على اللغة العربية، مشيراً إلى انه بعد جيل أو جيلين ستنشأ في مصر طبقة اجتماعية لا تنتمي إلى مصر ولا إلى اللغة العربية، بل تنتمي إلى لغات أجنبية وإلى بلدان تلك اللغات».

وبعد أن يتحدث المؤلف في الفصل الأول من الكتاب عن دور الإعلام العربي في صوغ التاريخ والرموز الحضارية، ينتقل في الفصل الثاني إلى الحديث عن الصحافة العربية بين وهم الحداثة وحداثة الوهم، وأثر الترجمة في اللغة والفكر والتعبير. ويشير بالنسبة للترجمة إلى مساوئ الترجمة الحرفية التي يرى أنها بـ «طبيعتها تعطل الأسباب الطبيعية في اللغة المنقول إليها، فيلجأ المترجم إلى نقل المحسنات البيانية والبديعية من لغة المصدر إلى لغة الهدف، دون دراية بما يحدثه هذا النقل من تعطيل، إما بسبب ضيق الوقت لديه - ذلك أن نقل الأخبار من المصادر الأجنبية يقتضي سرعة وعجلة في الإنتاج - وإما بسبب افتقار معظم العاملين في هذا المجال إلى المهارات والطرائق والمنهجيات الواعية التي تكفل نقل الأخبار دون تعطيل أدوات اللغة المنقول إليها، وإما بسبب الاثنين معاً».

ويرى من جانب آخر أن الإعلام العربي ما فتيء «يحدث تغييرات جذرية في اللغة العربية من خلال الترجمة الحرفية الجاهلة، فإذا بالمضاف والمضاف إليه يختفيان شيئاً فشيئاً، فتجد «حادث مروري» بدلاً من «حادث سير ومرور»، و«نقاط خلافية» بدلاً من «نقاط خلاف». وإذا بالمفعول المطلق وصيغة المفعول المجهول يختفيان رويداً رويداً. وتختلط الإضافة الفاعلية بالإضافة المفعولية «اعتقال خمسة رجال في جريمة الحريري»، ويكثر اعتماد الفعل البديل الإنتاجي إلى حد كبير، بحجة اختفاء حركات الإعراب من الطباعة العربية، ونحن في وسط مرئي مسموع. فتسمعهم:«تمت عملية اغتيال الرئيس ..». وفي آخر صرعات الإعلام بتر «ما» واستخدامها كفاء سببية «ضرب زلزال ما أدى».

ومن النماذج السيئة الأخرى التي يذكرها، استخدام الأغلبية في الإعلام العربي المسموع عبارة «أهلاً بكم إلى نشرة الأخبار» بدلاً من «أهلاً بكم في نشرة الأخبار». وحل هذا التعبير الخاطئ محل التعبير الأصلي فنسيه الناس وانمحى من ذاكرتهم.

نموذج آخر يقول المؤلف إن كتب الأخطاء الشائعة قد نبهت إلى الخطأ اللغوي في استعمال كلمة «تواجد»، ولكنها لم تفسره أو تشرح لنا سبب الخطأ باستثناء القول بأن (الفعل «تواجد» معناه: أظهر وجده أي حبه الشديد)، كما جاء في «معجم الأخطاء الشائعة» لمحمد العدناي «ص264». ولكن الخطأ في استعمال «التواجد» بمعنى «الوجود». وإن صح اشتقاقه من «وُجِدَ» على المجهول، ليس في الخطأ بينه وبين «الوّجد» في الحب وليس وقفاً عليه، بل يكمن الخطأ في الاستناد المنطقي في المعنى، فالوجود لا يكون إلا دفعة واحدة. فإما أن يكون الشيء موجوداً أو أن لا يكون. أما «تواجد» فهي تفيد التدرج في الوجود. وهذا خطأ في المنطق العربي، كما هي الحال بالنسبة إلى النعوت المطلقة absolute adjectives في اللغة الانجليزية التي لا تقبل المفاضلة، نحو more perfect.

لقد جاء هذا الكتاب الذي تضمن العديد من الصور والرسوم البيانية التي تدعم مضامينه، حافلاً بالنماذج عن الأخطاء اللغوية والأخطاء في الترجمة، وقد تميزت طروحاته بنقدٍ لاذعٍ وتقريعٍ حادٍ، ولم تنج مجامع اللغة العربية من انتقادات المؤلف، ومن ذلك قوله ان هذه المجامع «لم تقدم منهجيات كاملة تستند إلى أصول علمية واضحة. بل اكتفت بالتركيز على الأوزان العربية والاشتقاق وترجمة البدايات واللاحقات، ولم تلتفت إلى العوامل التي تؤثر في صياغة المصطلح، وانشغلت بإجازة استخدامات لغوية موبوءة صرفت من أجلها جلسات ومحاضرات ونقاشات ولكن بعد أن سبق السيف العذل».