الاقتصاد هزم هتلر وليس الحرب

كتاب بريطاني يحمل وجهات نظر مختلفة عن الحرب العالمية الثانية

TT

أياً كان الأمر، فإن نظام أدولف هتلر، الذي لم يستمر طويلا، كان يشكل عملية صناعية كبيرة أدّت إلى انحراف القوّة الكبيرة والمنتجة لأغلب دول أوروبا عن أهدافها ومساراتها الطبيعيّة واتجهت صوب ماكنة التدمير والقتل. بالنسبة لأكثر المؤرخين، فإن قمة معارك الحرب العالمية الثانية، ابتداء من معركة ستالينغراد وحتى معركة «ميد واي» لم تكن في المقام الأول تمارين في الاستراتيجيّة والقسوة أو البطولة، وإنما تجميع هائل لرأس المال والإنسان و تركيزهما على مسألة المكان والتاريخ

في كتابه الطويل البالغ عدد صفحاته الثمانمائة، يقدم أستاذ التاريخ في جامعة كمبردج آدم تووز، الرايخ الألماني الثالث كماكنة قدّر لها أن تسحق نفسها وتتهشّم إلى قطع متناثرة، ليس بسبب سباق الحرب البيروقراطي وسلوكيات هتلر المكتبيّة المضطربة، وإنما بسبب عللها وعيوبها منذ الولادة. خلاصة المسألة، إن ألمانيا الهتلرية كانت على الدوام بحاجة إلى المواد الخام، خاصة البترول، المطّاط، الحديد، الفحم الحجري، علف الحيوان والسماد، العملة الصعبة وحتى الأيدي العاملة لكي تحقق الاستقلال الصناعي والحضور التجاري أيام السلم. ومع كل براعة وحذلقة هجلمار شاخت، مسؤول مصرف الرايخ حتى 1939، وشبير، وزير الإنتاج الحربي بعد 1942، فإن ألمانيا مرّت بعدّة أزمات مالية وتموينيّة عصفت أخيراً بجيوشها وأدّت بها إلى الانهيار النهائي.

يشير الكاتب تووز إلى الحقول والمعامل والطرق السريعة والتوظيف الوهمي المضلل في الاتصالات وحافلات النقل العام وخدع السوق الماليّة والاعتمادات المصرفية في الثلاثينات والذخيرة الحربيّة ويوضح كيف ان التجارة الألمانية ربحت التسليح من خلال العودة السريعة إلى رأس المال الذي أجازه هتلر. لقد مال الشعب الألماني، رغم عدم وجود أي شيء في المخازن ينفقون من أجله مدخراتهم، إلى الحكومة وبالتالي دعم «التمويل الصامت للحرب» الذي حافظ على بقاء الصورة الدمويّة في الشارع.

إن ما يميّز هذا الكتاب، هو الدور المهيمن الذي يسبغه المؤلف على الولايات المتحدة الاميركية كصورة أخرى لرعب هتلر وخياله. إنه يهمل «سفر» هتلر الذي أنجزه في السجن، وهو كتاب «كفاحي» عام 1942 بمضمونه المناهض للرأسمالية، لصالح كتاب آخر له اسمه «الكتاب الثاني» الذي كتبه بعد أربع سنوات على الأول ولم ينشر إلا في ستينات القرن الماضي.

في «الكتاب الثاني» يذهب هتلر نحو المفارقة التاريخية وذلك باتخاذه الموقف المعادي لأميركا. يكتب هتلر «بسبب التكنولوجيا الحديثة التي سهّلت من عمليّة الاتصالات، أصبحت العلاقات الدولية بين الشعوب من القرب بحيث أن الأوروبي أخذ يطبّق كمعيار معتمد، جودة وشروط الحياة الاميركية....»، و لمواجهة مثل هذا الميل نحو المتع والامتيازات الاميركية، ولكن من دون تلك المساحة الكبيرة من الأرض الاميركية وتزويدها بالأسواق، يجب على الدول الأوروبية أن تختصر إلى مرتبة «سويسرا أو هولندا»، إذ أن اتحاداً تعاونياً للدول الأوروبية مثل ذلك الذي تأسس بعد الحرب لا يتلاءم مع أفكار هتلر العنصرية. عوضاً عن ذلك، وجد بديلاً آخر لإخضاع الشرق عرف باسم «المجال الحيوي»، على غرار السوق الاميركية الداخلية.

إن هذا النوع من ثقة النفس الاستفزازية، ربما، هي الطريق الاقتصادي للسيطرة على موارد هائلة وإبقائها خارج أحلامه. إن بحث المؤلف عن تفسير معقول لأفعال الألمان، اضافة للعنصرية، يتيح له أن يأتي على ذكر كل المجازر والقسوة والضراوة الألمانية في الشرق ويدخلها إلى عالم الاقتصاد النازي. إنه يؤكد على أن تلك المجازر لم تكن إلا مقدمةً لحملة إبادة جماعية، استخدم فيها التجويع الإجباري للسجناء السوفيت والمدن لأجل إطعام السكان الألمان.

بعد عام 1941، كانت هناك «تسوية» أو بالأحرى حل وسط، يتراوح بين إبادة هؤلاء الناس وبين تسخيرهم في المصانع للعمل في إنتاج العتاد والطائرات الحربية. لذا، فقد أرسل العديد من المواطنين الأوروبيين إلى مصانع إنتاج الطائرات الحربيّة. كان عمال معسكرات الاعتقال يُعلّقون من عوارض خشبيّة لإدخال الرعب في نفوس زملائهم العاملين في خطوط إنتاج صواريخ V2، بحيث تتدلى أجسادهم في وسط القاعة. لهذا السبب وأسباب عديدة أخرى، يتساءل المؤلف: كيف أنقذ ألبرت شبير رقبته من حبل مشنقة محاكمات نورنبيرغ؟

يركّز المؤلف على القوّة الصناعية الأميركية كما هي في الواقع ويقلّل من دور الاتحاد السوفيتي السابق ويختصر معركة بريطانيا ويجعلها ثانوية. بريطانيا التي ضحّت بإمبراطوريّتها لدحر المانيا في الحرب، هي بالنسبة لتووز ليست أكثر من «موقع أمامي متقدّم لمعامل ديترويت والوسط الغربي الاميركي».