مئوية سيمون دو بوفوار و548 رواية جديدة..وإسرائيل ضيفة شرف على فرنسا

فرصة لقراءة أكثر حيادية لامرأة غير عادية

TT

البرامج الثقافية الفرنسية للعام الجديد غنية بالاحتفالات والعناوين الكبيرة. ثمة 548 رواية ينتظرها القراء، وهناك احتفالية لسيدة الأدب النسائي الفرنسي سيمون دوبوفوار ستشرف عليها الشهيرة جوليا كريستيفا. ومعرض الكتاب السنوي في منطقة «بورت دو فرساي» سيكون تحدياً للنشاط والحيوية العربيين، إذ تستقبل إسرائيل وكبار كتابها، كضيف شرف على المعرض. أما «ربيع الشعر» فسيكون مفتوحاً للعالم اجمع على موقع مخصص لاكتشاف النصوص المكتوبة خصيصاً لهذا المهرجان، من دون الحضور الشخصي وتكبد مشقة السفر. سنة رتبت أجندتها بحيث تلائم كل ذائقة.

سنة أخرى تمضي وأخرى تأتي، ولكل واحدة ميزاتها. فعلى الرغم من أن الدخول الأدبي في سبتمبر الماضي، عرفتْ خلاله الثقافة الفرنسية ظهور مئات الروايات التي تسبب بعضها بفضائح غير الأدبية، وظهور مئات الدواوين الشعرية وسط عزوف كبير من القارئ الفرنسي عن الشعر، إلا حين يُلقى، في أروقة نخبوية، وأجواء تسودها الموسيقى والصمت، فإن سنة 2007 كانت فرصة لقراءة كتاب جديد لفيليب سوليزر «رواية حقيقية، مذكرات»، وفيها عبر عن غضبه وحزنه لكونه لم يؤخذ، أبدا، بمأخذ الجد على أنه روائي. ونكتشف من خلال الكتاب مسارا غير عادي لكاتب غير عادي أيضا... كما أن القارئ المهتم بالفلسفة كان على متعة حقيقية وهو يقرأ كتاب فرانسوا دوس François Dosse: جيل دولوزGilles Deleuze وفيليكس غاتاري Félix Guattari، بيوغرافيا متداخلة. يتعلق الأمر ببيوغرافيا ترسم بدايات واشتغال وأفكار ثنائي فلسفي متفرد، قام بتأليف خمسة كتب.

سنة 2007 تنتهي بشكل أفضل، على الأقل، على مستوى السينما، إذْ أن عبد اللطيف كشيشAbdellatif Kechiche قدّم واحداً من أفضل أفلام السنة في فرنسا، بل في السنوات الماضية. وقد وقع إجماع على أهمية الفيلم إلى درجة أنّ مجلة «ليزانروكيبتيبل» منحته شرف إدارة العدد 628 من المجلة، ولم تبخل عليه بالتقريظ معتبره إياه «المخرج الكبير الذي تنتظره صناعة السينما الفرنسية».. الفيلم السينمائي الطويل يحمل عنوان: La graine et le Mulet

كما أن المجلة نوّهت كثيرا بالدور الفاتن للممثلة حفصية حيرزي Hafsia Herzi... معتبره إيّاها اكتشافا بالغ الأهمية في السينما الفرنسية...

سنة 2008 ستبدأ بدخول أدبي ثان (أي الدخول الروائي)... هذا الدخول الجديد سيعرف صدور 548 رواية جديدة، 359 منها فرنسية و189 رواية أجنبية، في شهري يناير وفبراير من سنة 2008، أي أثناء دخول الشتاء الأدبي، أي بزيادة 5 روايات مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. ومن بين الروائيين الذين سوف نقرأ لهم قريبا نجد جون كريستوف روفينJean-Christophe Rufin وسنقرأ الروائية الكبيرة آني إيرنوAnnie Ernaux (التي تتحفنا برواياتها البالغة الجرأة والمغرقة في الذاتية) وإيريك - إيمانويل شميت Eric-Emmanuel Schmitt وباتريك رامبوPatrick Rambaud وأيضا الوزير الأول السابق دومينيك دوفيلبانDominique de Vellepin . ومن الروايات الأجنبية نقرأ، ضمن ما نقرأ، للكاتبة المجرية الكبيرة التي غادرتنا منذ بضعة أشهر، ماجدا سزابو Magda Szabo.

هذه الإضافة الجديدة للروايات (74 رواية أولى)، خصوصا من خلال حضور بعض الأسماء المهمة، تنبئنا بمفاجآت سيعرفها التباري على الجوائز الأدبية، وإن كانت أقل أهمية من جوائز الخريف.

من بين الأنشطة الجديدة التي ستعرفها السنة الجديدة 2008، لا يمكن نسيان معرض الكتاب السنوي (الثامن والعشرين)، الذي يقام في منطقة «بورت دي فيرساي» الباريسة ما بين 14 و19 مارس 2008، هو فرصة مهمة لعرض الكتاب الفرنسي والأجنبي، وفرصة أيضا للتلاقي بين المبدعين وقرائهم وأيضا مع الباحثين والدارسين ومع دور النشر الأجنبية لبيع الحقوق... ولعلّ كون الكيان الإسرائيلي هو ضيف شرف هذه السنة، في المعرض، أن يكون دافعا لبعض الأجنحة العربية (المغرب والجزائر وتونس ولبنان) التي تحضر منذ فترة طويلة، لتطوير أجنحتها وتعكس دينامية النشر والآمال المرجوة.

ليس من المستغرب أن يحضر كبار كتاب هذا الكيان ليعكسوا تنوعهم ويدافعوا عن رؤاهم، وإن كان خيار المعرض يركّز على الكتاب الذين يستخدمون اللغة العبرية، من روائيين وشعراء وكُتّاب أدب أطفال، وهم في عداد الأربعين.

معرض الكتاب سيفرد مكانا خاصا للرسّام البلجيكي فيليب كيلوكPhilippe Geluck وشخصيته المركزية، القطّ، الذي سيحتفل بذكراه الخامسة والعشرين.

كما أن رسوم المانغاManga المصورة، اليابانية التي اكتسحت العالم الغربي، سيكون لها جناح خاص لتلبية الطلب الذي لا ينضب (وخصوصا من الصغار).

الأنشطة الثقافية لا تتوقف في فرنسا، طيلة السنة، ومن بين المحطات المهمة، لا ننسى «ربيع الشعراء» (العاشر) الذي يمتد من الثالث إلى السادس عشر من شهر مارس 2008، والذي سيكون تحت شعار "مديح الآخر، تقاطعات واختلاط وتهجين». وهو موعد للقاء الشعر والشعراء من فرنسا، لكن أيضا من نحو ستين بلدا. ومن بين أهم اللحظات في هذا المهرجان، هو إمكانية أي فرد القيام بتحميل حرّ (من موقع www.printempsdespoetes.com) لنصوص غير منشورة كُتبت خصيصا للمهرجان من طرف شعراء كأندري شديد وجاك روبو وزْوي فالديس والطاهر بن جلون وغيرهم...

سنة 2008، ستعرف الاحتفال بمرور مائة سنة على ولادة الفيلسوفة والكاتبة النسائية الفرنسية ورفيقة جان بول سارتر، سيمون دو بوفوار (ولدت في 09 يناير 1908).

وبمناسبة هذه الذكرى تداعت كل من «جامعة باريس السابعة» و«مركز رولان بارث» بمشاركة مع «مؤسسة سيمون دو بوفوار» وتحت الإدارة العلمية للباحثة جوليا كريستيفا، للاحتفال بهذه الشخصية الرائدة في التاريخ الفكري للقرن العشرين الغربي.

الندوة التي ستديرها جوليا كريستيفا ستحاول إضاءة جوانب من اهتمامات ومشاغل الكاتبة الراحلة. التدخلات ستتناول سيمون دو بوفوار الروائية، من خلال الكتابات الشخصية من أوتوبيوغرافيا ومراسلات ثم الكتابات التخييلية، ثم يكون موعد مع دو بوفوار الكاتبة والناقدة. وسيتم طرح السؤال التالي: هل سيمون دو بوفوار فيلسوفة؟ كما ستُنظَّم مائدة تحت عنوان: من أمريكا يوما بعد آخر إلى الشيخوخة مرورا بـ «الجنس الثاني»: كتابة المقالات النقدية وأخيرا ستُنَاقش سيمون من زاوية نضالاتها: السياسية والنسائية...

الأنشطة الثقافية في فرنسا أكثر من أن تعدّ وسنحاول، بالتأكيد، عرض البعض منها في الأعداد المقبلة؟

هذا هو الدخول الأدبي والثقافي الفرنسي، فما هو حال الدخول الأدبي والثقافي في العالم العربي؟

* حكاية بن جلون مع أمه تحت الطبع

> كثيرون ينتظرون بشغف رواية الطاهر بن جلون الجديدة والتي ترتكز بشكل اساسي على علاقته بأمّه. الرواية تحمل اسم «حول أمّي»Sur ma mère  وهو عنوان لا يبتعد كثيرا عن رواية فرانسوا وييرغان التي حملت عنوان «ثلاثة أيام في ضيافة أمي» وحازت على جائزة «الغونكور» قبل ثلاث سنوات. ورواية بن جلون المنتظرة قريباً في المكتبات، ترسم بورتريها حادا ومكثفا للسنوات الأخيرة من حياة أمه، التي هربت منها ذاكرتها فعاشت في الماضي، وقد ظلّت أُميّةً طول حياتها وكانت ترفض الحديث عن نفسها. والأمل كبيرٌ في هذه الرواية الذاتية أن يتخلص روائينا بن جلون من الزوائد الفولكلورية ومن محاولات إرضاء النقد الأدبي الفرنسي وأيضا تخيلات الغرب، التي لا تريد أن تنفتح على الآخر المختلف.