توثيق بالصوت لأهم مفاصل تاريخ السودان

السوداني الثالث في إذاعة القاهرة علي شمو يروي تجربته الإعلامية

TT

صدر أخيراً في الخرطوم كتاب «تجربتي مع الإذاعة» للبروفسور علي محمد شمو، وقامت بطباعته جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا على نفقتها الخاصة، بمطبعة الجامعة، حيث يشكل ذلك شكلا اوليا من أشكال التكريم الذي تنوي الجامعة

إقامته لقامة سامقة من قامات السودان. وسوف يجري ذلك بحضور عدد من الأدباء والإعلاميين من داخل البلاد ومن مصر ممن عمل معهم علي شمو، عندما

كان مذيعاً في إذاعة ركن السودان بالقاهرة.

درجت جامعة العلوم الطبية والتكنولوجية على تكريم الرموز الذين اسهموا في الحياة العامة وبذلوا من الجهد والعطاء ما انتفع به أبناء السودان عامة والوطن العربي وكان من أبرزهم البروفيسور محمد طلبة عويضة، الذي عمل في جامعة القاهرة فرع الخرطوم.

في كلمته التي تصدّرت كتاب علي شمو، قال الكتاب البروفيسور مأمون حميدة، رئيس جامعة العلوم الطبية والتكنولوجية: «البروفيسور علي شمو هو رائد النهضة الإعلامية في السودان؛ وقد كان صوتاً يبشر الناس بالاستقلال في الفاتح من يناير1956، عبر الإذاعة السودانية، ثم سار في درب الاعلام الحديث، وطّور مقدراته العلمية والإعلامية، وقدم عطاءً غير مسبوق في الوظائف العديدة التي تشرفت به؛ وأينما كان كان فكره وجهده متميزاً؛ نال درجة الأستاذية بحق في الإعلام، كأول سوداني ينال هذا المنصب الرفيع، ليستمر استاذا ومعّلما لهذا العلم المتطور؛ جامعة العلوم الطبية والتكنولوجية من منطلق واجبها تكرم البروفيسور علي شمو، اعترافاً بفضله وما قدمه للأجيال في النهوض بالإعلام ممارسة وعلماً».

يقع الكتاب في 383 صفحة من القطع المتوسط، وقد زوده المؤلف بخمس صور في مؤخرة الكتاب «تمثل فترات مختلفة من حياته المهنية ـ أولها صورة للمؤلف عام 1955 أثناء إذاعته لنشرة الأخبار، والثانية وهو يذيع حفل تسليم قيادة الجيش السوداني من الجنرال سكونز الى الفريق أحمد محمد 1955، والثالثة للمؤلف وهو يتوسط الزعيم السوفياتي نيكيتا خروشوف والفريق إبراهيم عبود 1960، والرابعة في ميونخ بالمانيا مع البروفيسور بروخ، مخترع نظام التلفزيون الملون بالـ 1970، أما الخامسة فهي للمؤلف وهو يصافح الشيخ زايد آل نهيان أثناء عمله بالامارات العربية المتحدة 1973».

والكتاب جدير بالاحتفاء والتوثيق، إذ إنه يوثق لمراحل سياسية وثقافية مختلفه ومهمة في وادي النيل، من خلال سرد ممتع لتجربة المؤلف الشخصية مع جهاز إعلامي خطير، كان تأثيره كبيراً جداً في تلك الآونة قبل ظهور التلفزيون. وقد تعرض المؤلف لثورة 1952 في مصر، والتطورات التي قادت ودفعت إلى استقلال السودان بدلاً عن الاستفتاء على تقرير المصير وإعلان الوحدة مع مصر. وأورد المؤلف أن من بين الأسباب التي أضعفت خيار الوحدة مع مصر، كان إبعاد اللواء محمد نجيب عن الرئاسة، والمعاملة القاسية التي عومل بها، وهو الذي كان يحظى بحب المصريين والسودانيين؛ وهناك سبب آخر هو موقف ثورة يوليو (تموز) بقيادة عبد الناصر من الإخوان المسلمين في تلك الفترة.

تم تعيين الأستاذ علي شمو مذيعاً في إذاعة ركن السودان بالقاهرة في 20 يونيو (حزيران) عام 1954، وأبلي بها بلاءً حسناً، وعمل فيها حتى يناير (كانون الثاني) 1955. وكان شمو ثالث سوادني يتم استيعابه في إذاعة القاهرة ـ ركن السودان. فقد سبقه الى ذلك، محمد عثمان العوض، وتلاه الأديب والشاعر المرموق حسن عباس صبحي. وفي يناير 1955، كان توفيق بكري مديراً لإذاعة ركن السودان، يعاونه في الإدارة مصري هو محمد المعتصم سيد، وسوداني هو منصور أحمد الشيخ، الذي اصبح أعظم مصرفي سوداني، وكان مديراً لبنك الادخار لسنوات حتى تمت إحالته للصالح العام بعد انقلاب 30 يونيو 1989، وهو أحد أعمدة الأسرة السودانية الكريمة والتي ضمت شقيقه الشفيع أحمد الشيخ، والبروفيسور الهادي أحمد الشيخ، أخصائي العيون المعروف. وكذلك توثقت عرى الصداقة بين شمو وكبار المذيعين المصريين بإذاعة القاهرة، مثل جلال معوض واحمد سعيد في إذاعة صوت العرب.

كانت بداية المرحلة الثانية في حياة المؤلف المهنية، انضمامه للإذاعة السودانية في الثاني من فبراير (شباط) 1955، و«عاصر أثناء عمله العديد من الإذاعيين المتميزين، منهم أبو عاقلة يوسف، ومحمد صالح فهمي، وصلاح أحمد محمد صالح، وعبد الرحمن زياد، وياسين معني، وحلمي إبراهيم وغيرهم». وكان مراقب الاذاعة (المدير) في ذلك الوقت محمود الفكي، ونائب المراقب العام عبد الرحمن الخانجي.

من اللحظات التاريخية التي يعتز بها المؤلف، إذاعته لحفل تسليم قيادة الجيش من الجنرال اسكونز للفريق أحمد محمد 1955، واشتراكه مع المذيع أبو عاقلة يوسف في نقل حفل استقلال السودان في الأول من يناير 1956.

بدأ المؤلف مرحلة جديدة في حياته العملية، حينما أصبح مراقباً للتلفزيون (مديراً) عند بدايته 1962 وحتى عام 1970. وكان السودان في مقدمة الدول العربية والأفريقية التي قدمت خدمات تلفزيونية منتظمة في ذلك الوقت المبكر. وشهد التلفزيون في تلك الفترة، تطوراً كبيراً، حيث نقل مباريات الملاكمة «التي يشارك فيها الملاكم (الاميركي) المسلم محمد علي كلاي» وكذلك نقل مباريات كأس العالم. ولعل من أبرز الأحداث التي قام التلفزيون بتغطيتها قمة اللاءات الثلاثة بالخرطوم 1967؛ الزيارة الشهيرة التي قامت بها الفنانة ام كلثوم للسودان دعماً للمجهود الحربي في مصر، وتلك المقابلة التلفزيونية الشهيرة التي حاورها فيها المؤلف.

تعرض المؤلف في كتابه للبعثات الأكاديمية والمهنية التي قام بها الى المانيا والولايات المتحدة، والتي حصل فيها علي درجة الماجستير في علوم الاتصال في جامعة أنديانا في صيف 1964.

في عام 1971، بدأ تعاونه مع نظام مايو كوكيل لوزارة الثقافة والإعلام، فوزيراً للوزارة نفسها، واستمر هذا التعاون حتى سقوط النظام في ابريل (نيسان) 1985.

وقد تخللت هذه المدة، فترة إنتدابه للعمل في دولة الامارات العربية المتحدة، التي بدأ العمل فيها كمستشار للوزارة في مارس (آذار) 1973، ثم وكيلاً لوزارة الإعلام والثقافة.

ومما يُحمد لعلي شمو، أنه بذل الجهد والمال في التعليم الذاتي حتى ألم بكل العلوم والتقنيات الحديثة، التي جاءت بها الثورة التكنولوجية، بل واستوعبها ونشر فيها كتاباً قيماً. وكذلك عمله أستاذاً للإعلام والاتصالات في العديد من الجامعات السودانية، الى أن استقر به المقام أخيراً، في جامعة السودان المفتوحة. اضافة لذلك، فهو رئيس المجلس القومي للصحافة والمطبوعات، وهو مجلس بصلاحيات واسعة يشرف إشرافاً كاملاً على كل الصحف، وله حق منح التراخيص للصحف وسحبها.

ومما يؤخذ على الكاتب، أنه ابتعد كلياً عن جهازي الإذاعة والتلفزيون، وكان من المفيد جداً تواصله مع المستمعين والمشاهدين عبر برنامج اسبوعي، ومثل هذا البرنامج كان يمكن ان يمثل تدريباً عملياً لصغار المذيعين، بالإضافة لفائدته في خدمة الإعلاميين عامة.

*أكاديمي وكاتب سوداني