«دمشق عاصمة الثقافة العربية» تتطلع الى «فيروز» وتحتض «كارمن»

قلق في سورية بسبب التأخير في إعلان البرنامج النهائي

TT

علمت «الشرق الأوسط» ان البرنامج المبدئي لدمشق عاصمة ثقافية، يتعرض كل أسبوع للتعديل. مع ذلك وبالاستناد إلى ما يتسرب من معلومات عن الأمانة العامة للاحتفالية، فإن الجمهور سيكون على موعد مع فيروز بعرض «صح النوم» خلال الشهر الأول من العام الجديد. ولعل هذا سيكون الحدث الأبرز، ويأتي بعد غياب طويل لفيروز عن دمشق، العاصمة التي لا يمل أهلها من سماع أغانيها، ولا معنى للصباح عندهم ولا للأعياد دون أن يوشيها صوت فيروز. فهو ليس صوتاً ملائكيا يرتاحون لسماعه وحسب، بل جزء من ذاكرتهم الفردية والوطنية بحلوها ومرها. وإذا حصل وجاءت فيروز، ربما يخفف هذا بعضا من الانتقادات التي تطال الأمانة العامة بسبب تكتمها على التحضيرات وتباطئها المدهش في تثبيت برنامج الاحتفالية.

الأحداث المنتظرة طوال العام المقبل، تختلف الآراء حولها. فالروائي نبيل سليمان يرى أنها فرصة جدية جداً لصناعة ثقافية ثقيلة، ويشاركه آخرون في هذا الاعتقاد، مع بعض المخاوف، ومنهم المفكر طيب تيزيني الذي يرى أن اختيار دمشق عاصمة ثقافية يعد حدثاً عالمياً وليس عربياً فقط، ويقول: «إن دمشق هي المدينة الأقدم بين المدن المأهولة في العالم، وبالتالي فإن اختيارها عاصمة للثقافة أمر يهم العالم بأسره، لأن هذا الإرث الذي تأسس وتأسست به المدينة أصبح إرثاً للبشرية جمعاء». ويتابع تيزيني: «يجب علينا كباحثين إضاءة هذه المدينة بعظمتها عن طريق بانوراما كاملة لدمشق في مراحلها الثلاث، تتضمن ما كانت عليه وما تطورت به وكيف أصبحت». ويرى تيزيني، أنها مهمة تقع بشكل أكبر على عاتق العلماء المختصين بالجغرافيا السورية عموماً والدمشقية بشكل خاص.

بالعودة إلى الاحتفالية، يذهب طرف آخر بعيداً في التشاؤم، بسبب الغموض والارتباك اللذين يكتنفان عمل اللجان المنظمة لهذه الاحتفالية التي لم يعد يفصلنا عن انطلاقتها سوى أيام قليلة، إذ لم تظهر بعد أية مظاهر ملموسة توحي بأن الاستعدادات التي يجري التحضير لها منذ مطلع العام الجاري قد اكتملت، لا سيما وان معظم شوارع دمشق محفرة ويجري العمل فيها من أجل هذه المناسبة المرتقبة. فهل الأمور متروكة الآن طي الكتمان للمفاجآت؟! ولعله من المفيد هنا أن نذكر، أننا ونحن نعد هذا التقرير عجزنا عن الحصول على أي معلومة مباشرة من المعنيين عما جرى الاستعداد له. فالبعض يقول: لم يعد لي علاقة، أو استقلت. وقد اتصلنا مراراً بمكتب المديرة العامة للاحتفالية، حنان قصاب حسن، فتم تحويلنا من مديرية إلى أخرى دون جدوى. ونأمل ألا يكون هذا تعبيراً مبكراً عن بيروقراطية تثقل على مجريات الاحتفالية! والغريب أن الأمر تكرر بشكل أكثر فجاجة في مديرية المسرح القومي. فالموظف المعني بالخطط رفض أن يقدم أي معلومة عن خطط المديرية للعام المقبل، وكأنها سر من أسرار الدولة. وطلب أن نقدم طلباً رسمياً إلى مدير المسرح القومي عجاج سليم، الذي لم يكن موجوداً في هذه الأثناء!

نذكر هذه التفاصيل لغرائبيتها ومدلولاتها. رغم أن بعض المعلومات متوفرة ومعلن عنها في وسائل الإعلام!! فقد أُعلن عن تخصيص الحكومة 600 مليون ليرة سورية كميزانية للاحتفالية بالإضافة إلى 600 مليون أخرى منحة من محافظة دمشق، لتصبح الميزانية العامة مليارا ومائتي مليون ليرة، من المتوقع أن يذهب معظمها إلى الفرق الفنية العالمية الشهيرة، التي دعتها الأمانة العامة لإحياء حفلات في دمشق. وهو ما أثار الكثير من الانتقادات حول إذا كان المطلوب تقديم النتاج الثقافي المحلي ودعمه أو استقدام ثقافة عالمية لاطلاع الجمهور المحلي عليها وبأسعار باهظة تغطي بالكاد جزءاً من التكاليف؟ وهي انتقادات تستمد شرعيتها من وجهة نظر البعض ممن يرون في هكذا احتفاليات مناسبة لدعم الشباب ومنحهم الفرصة للكشف عن المواهب الجديدة. ومن الملاحظ أن الأمانة العامة لم تتجاهل هذا الجانب لكنها أولته جزءاً بسيطاً من الاهتمام والميزانية. فقد تم تقديم منح إنتاجية بسقف مخفض للشباب تشمل 26 شاباً وشابة فقط من الموهوبين، في مجال الإبداع السينمائي والمسرحي والفنون التشكيلية والموسيقى.

كما حدد سقف الإنتاج المسرحي بأربعة ملايين للمسرحية على أن تتم الموافقة على أربعة عروض فقط، وكانت المديرة العامة للاحتفالية، حنان قصاب حسن وعدت أن تجعل من شوارع دمشق وحاراتها مسرحا وكرنفالاً ثقافياً على مدى عام.

وعلى صعيد النشاطات المسرحية القادمة، يتم الحديث في الأوساط المسرحية عن خطة أولية قابلة للتعديل يتم فيها التوافق مع الاحتفالية الكبرى، وقال الدكتور عجاج سليم بهذا الصدد: «سيتم الدمج بين مهرجان دمشق المسرحي في آذار عام 2008 واحتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية». ومن أهم المسرحيات التي أعلن عن تقديمها خلال العام المقبل: مسرحية «حرم سعادة الوزير» بطولة أسعد فضة ومنى واصف، وسبق أن قدمت هذه المسرحية في العقود الماضية، ومسرحية «الزيارة» تأليف ممدوح عدوان إخراج محمود خضور، ومسرحية «سفر برلك» وهي أيضاً من تأليف ممدوح عدوان وسبق أن قدمت. وتوجد مسرحيات أخرى بالإضافة إلى ما سيقدم في المهرجان المسرحي المقبل. ومن المقرر أن تتم استضافة شخصيات ثقافية وفنية عربية ودولية كبيرة ولعل الاسم الأبرز بينها المسرحي العالمي بيتر بروك.

وسيستهل الموسم المسرحي الذي يبدأ بعد الأعياد بمسرحية لأيمن زيدان وشكران مرتجى، عن نص لداريفو، ترجمة وإعداد د. نبيل حفار، ضمن توجه لوزارة الثقافة لإعادة الممثلين النجوم الذين اشتهروا في التلفزيون، وفي الوقت ذاته هم موظفون في دائرة المسارح إلى العمل المسرحي. ومن المتوقع أن يقدم الفنان الكوميدي ياسر العظمة مسرحية ساخرة خلال الموسم المسرحي المقبل، كما يبحث الفنان رفيق سبيعي عن نص لإعداده للمسرح.

وبحسب ما أفاد القاص والصحافي نجم الدين السمان مدير مكتب وزير الثقافة، أن تركيز الوزارة يتجه نحو الشباب فهناك أكثر من 20 عملاً تمت الموافقة على نصوصها، لتنتج خلال الموسم. ويوجد مهرجانان مسرحيان للشباب، ينطلق الأول في أغسطس (آب) المقبل، وآخر للطفل في أيلول (سبتمبر) مع افتتاح المدارس، عدا مهرجان دمشق المسرحي الذي ينطلق في مارس (آذار) بمشاركة عربية ودولية. وحتى الآن هناك عشر دول عربية وخمس أجنبية أكدت مشاركتها فيه، كما سيتضمن مهرجان الشباب ورشات عمل بالتعاون مع أيام قرطاج المسرحية، وسيتم إرساله وغيره من النشاطات إلى المحافظات النائية، كي لا تتركز الأنشطة الثقافية في العاصمة فقط. وبالنسبة لباقي المهرجانات، ستتابع دوراتها المعتادة، كمهرجان الفنون الشعبية الذي يقام كل عام في محافظة، ومهرجانات تكريم المبدعين ومهرجان بصرى الدولي.

وتسعى وزارة الثقافة برغم تخفيض ميزانيتها لهذا العام إلى 250 مليون ليرة سورية إلى زيادة أنشطتها، ودعم المبادرات الفردية ومشاريع الجهات الأهلية، حيث ساهمت العام الماضي في دعم ملتقى نحت مشتى الحلو في محافظة طرطوس، ومسابقة المزرعة الأدبية في محافظة السويداء، ومهرجانات عمريت والملاجة الشعري ... الخ. وهي تنوي الاستمرار في سياسة الدعم مع فتح باب الإنتاج المشترك مع القطاع الخاص لتعويض نقص الميزانية.

وعلى صعيد الإصدارات أفاد السمان، أن الوزارة قامت بطباعة 160 عنواناً خلال عام 2007، وما زال هناك ثلاثون عنواناً تحت الطبع، ستصدر خلال أيام. وحول خطة النشر للعام المقبل اوضح السمان، أن نشاط وزارة الثقافة مستقل عن نشاط الأمانة العامة للاحتفالية، لكنه يتم بالتنسيق معها كي لا يكون هناك تعارض بينها. وسيتم تخصيص إصدارات الهيئة العامة للكتاب العام المقبل لمدينة دمشق، وهناك خطة لإصدار 200 عنوان بالإضافة لمتابعة سلسلة آفاق ثقافية وسلسلة كتاب الشهر بالتعاون مع دار البعث، ناهيك عن دوريات الحياة السينمائية والتشكيلية والمسرحية والموسيقية مضافاً إليها الأسبوعية الثقافية «شرفات».

وفيما يخص الفن التشكيلي، سيقام ملتقى للنحت يستلهم مدينة دمشق، توزع أعماله على الساحات، كما تتم دراسة فكرة إحداث بينالي دمشق الدولي، ووضع نظام خاص به لإرساء قواعده وشروطه.

وسيستمر «ملتقى مشتى الحلو» للنحت لعامه الثالث على التوالي، ويستعد الفنان فارس الحلو المشرف عليه لتوسيع المجالات التي يهتم بها، بحيث يشمل الشعر والأدب، بالإضافة لملتقى آخر، سيقام للمرة الأولى في سبتمبر (أيلول) المقبل في محافظة السويداء، يعتمد حجر البازلت المحلي في منحوتاته.

وفي السينما، بدأ التحضير لمهرجان دمشق السينمائي السنوي، ويقام في موعده بأكتوبر (تشرين أول) 2008، متضمناً تظاهرة «تحية لدمشق» بطلتها المدينة. وأفاد مدير عام مؤسسة السينما محمد الأحمد لـ «الشرق الأوسط» ان مؤسسة السينما، ستشارك بثمانية أفلام من إنتاجها ضمن فعاليات عاصمة ثقافية، عرض منها اثنان، «خارج التغطية» للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد و«الهوية» للمخرج غسان شميط، وستة أفلام، سيتم إنتاجها مأخوذة عن روايات لكتاب دمشقيين، تتناول أحداثا جرت في دمشق، كفيلم «حسبية» للمخرج ريمون بطرس عن نص للروائي خيري الذهبي، و«الرواية المستحيلة» للمخرج سمير ذكرى عن رواية لغادة السمان، و«دمشق يا بسمة الحزن» للمخرج ماهر كدو عن رواية لألفت الأدلبي، و«فوق الحافة» للمخرجة واحة الراهب. وقال الأحمد: ان المؤسسة بصدد توسيع تعاونها في إطار الإنتاج المشترك. فبعد التجربة الناجحة للإنتاج المشترك بفيلم «قمران وزيتونة» لعبد اللطيف عبد الحميد، وفيلم الكرتون الطويل «خيط الحياة» بالاشتراك مع شركة «تايغر برودكشن»، تنوي إنتاج فيلم كرتون آخر مع الشركة ذاتها بعنوان «رحلة اليمام الماسي». كما تم الاتفاق مبدئياً مع شركة «سورية الدولية» لإنتاج فيلم «موزاييك دمشق 39» عن رواية لفواز حداد بذات العنوان، وسيقوم بإخراجه حاتم علي. والمتوقع أن يتم تأجيل إنتاجه بسبب انشغال المخرج.

أما على صعيد الموسيقى، يتم التحضير في «دار الأسد للثقافة والفنون» لعرض كارمن من انتاج مشترك سوري ـ فرنسي، متوقع عرضه في الربع الأخير من شهر فبراير (شباط) المقبل، بينما تستمر الدار في إصدار سلاسل ألبومات أعلام الغناء والموسيقى العرب. وقال مدير عام دار الأسد، نبيل اللو لـ «الشرق الأوسط»: انه سيتم مضاعفة إصدار الألبومات خلال العام المقبل بمعدل البوم جديد كل أسبوعين. ومن الألبومات التي يتم التحضير لها للفنانين السوريين: رفيق شكري، عمر نقشبندي، كروان، ماري جبران، زكية حمدان، مصطفى نصري، سهيل عرفة، مها الجابري، إبراهيم جودت، عدنان أبو الشامات، بكري الكردي، نديم الدرويش، علي الدرويش، صبري مدلل، توفيق المنجد، رابطة منشدي مسجد بني أمية ..الخ، علماً أن الألبوم لا يقل عن 3 ـ 6 أقراص سي دي. أما ما سوف يصدر من ألبومات أعلام الموسيقى العرب، فتتضمن: رياض السنباطي، محمد فوزي، زكريا محمد، أحمد صبري النجريدي، محمد الموجي، كمال الطويل..إلخ، ويتابع الدكتور اللو، بأن سلاسل جديدة تم استحداثها كسلسلة الفلكور والأغاني الشعبية، وسلسلة التراث الديني المتضمن الموسيقى الكنسية الشرقية. وسيكون هناك البوم للأب جوزيف عبسي المؤلف الموسيقي الضليع، وجوقة الفرح، والتراث الديني الإسلامي الذي سيتضمن أعمال حمزة شكور وغيره من المنشدين، وأهم الأصوات التي تؤدي الآذان. ويعتبر نشاط دار الأسد مستقلاً عن نشاط الاحتفالية، إلا أنه سيكون موازياً لها، كما أن الدار ستقوم بتقديم الدعم الفني واللوجستي للاحتفالية.

لاشك أن خارطة الثقافة السورية للعام المقبل كما قدمها المسؤولون عنها تشيع التفاؤل، بأن عام 2008 سيكون عام الثقافة السورية، وليس فقط عام دمشق عاصمة ثقافية، لكن كل ما نخشاه ألا ينطبق حساب الحقل على حساب البيدر، فالحقل الثقافي السوري دائما كان شاسعاً ومترامي الأطراف، إلا أن إنتاجه كانت متعثراً حيناً ومتعذراً أحيانا كثيرة. والعام 2007 لم يكن أفضل حالا من الأعوام التي سبقته، فقد كان باهتاً، رغم الاحتفاليات التي لا تنقطع في دمشق والمدن السورية من أمسيات شعرية، ومسرحيات وحفلات، لكن في ظل ثقافة أسيرة ومؤممة، يهيمن عليها البيروقراطيون، وتضيع في مجاهلها جهود أصحاب النوايا الطيبة. وبات من الصعب على المثقفين أن يثقوا بأن حياة ثقافية حرة وفاعلة يمكن أن تنهض! وزاد من قتامة المشهد رحيل ثلاثة قامات فكرية وفنية كبيرة في الأيام الأخيرة من هذا العام، وهم: الموسيقي الكبير صلحي الوادي، والمفكر الكبير أحمد حيدر صاحب المؤلفات المهمة، ونذكر منها: «نحو حضارة جديدة» صدر في أوائل الستينات عن دار الآداب ببيروت، و«العطالة والتجاوز» و«البحث في جذور الشر» وكتب أخرى عديدة لهذا الرجل الذي رحل بصمت بعد صراع طويل مع المرض، والراحل الثالث هو المفكر الاقتصادي عصام الزعيم الذي كان موجوداً في معظم الندوات والحوارات الفكرية، فكانت خسارة فادحة للحياة الثقافية السورية والعربية في آن واحد.