الرقابة هي أفضل معلن عن كتاب جميل ممنوع

ماركيز يعيد سرد «الجميلات النائمات» فيستيقظن في إيران

TT

بعد ثلاثة اسابيع من نشر الطبعة الأولى من كتاب غابرييل غارسيا ماركيز الأخير، الموسوم (ذكريات عاهراتي الحزينات) الذي بيع في ايران، تم حظر الكتاب ومنع تداوله. ورفضت وزارة الثقافة السماح بتوزيع طبعة جديدة من الترجمة الفارسية للكتاب. وقال وزير الارشاد الاسلامي: إن «النشر الأول للعنوان كان خطأ بيروقراطيا، وان الشخص الذي اجاز نشر الكتاب في الأصل قد طرد من وظيفته». واشتملت الطبعة الأولى التي نشرت تحت العنوان الأصلي للكتاب على حوالي 5500 نسخة.

وكان كتاب ماركيز، الذي يروي قصة رجل في التسعين من عمره دون ذكر لاسمه، والذي يصبح مولعا بفتاة في الرابعة عشرة من عمرها في بيت للدعارة، كان في الأصل قد نشر بالإسبانية عام 2004. وظهرت الترجمة الانجليزية في اكتوبر 2005. ونشرت الترجمة الفارسية لهذا الكتاب اول مرة في الولايات المتحدة عام 2005. وبعد عامين طبع الكتاب في طهران في نوفمبر 2007. وعندما نفدت الطبعة الأولى جرى حظر الكتاب.

ولم يفعل الحظر سوى اثارة اهتمام اكبر بالرواية. فقد بيعت نسخ من الكتاب بما يزيد على ضعف سعرها. ويمكن لأي شخص ان يجد الكتاب في السوق السوداء. وأمام جامعة طهران، يمكنك ان تجد وتشتري أي كتاب. عليك أن تدفع ضعفا او ثلاثة امثال السعر حتى تحصل على ما تريد. ولكن سعر الكتاب في ايران رخيص جدا وسعر كتاب ماركيز يبلغ 1500 ريال، وهو ما يقل عن جنيه استرليني واحد. وفي السوق السوداء يمكنك شراء الكتاب بسعر جنيهين او ثلاثة جنيهات استرلينية. وهذه قاعدة ذهبية، حيث إنه عندما تحظر الحكومة كتابا فلا بد ان يكون هناك شيء مثير للاهتمام فيه.

وقالت وزارة الثقافة، التي يتولى مسؤولون فيها المراقبة وتدقيق محتويات الكتب قبل نشرها: إن «خطأ بيروقراطيا» أدى بالحكومة الى اعطاء رخصة لنشر الرواية وفقا لما اوردته صحيفة «اعتماد» اليومية أخيرا.

وألقى وزير الثقافة محمد حسين صفر هاراندي باللوم على «جهل» موظفيه، وقال إن الموظف الذي أجاز طباعة الكتاب قد طرد من وظيفته، وفقا لما أوردته وكالة أنباء «فارس» شبه الرسمية. وقال: إن «اجراءات ضرورية اتخذت لتجنب حدوث مثل هذا الأمر ثانية».

وأكد مسؤولون في دار نيلوفار للنشر، التي نشرت الطبعة الأولى، ان الدار منعت من نشر الطبعة الثانية. وقال موظف في نيلوفار للنشر، طلب عدم ذكر اسمه، ان الطبعة الأولى قد نفدت لكنهم تلقوا تعليمات بعدم نشر الطبعة الثانية.

وغابرييل غارسيا ماركيز، الحائز على جائزة نوبل للآدب عام 1982، معروف في إيران، حيث ترجم ونشر العديد من كتبه، بما في ذلك «مائة عام من العزلة» و«الحب في زمن الكوليرا».

أود تقييم هذه الرواية كموضوع صالح للمعاينة في. ما هو الادعاء الرئيسي ضد الكتاب؟

من الواضح ان كتاب ماركيز ليس كتابا دينيا، كما انه ليس كتابا سياسيا، بل رواية كتبت على أساس رواية ياسانوري كاواباتا الشهيرة. قرأت العام الماضي الترجمة العربية لرواية كاواباتا. كتب ماركيز مقدمة لهذه الرواية، وتمنى ان يكون قد كتب مثل هذا العمل الروائي. عنوان رواية كواباتا هو House Of The Sleeping Beauties (ترجمت الى العربية بعنوان الجميلات النائمات)، وعنوان رواية ماركيز Memoria De Mis putas tristes . وهي سرد جديد لرواية كاواباتا. تحتوي رواية ماركيز على خمسة فصول، كما هو الحال بالنسبة لرواية كاواباتا، وحجم كل منهما حوالي 30000 كلمة.

قبل ماركيز، كتب الروائي الياباني المعروف هاروكي هوراكامي روايته الأخيرة After Dark التي تضمنت تركيزا على رواية كواباتا.

في الصفحة الأولى لرواية ماركيز Memoria De Mis putas Tristes (ذكريات عاهراتي الحزينات) اقتباس من رواية كاواباتا: «لم يكن يفعل أي شيء غير مناسب، حذرت المرأة صاحبة النزل ايغوشي العجوز. لم يكن مسموحا له بأن يضع أصابعه في فم البنت النائمة أو ان يفعل أي شيء آخر من هذا النوع».

كتب ماركيز روايته على هذا الأساس. في رواية كاواباتا رجل كبير السن يدعى ايغوشي عمره 67 عاما. في رواية ماركيز هناك رجل كبير السن عمره 90 عاما لم يكشف عن اسمه، وكان يريد ان يمنح نفسه هدية حب جامح مع مراهقة عذراء.

والرواية هي تعارض حقيقي وصراع ما بين النزوة والحب، الموت والحياة، الشيخوخة والشباب، الحزن والفرح. بصيغة أخرى، للرواية من حيث الشكل والروح مثل صدفة في داخلها تختفي لؤلؤة. هناك زاويتان للرؤية: إما النظر إلى الصدفة وأما التركيز على اللؤلؤة. وهذه هي طبيعة الرقيب الذي ينظر إلى مظاهر الكلمات مثلما قال الرومي: «قدح ضوء العين ممزوج بالشحم، وضوء القلب مخفي في قطرات الدم»!

في هذه المرة نحن امام رقابة غير موثوق بها. فحتى في أيام شاه ايران كانت الرقابة أقل مما هي عليه هذه الأيام. إنه لأمر مثير للاستغراب أن يرسم ماركيز صورة فريدة عن الرقابة في هذه الرواية:

«على الرغم من وجوده خارج ساعاته النظامية، فإن المسؤول الرقيب دون جيرونيمو اورتيغا، الذي ندعوه «المجهول البشع» لأنه يصل، وفي حوزته قلم دموي، بالضبط عند الساعة التاسعة مساء، يبقى مداوما حتى يكون متأكدا من أن ليس هناك أي حرف في طبعة الصباح يمر من دون عقاب».

قارن دم الكلمة في الرواية مع فكرة الرومي! بدل مترجم الرواية عنوان الكتاب، وألغى كذلك بعض الفقرات التي تتحدث عن علاقة الراوي بامادينا وروزا كابركاس وديلاغدينا.

لكن هذا لم يكن سوى ظهور اكبر وأوضح للرقابة، فالنسخة الفارسية للرواية متوفرة للجميع! وهذا يعني أن الرقيب قد وافق على نشرها. أحيانا تتصرف الحكومة مثل طائر الحجل الذي يغطي رأسه في الثلج لتجنب مشاهدة ما يجري حوله، ويعتقد أنه لا يرى شيئا.