20 فيلماً مغربياً في السنة بميزانية ارتفعت إلى 5 ملايين درهم

TT

توجت السنة الثقافية الحالية بفوز الشاعر والناقد محمد بنيس والكاتب عبد الفتاح كيليطو بجائزة العويس. غير أن هذا التتويج العربي لكاتبين مغربيين بارزين ليس سوى الشجرة التي تخفي الغابة الثقافية في المغرب. فالثقافة في المغرب ما زالت لا تحظى بالأولوية السياسية اللازمة، وإن حظيت ببعض الامتياز فهي ثقافة نخبوية موجهة لطبقة معينة في المجتمع المغربي. لا شك أن المدخل الرئيس لهذه الحصيلة هي وزارة الثقافة المغربية. فقد ودعت هذه السنة وزيرا اشتراكيا سهر على شؤونها لمدة تقرب من العشر سنوات وحقق فيها بعض المكاسب كدعم المسرح والتغطية الصحية للفنانين، وفتح ورشات كبرى كالخزانة الوطنية والمعهد الوطني للرقص وغيرهما. بيد أن الوزير اعترف قبل نهاية ولايته بفشل تجربة الدعم المسرحي التي أصبحت تولد التواكل والكسل في صفوف الفرق المسرحية التي أصبح همها الأساس هو الحصول على دراهم الدعم دون احترام دفتر قواعد الإبداع المسرحي الحقيقي. كما أن المشاريع الكبرى التي انطلقت في عهد الوزير المعني لم يكتب لها الإنجاز وبقيت موقوفة التنفيذ. كما أن سياسة طبع الكتاب التي تبنتها الوزارة في عهده ونشرها لعدد من الأعمال لمبدعين مغاربة عانت من مشاكل الترويج والتوزيع. وذلك لافتقار الوزارة لرؤية استراتيجية للتعريف بالكتاب المغربي محليا، مغاربيا وعربيا. وتميزت هذه السنة أيضا بتعيين الفنانة المغربية المعروفة ثريا جبران وزيرة على رأس وزارة الثقافة. وقد صاحب هذا التعيين ردود فعل متباينة في المجتمع المغربي، رفقة وزراء آخرين، من خارج الأحزاب السياسية. غير أن الوزيرة الجديدة ما زالت في بداية الطريق الحكومي ولا يمكن الحكم عليها الآن.

أما بالنسبة لجمعيات الكتاب، فأكبر خاسر في هذه السنة هو اتحاد كتاب المغرب. فهذه الجمعية عرفت سنة هزيلة وتجربة أهزل وهي على أبواب مؤتمرها الوطني الذي سيعيد فيه، بدون شك، الكتاب المغاربة الأمور إلى نصابها. فالاتحاد بدا إلى يومنا هذا بدون استراتيجية ثقافية واضحة، وذلك بعد أن استأثر الرئيس فيها بالقرار الثقافي والسياسي. وهو ما جعل المكتب المركزي يفقد كل فعاليته رغم توفره على أعضاء أبانوا عن علو كعبهم في تدبير شأن الكتاب في المراحل السابقة. والسؤال الذي يطرحه الكتاب هو كالتالي: لم لا يقدم الرؤساء استقالتهم من الاتحاد عندما يفشلون في برامجهم؟ ثم لم يلح نفس الرؤساء على تحمل مسؤوليات أخرى في المؤسسات الرسمية كالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان دون احترام المنهجية الديمقراطية، أي الترشيح المتعدد؟ هذا حال اتحاد كتاب المغرب الذي كان يعتبر أعتد مؤسسة ثقافية في المغرب.

تلعب المهرجانات في المغرب أيضا دورا حيويا في رفد الساحة الثقافية. غير أن سياسة المهرجانات التي تشرف على بعضها وزارة الثقافة وبعضها الآخر تتكلف به المدن كمهرجاني الدار البيضاء والرباط الذي لم يبق منه سوى السينما، أثارت هذه السنة سجالا كبيرا بين التنظيمات الإسلامية والجهات المنظمة، إذ اعتبرتها هذه التنظيمات هدرا للمال العام، وبؤرا لتشجيع التفسخ الديني والأخلاقي. وهذه النقاشات تزداد عندما تقترب المواعيد الانتخابية. والسؤال المطروح بالفعل في هذا السياق هو نوعية هذه المهرجانات. بمعنى هل سيكون ثمة تقييم ثقافي من طرف منظمي هذه المهرجانات المهمة عندما تتوفر فيها الشروط الفنية طبقا لتأهيلها وإعادة هيكلتها؟ أم ستبقى مهرجانات للترفيه عن نخبة معينة بأموال المواطنين؟ ونخص هنا بالذكر مثلا مهرجانات الموسيقى الروحية والجاز في الرياضات بفاس والمهرجان الدولي للسينما بمراكش...

السينما عرفت هذه السنة طفرة نوعية في المغرب، إذ أصبحت المملكة المغربية تنتج عشرين شريطا في السنة. كما عرفت ميزانية الدعم التي تسهر عليها وزارة الاتصال من خلال المركز السينمائي المغربي زيادة مهمة، حيث انتقلت الميزانية من ثلاثة ملايين درهم إلى خمسة ملايين. وهذه تجربة رائدة يمتاز بها المغرب مقارنة بالدول الإفريقية والعربية. وقد تميزت هذه السنة أيضا بالسجال الذي جمع جريدة «المساء» بالسينمائيين المغاربة، حيث اتهمت هذه الجريدة بعض السينمائيين المغاربة بإخراج أفلام تروج للجنس والمخدرات، وهاجمت مهرجان السينما الوطنية الأخير بطنجة الذي عرض هذه الأفلام. غير أن النقاد السينمائيين لاحظوا سكوت نفس الجريدة عن انتقاد أسابيع الفيلم الأوروبي التي تعرض أفلاما أوروبية جريئة على مستوى المواضيع والأشكال. مما جعلهم يخلصون الى أن النقد المعني تحركه اعتبارات تتجاوز الخطاب السينمائي.

وأخيرا، في معمعان هذه الحصيلة المتذبذبة تبقى الوجوه الثقافية البارزة، هي تلك التي صنعت شهرتها بنفسها خارج الأحزاب والمؤسسات والجمعيات. لذلك فالجوائز العربية والعالمية التي يحظى بها مثقفون من عيار عبد الله العروي، محمد بنيس، عبد الفتاح كيليطو، محمد مفتاح أو محمد عابد الجابري، تبقى وساما على صدر فكر مغاير يبني نفسه بنفسه خارج الرداءة والزبونية وغياب القيم التي تحط بكلكلها على جسد الثقافة العربية المريض.