روائيون مصريون يفتحون أدراجهم لـ «الشرق الأوسط» على أعتاب العام الجديد

الرهان على الزمن هاجس يؤرقهم

TT

جمال الغيطاني يبحث عن الوقت، على أعتاب العام الجديد، فلم يبق من العمر، قدر ما مضى، بحسب رأيه، لذا فهو مشغول بهاجس انجاز ما لم ينجزه بعد. إدوارد الخراط يتابع مطاردة الأفندية منذ العام الماضي، وهو مستمر في مهمته الروائية العصية هذه، في ما يتابع ابراهيم عبد المجيد مطاردة حكايات مدينة الاسكندرية. إبراهيم اصلان سيحاول خلال العام الجديد ان يفي بوعد قطعه لقرائه مطلع التسعينات، وسيتجسد ذلك في كتاب فيه مواقف من الليل الحالك الذي يرخي بظلاله عليهم. اما الأسواني فهو يحاول الخروج من سطوة روايته الأخيرة «شيكاغو» ويدخل في أجواء حكاية جديدة يخشى الكلام عن أجوائها وأشخاصها كي لا تتبلبل أفكاره. اما سعيد الكفراوي فسيعمل جاهداً في العام الجديد، ليخرج روايته الأولى إلى النور بعد حلم أربعين سنة قضاها في كتابة القصة والحلم بالرواية. تحقيق يرينا بماذا يحلم كبار الروائيين المصريين على اعتاب عام جديد، وما الذي حققوه خلال العام المنصرم؟

تعتبر نهاية كل عام مفترق طرق يقف عنده المبدع ليفكر، ففي هذه الأوقات المفصلية يصبح استرجاع الأحلام المؤجلة أكثر حضورا. هناك من يشعر أن العمر لم يعد يملك رفاهية التأجيل، فيعيد ترتيب أوراقه لينقل ما هو مؤجل إلى موقع الصدارة. ووسط كل هذا قد يكون للأحلام العامة مكانها وربما تتراجع، كما أن هناك من يوافق على النظر للوراء ولو للحظة ليحدد ما استوقفه من أحداث. لكن هناك في المقابل من يهرب من الإجابة لأسباب عامة أو شخصية. عموما طرحنا سؤال الحلم المؤجل على عدد من المبدعين المصريين، فجاءت أحلامهم لتمزج بين الأمنيات المطلقة والمشروعات المحددة. وهناك من يواصل منهم محاولة القبض على حلم كان هو نفسه مع بداية العام لكنه لم يتحقق... إلا قليلا!

الغيطاني يحلم بامتلاك الوقت

في ظل عمله كرئيس تحرير لمجلة «أخبار الأدب» وما تفرضه عليه مقتضيات الوظيفة من متطلبات يصبح حلمه متوقعا نسبيا. هنا يكون الوقت هو الهدف والحلم، لهذا تصبح كلمات الروائي جمال الغيطاني التالية مبررة: «أخطو نحو العام الجديد وأنا أتمنى أن أنجز ما أحلم بأن اكتبه. فأنا لست من الكتاب الباحثين عن موضوع، وكل مشكلتي تتمثل في الوقت. العمل اليومي يستهلك الكثير مني ولا يبقي لي إلا ثمالة تصلح للإبداع». لكن الأمر لا يخلو من حلم اقترب من التحقق فعليا: «انتظر صدور عمل جديد فرغت منه يحمل اسم: «رن». وهي كلمة تعني الاسم في اللغة المصرية القديمة، لكن عندي مشروعات كثيرة جدا تحتاج إلى وقت لأفرغ منها وانا في سن متقدمة ولم يبق من العمر الكثير». مشروعات الغيطاني الغزيرة وانشغاله بأعباء العمل الصحافي لم يشغلاه عن الحلم الثقافي العام. وأحلامه هنا لا تقل غزارة: «أتمنى ان تتغير الاوضاع الثقافية في مصر للأفضل، وأن تكون هناك رؤية وعناية أكثر بالمبدعين الحقيقيين وأن ينتهي الفساد الثقافي، وأخيرا أن يشهد العام المقبل إنشاء وزارة للآثار، لكي تنجو الآثار المصرية مما هي فيه من اوضاع متدهورة». هل يمكن أن يتسع العام المقبل لكل هذه الأحلام؟ ربما، فالمعجزات لم تنته بعد!

في سياق كهذا يرى الغيطاني أن الأحداث الثقافية المهمة خلال العام الماضي لم تكن مصرية، وإنما جاءت من جهة الخليج، يوضح: «الاحداث كلها كان مصدرها الخليج، ومنها وقفية الشيخ محمد بن راشد التي يبلغ قدرها 10 مليارات درهم تم تخصيصها للثقافة والتعليم، ومشروع الكلمة للترجمة الذي انطلق من ابوظبي، ويكمل المشروع القومي للترجمة الذي بدأه في مصر الدكتور جابر عصفور قبل سنوات، أيضا مشروع الترجمة الذي اطلقته قطر. لكن كل ما أتمناه ان يتم التنسيق بين مشروعات الترجمة في الوطن العربي، لأن هناك ما يشير إلى أن هناك جهودا مهدورة في هذا المجال. ويكفي أن أشير إلى كتاب واحد مثلا، هو «الكون الأنيق»، تمت ترجمته أربع مرات. عموما أعتقد أن الاتجاه للثقافة في الخليج هو الذي يستحق وقفة، ويجعل كل ما ارجوه هو ان تسترد مصر عافيتها الثقافية».

الخراط لا يزال يطارد الأفندية

قبل ساعات من انقضاء عام 2006 كنا قد سألنا الأديب إدوارد الخراط عن مشروعه الأدبي الذي سيشغله في العام الجديد، فتحدث عن عمل: «يتناول عالم الأفندية، هذا العالم الذي لم يعد له وجود الآن. ويستعرض شخصيات مثل محروس افندي ونصيف افندي وأفندية آخرين. إنها متتالية قصصية تجمعها تيمة واحدة تركز على أفندية الثلاثينيات والأربعينيات». بعد عام من الانقطاع عدنا نسأله عما أنجزه فرد ضاحكا: «تصور أنها لم تكتب بعد!». السبب منطقي، وهو أن حالة الكتابة لا يمكن الإمساك بها. لكن هذا لا يعني أن العام انقضى من دون أي تقدم، يوضح الخراط: «كتبت منها جزءا او اثنين، وهي متتالية قصصية اكثر منها رواية مقسمة الى فصول. كتبت القليل لكن لا يزال هناك الكثير الذي لم يكتب، والكتابة حالة ليست بيد الكاتب لكنها بيد الله». وفقا لهذه الرؤية يصبح الحديث عن أية مشروعات يمكن أن يشهدها العام الجديد غير مجد، لكن الأمر يحتاج إلى محاولة. نطرح السؤال على الخراط فيجيب: «عندي نوع من انواع التوقع، قد تكون توقعات متفائلة أو متشائمة، لكني اعتقد ان الكاتب عندما يتحدث عن عمل يرغب في كتابته، فإن هذا يعوق الكتابة ولا يحفزها، وبالتالي لا يجب أن نتحدث عن الاحلام المؤجلة لكي لا يصبح هذا عائقا أمام انتقالها من حيز الخيال إلى النور». وهكذا يصبح مشروع الخراط الوحيد الذي يمكن أن نتحدث عنه بمزيد من الوضوح هو رحلته في عالم الأفندية الذي انقرض.

أصلان يتمرن على الابتسام ويستكمل وردية ليل

أحلام الروائي إبراهيم أصلان المؤجلة مرهونة بالحالة الصحية، لهذا يقول: «أتمنى أن تنتظم معي الحالة الصحية، بحيث استطيع استكمال مجموعة قصصية تحمل عنوان «تمارين على الابتسام»، ورواية اخرى لم اطلق عليها اسما حتى الآن». المشروعات الإبداعية التي يتمنى أصلان أن تنجز في 2008 تتجاوز الحاضر إلى وعد قديم لم يتحقق حتى الآن. يوضح: «عندما نشرت وردية ليل في بداية التسعينات وعدت في الصفحة الاخيرة بوجود كتاب ثان. الآن أرى أن العمل الذي وعدت القراء به يمكن ألا يكون رواية، لكن يظل لليل بقية وإن لم استكمل الرواية، فهناك انطباعات ومواقف من هذا الليل أعكف حاليا على كتابتها».

وعن حلمه الذي يرتبط بالحالة الثقافية العامة يقول: «في ظل الاحتقان الاجتماعي الحاصل، لا يمكن أن تكون هناك احلام ثقافية بمعزل عن حلم الانفراج الاجتماعي. احلم ان ينصلح حال الوطن ويتسق مسار الاشياء ونبدأ في الشعور بأن الوطن هو المكان الذي يصون كرامتنا وحريتنا، يسود فيه القانون وتتكافأ فيه الفرص. فالوطن ليس مجرد رقعة جغرافية وانما مجموعة معان. وهكذا لا نستطيع ان نتمنى أمنية ثقافية بمعزل عن الشأن العام». الحالة الصحية لأصلان تعود للظهور من جديد عند سؤاله عن الحدث الثقافي الذي يرى أنه يميز العام المنقضي، فهو يجيب بقوله: «انا في الحقيقة لا أتذكر لأني قضيت فترة طويلة في العلاج وما زلت، صحيح أن الأمور انتظمت الى حد ما وصرت اتابع لماماً. لكنني اخشى ان اتوقف عند حدث لا يكون الاهم او كتاب لا يكون الأفضل، لذا افضل ارجاء الاجابة لظروف صحية افضل»!

الأسواني يحاول الفكاك من أَسر «شيكاغو»

يصف الروائي علاء الأسواني حلمه بأنه شديد البساطة، فهو يتمنى أن تمضي الكتابة بسلاسة، ويوضح: «حلمي بسيط جدا لكنه مهم. فقد بدأت كتابة رواية جديدة واتمنى ان تمضي الكتابة بسلاسة. عادة أستغرق نحو عامين في الرواية، لذلك أعرف انها لن تنتهي هذا العام». حالة الكتابة قد تستعصي رغم اختمار الفكرة، وهو أمر يبرر حلم الأسواني الذي يرفض الحديث عن موضوع عمله الروائي الثالث بعد «عمارة يعقوبيان» و«شيكاغو»، لكنه يقول: «لا استطيع ان أتحدث عن الموضوع لكنه مشروع قديم بدأت في كتابته بعدما انتهيت في شيكاغو». كيف يكون قديما بالرغم من أن كتابته لم تبدأ إلا بعد شيكاغو التي صدرت قبل شهور؟ استفسار يرد عليه الأسواني موضحا: «عندي مشاريع روايات تعود أفكارها إلى عشر سنوات، نفذت منها اثنتين بالفعل. وانا اعود لمشروع الرواية كل فترة وهو بالمناسبة يشبه الماكيت، ويضم الشخصيات والجو الروائي، وقد أضيف إليه أو أحذف منه في كل مرة أعود إليه فيها، حتى يأتي أوان كتابته. أنا الآن أحاول الخروج من جو شيكاغو لأن أي رواية كبيرة تشحن كاتبها مما يجعله يحتاج إلى وقت للخروج منها. لهذا أتمنى أن يتحقق ذلك في العام الجديد، وتأتي عملية الكتابة سلسة».

وبسؤاله عن أهم أحداث العام الماضي أجاب: «على مستوى السياسة هناك الكثير، لكن على مستوى الثقافة لم يستوقفني أي حدث أستطيع أن اقول انه الأهم».

إبراهيم عبد المجيد

يواصل الغرق في الإسكندرية

في العام الماضي كان الحلم المؤجل للروائي إبراهيم عبد المجيد هو أن ينجز رواية عن الإسكندرية بعد نكسة 1967. وقتها قال عن الرواية التي لم يكن قد كتب منها إلا فصلا واحدا: «انها تعتبر امتدادا لروايتيَّ: «لا أحد ينام في الإسكندرية» و«طيور العنبر». فقد تناولت الأولى مدينة الإسكندرية أثناء الحرب العالمية الثانية، بينما ركزت الثانية على المدينة أثناء حرب السويس. أما الرواية الجديدة فترصد اسكندرية ما بعد حرب 1967؛ عندما بدأت المدينة تفقد طابعها الكوزموبوليتي وتنتقل إلى المحلية. أصبحت الاسكندرية أكثر خضوعا لسيطرة الأفكار السلفية، وقد كتبت فصلا تبدأ أحداثه عام 1969، وسأبدأ خلال الفترة المقبلة في جمع مادة اكثر عن الأماكن والمعلومات المرتبطة بها، لأستعين بها في الكتابة». عندما سألناه عن حلم هذا العام أجاب: «أن أكتب رواية»، ذكرناه بحلم العام الماضي فابتسم قائلا: «لم يتحقق بعد». بسؤاله عن الأسباب اتضح أن الحلم ليس مجهضا كما أوحت إجابته الأولى فهو قيد التنفيذ: «تحتاج الرواية إلى مجهود وقد كتبت منها جزءا بالفعل، لكنني في حاجة للرجوع إلى وثائق هذه الفترة. وأنا عادة أستغرق وقتا لكتابة أعمالي. رواية «لا أحد ينام في الإسكندرية» مثلا استغرقت نحو ست سنوات. وأعتقد أن هذه الرواية أيضا تحتاج إلى وقت». ما هو نصيب العام المقبل تحديدا في تحقيق الحلم؟ سؤال يجيب عنه قائلا:

«أعرف أن العام المقبل لن يشهد نهاية لروايتي التي أكتبها، لكن على الأقل سأنتهي من ثلاثة أرباعها حسبما اتمنى». أما عن أهم أحداث العام الماضي فيمزج إبراهيم عبد المجيد بين اختياره لأحدها وحلمه العام: «تلك الممارسات الفكرية الغريبة التي تقود مصر إلى أعتاب فتنة طائفية، أتمنى أن نتجاوزها لأننا إذا لم نفعل سنكون على حافة كارثة حقيقية».

الكفراوي يتمنى تحقيق حلم عمره 40 سنة

حلم الأديب سعيد الكفراوي مؤجل منذ سنوات طويلة. وربما يكون العام الجديد هو الذي يشهد انضمام لقب الروائي إلى القاص. يقول الكفراوي: «حلم اي كاتب هو أن يرضي طموحه في الابداع. وانا احاول منذ زمن طويل أن انجز رواية اولى». يحاول الهروب إلى حلم أكثر رحابة، فيواصل: «أحلم بأن تستعيد الثقافة المصرية عافيتها وتخرج من اسر النمطية وتقوم بعمل علاقة حقيقية مع المتلقي، وأن يلقى الإبداع الحقيقي اهتماماً أكبر من المؤسسة الثقافية». الأحلام العامة يمكن أن تتكرر كل عام من دون أي تغيير ولو على مستوى المفردات المستخدمة، لهذا نعود إلى حلم الكفراوي الشخصي، لكنه بدوره ليس جديدا. فالرواية الحلم عاشت فترة مخاض طويلة جدا: «الرواية حلم مؤجل من أربعين سنة بالرغم من اني أعيشها وكتبت بالفعل اجزاء منها، قرأها إدوار الخراط ومحمد عفيفي مطر، الا ان الاولوية دائما كانت للقصة القصيرة. وأعتقد الآن أنه يجب الخروج من اسر وسيطرة النص القصصي بعد ثلاث عشرة مجموعة قصصية». لكن ما أسباب هذا التأخر؟ سؤال يجيب عنه سعيد الكفراوي قائلا: «كنت منذ البداية اود ان اكتب رواية بمذاق خاص. لكن المفروض الآن ان اكتب لا أن اكتفي بالأمنيات. بدأت كتابتها قبل عشر سنوات، وأنا الآن في حاجة إلى قرار وإرادة. فانا انتمي لجيل يعيش ربع الساعة الاخيرة من حياته. وانا واحد من الناس الذين لا ينشغلون بشيء إلا القراءة والكتابة. ومشكلتي أنني يمكن أن أضحي بحالة كتابة حقيقية لأقرأ كتابا جيدا. لكني اتمنى ان تنعكس الصورة هذا العام، واحب الكتابة اكثر من القراءة. هنا فقط يمكن لمشروعي أن يتحقق».

1