«الأدب الرقمي» يطالب بحقوقه المهدورة!

جامعات بدأت تدريسه والبعض يبشر بابتلاعه «الأدب الورقي»

TT

ثمة أسئلة كثيرة تثار الآن حول مستقبل «الأدب الورقي» أو «المطبوع»، في ظل ولادة نماذج أدبية جديدة ذات طابع رقمي بدءا من «الرواية التفاعلية»، ومرورا بـ «الرواية الرقمية»، و«رواية النص المترابط»، وانتهاء الى «رواية الواقعية الرقمية». فأي نوع من الأدب هذا الذي يطلع علينا من الشاشات، وهل هو مؤهل لأن يرث الأدب الورقي، على المدى المنظور؟ وهل بتنا أمام مفاهيم أخرى للأدب تحتاج لنقاد من نوع مختلف؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه، فقاعات وموضات، تموت كما ولدت ضعيفة، هزيلة، لا تصلح للبقاء؟ الآراء متناقضة جداً، والمرجح أن لكل عصر ظواهره، وفنونه، ومتطلباته، وقد نكون دخلنا عصراً جديداً، بدأت ملامحه تتكشف، من دون ان نلحظها بوضوح!!

منذ أن أصدر ميشيل جويس أول «رواية تفا علية» في العالم بعنوان «الظهيرة، قصة» أو Afternoon, a story عام 1986، مستخدمًا برنامجا خاصا بكتابة النص المتفرع، توالت بعد ذلك الروايات التفاعلية في الأدب الغربي. وظهر ذلك جليا في تجارب مثل تجربة، بوبي رابيد في «الرواية التفاعلية» وروبيرت كاندل في «الشعر التفاعلي». واستمر الأدب الرقمي بالتطور، مستثمرا كل ما يستجد على الساحة التكنولوجية، لنشهد بالعربية ولادة «أدب الواقعية الرقمية» على يد الروائي والناقد الأردني محمد سناجلة من خلال روايته «ظلال الواحد» التي تبعتها عدة تجارب روائية، إضافة إلى كتاب تنظيري في «الواقعية الرقمية».

غير أن تلك التجارب الرقمية الجديدة بالعربية، قوبلت برفض شديد من قبل المتمسكين بالتقليد الورقي، حيث اتهم هؤلاء دعاة الأدب الرقمي بتقويض أركان قرون طويلة من الكتابة الورقية، وإنتاج أدب بلا مشاعر إنسانية. بل ذهب بعضهم إلى وصف الأدب الرقمي بالخرافة، وبأنه «زوبعة في فنجان» لا تلبث أن تزول لصالح الأدب الورقي الأصيل. في المقابل توقع الرقميون زوال الأدب الورقي ونسخه المطبوعة، لصالح الأدب الرقمي ابن الثورة التقنية المتسارعة التي تجتاح العالم.

إشكالية وجود أدب رقمي:

يقول الناقد د. سعيد الوكيل في مقال له نشر في صحيفة «أخبار الأدب» بعنوان «خرافة اسمها الواقعية الإلكترونية»: «النوايا الطيبة لا تكفي لأن تصنع نوعا أدبيا جديدا! أقول هذا ليكون تعقيبا مبدئيا - لا يخلو من مرارة - على ما دأبت عليه الصحافة العربية (المطبوعة والإلكترونية) - في الفترة الأخيرة، من مطالعتنا بالتبشير بميلاد أدب عربي جديد وبداية عصر الواقعية الإلكترونية، وبأن بعض أدبائنا اخترع في إبداعه الأدبي تقنية رواية الواقعية الرقمية، بل وصل الأمر إلى حد الإعلان عن الحاجة إلى مدرسة نقدية توائم بين أبجديات النقد التقليدي، وتقنيات الكتابة الرقمية بأدواتها الحديثة، والتي تشكل الكلمة أحد عناصرها فحسب، وهذه كلها لعَمْري أضغاث أحلام».

فيما يقول الأديب حسين سليمان في مقال له بصحيفة «القدس العربي» عن تجربة الواقعية الرقمية تحت عنوان «محمد سناجلة والكتابة الرقمية وتغييب مفهوم الأدب»: «لقد غمرني إحساس حين قرأت عن التجربة منذ حوالي سنتين مرفودا مع احد المقاطع من الرواية الرقمية التي كتبها الكاتب، أن هناك قصورا في إدراك ماهية الأدب باعتباره يقوم على الكلمة المكتوبة فقط، إن كانت على الشاشة أم على الورق. فالكلمة المقروءة وفي أضعف حالاتها (المسموعة منها) هي ما يقوم عليها الأدب. الأدب ابن الميثولوجيا ـ السحر الذي قام بالأصل على الكلمة، وليس علي الكلمة والصورة، كما في كتب الأطفال التي تساعد على فهم الكلمة عن طريق استخدام الصورة».

ويشير سليمان إلى الإجحاف الكبير الذي تلقاه الأعمال الروائية حين تتحول إلى أفلام سينمائية، مشيرا إلى أن الكمبيوتر والإنترنت ليسا سوى أدوات ووسائل للكتابة فقط، كما أن السينما وصناعة (الانميشن) سابقة لصناعة الكومبيوتر وبالتالي فإن «التسمية التي يطلقها سناجلة على عمله هي تسمية غير دقيقة، ليست رقمية ـ ليست ديجتال، كل ما يفعله هو استخدام آلة الديجتال. وكان من الممكن استخدام استوديوهات الانالوج القديمة التي كانت تعتمد عليها السينما في ثلاثينات القرن المنصرم. ان الفكرة الأساسية هي ادماج الصورة والصوت والحركة مع الكلمة».

ويضيف: «ان قبلنا بهذه الأفكار كلها، فسوف يتم اذن التفكير في فتح كليات ومعاهد تدرس الآداب وهندسة البرمجة والسينما، وتضع الجميع في سلة واحدة، هي كلية الآداب الرقمية. الفكرة كلها على ما يبدو جديدة ومفاجئة، فلماذا لا يتم البحث عن طريقة للحصول على براءة اختراع. تـُحمل الفكرة ويُذهب بها إلى الغرب، لنزع براءة اختراع قبل أن يفطن اليها الغرب؟!».

من جانبه يشير الروائي والناقد محمد سناجلة إلى وجود نية مسبقة لدى بعض الأدباء والنقاد للنيل من الأدب الرقمي، وبشكل خاص مصطلح «رواية الواقعية الرقمية»، وما يندرج تحته من كتابة. مشيرا إلى أنه تعرض منذ صدور روايته الرقمية الأولى «ظلال الواحد»، لهجوم شديد من قبل عدد كبير من الأدباء والنقاد الذين أصدروا أحكاما مسبقة، من دون أن يكلفوا أنفسهم قراءة نتاجه.

ويؤكد سناجلة أن العصر الرقمي الجديد أحدث ثورة كاملة في المفاهيم والسلوكيات، مشيرا إلى أنه في ظل وجود «مجتمع جديد وإنسان جديد وأخلاق جديدة وطرق تواصل جديدة كل الجدة، لا بد من وجود أساليب كتابية وإبداعية مختلفة لتعبر عن هذا المجتمع وإنسانه. ومن هنا جاء أدب الواقعية الرقمية».

ويشير سناجلة إلى قيام العديد من الجامعات الغربية الآن بتدريس الكتابة الإبداعية الرقمية، فضلا عن وجود برامج تقوم عليها كبريات الجامعات الأميركية مثل «جامعة ييل»، التي أنتجت برامج متخصصة بالكتابة الإبداعية للكتاب الرقميين. ويرفض سناجلة اتهام البعض له بإنتاج أدب بلا مشاعر إنسانية، مشيرا إلى أن رواية «ظلال الواحد» هي رواية حب مكسور. بل ان الرواية كلها تدور تحت سماء غرفة افتراضية اسمها «مملكة العشاق: وطن الحب والحرية، وكذلك الحال مع عمله «صقيع». «أنا لم اكتب إلا عن الحب وللحب، فكيف تغدو كتابتي بلا مشاعر أو أحاسيس؟؟».

تؤكد الناقدة زهور كرام أن «الانخراط في الأدب الرقمي هو مطلب حضاري بامتياز، وليس نزوة أو موضة. والمسألة محسومة معرفيا وثقافيا وأنثروبولوجيا». وتضيف: «الشعوب ندرك معنى وجودها وكينونتها من حكيها. وكلما اختلفت وسائل التعبير، وجد الإنسان أشكالا كثيرة لترميز حياته وتصوراته وإدراكاته. ويكفي أن نشير في عجالة إلى بعض مظاهر الاستعمار الذي يركز على ضرب الوجدان من خلال ضرب متخيل الشعوب. كل مرحلة تاريخية يحق لأفرادها أن يعبروا بواسطة الإمكانات والأدوات المتاحة. لأن تلك الإمكانات ليست مجرد وسائط، وإنما تعبر عن تفكير مرحلة».

غير أن كرام تؤكد وجود إشكالية في تجربة النص الرقمي، تتمثل في عدم وجود نصوص كثيرة تسمح بولادة تفكير نقدي مفتوح على تجارب النصوص، مبدية خشيتها من أن يسبق التنظير الإنتاج الرقمي. وهي «مسألة قد تجعلنا ندخل فيما يمكن أن اسميه بافتعال نص رقمي. وهذا يحتم على كل المبدعين العرب الذين لديهم علاقة مع التكنولوجية الانخراط في هذا الوسيط التكنولوجي والإبداع من خلاله».

سمات الأدب الرقمي:

يميّز الناقد محمد أسليم بين «الأدب الرقمي» و«الرواية الواقعية»، مشيرا إلى أن الأول هو «نوع من الإبداع يوظف الحاسوب في كتابة النصوص وإمداد المؤلف ببرامج تُثمر نصوصا يتوارى فيها الوضع الاعتباري للمؤلف على نحو ما هو متعارف عليه، وتختفي فيها الحدود التقليدية بين القراءة والكتابة». في حين أن المصطلح الثاني هو من إنتاج الروائي محمد سناجلة، وهو جزء من مصطلح الأدب الرقمي الأشمل.

ويضيف: «تجربة سناجلة تبقى رائدة في العالم العربي بالنظر إلى أنه أصدر ثلاثة أعمال لحد الآن، وله رابع قيد الإنجاز.... وكلها نصوص يتداخل فيها السردي بالشعري، ما يعني أنه شق طريقه في الأدب الرقمي، بخلاف أسماء عربية أخرى، تراوح تعاملها مع هذا النوع من الكتابة بين التجريب الذي أفضى إلى إنتاج عمل واحد لا غير على نحو ما نجد عند أحمد خالد توفيق، صاحب قصة «ربع مخيفة»، ومحمد اشويكة صاحب نص «احتمالات»، والعراقي مشتاق معن صاحب قصيدة «تباريح رقمية لسيرة بعضها أزرق»، ومنعم الأزرق الذي لم تتحرر قصائدة الرقمية من المنتديات بعد».

ويعرف سناجلة «الواقعية الرقمية» بأنها «تلك الكتابة التي تستخدم الأشكال الجديدة (اللغة الجديدة) التي أنتجها العصر الرقمي، وبالذات تقنية النص المترابط (الهايبرتكست)، ومؤثرات المالتي ميديا المختلفة من صورة وصوت وحركة وفن الجرافيك والأنيميشنز المختلفة، وتدخلها ضمن بنية الفعل الكتابي الابداعي. وهي أيضا تلك الكتابة التي تعبر عن التحولات التي ترافق الإنسان بانتقاله من كينونته الأولى كإنسان واقعي إلى كينونته الجديدة كإنسان رقمي افتراضي».

من جانبها تعترض الناقدة عبير سلامة على مصطلح (رواية الواقعية الرقمية) الذي يطلقه سناجلة على نتاجه الجديد، مشيرة إلى أن مصطلحات مثل «الواقعية» و«الرومانسية»، هي «تصنيفات تقليدية (ما قبل رقمية) لها فلسفتها وتقنياتها، المختلفة تماما عن فلسفة «الرقمية» وتقنياتها. والجمع بين الاثنين في سياق واحد، خلل واضح قد يفسره جدة الاصطلاح وحيرة الأدباء والنقاد معا في تحديد مفهومه وضبط نشاطه».

وتضيف: «الرواية اليوم إما أن تكون ورقية وإما أن تكون رقمية، والرواية الرقمية مظلة عريضة تنضوي تحتها أشكال متنوعة، منها: الخطية، التشعبية، متعددة الوسائط، والتفاعلية». وتشير سلامة إلى الرواية التفاعلية كأحد أهم فروع الرواية الرقمية، كونها تقيم علاقة حوارية ناضجة ومتكافئة بين الكاتب والقارئ، إضافة إلى تقويضها «المنطق السري للتناص وإعادة التشكيل، نتيجة اختراقها سيطرة الكاتب على منظور النص، مغزاه، إيقاعه، والأنماط التي يعتمد عليها للتمثيل، شبكة الوصلات التشعبية واحتمالاتها غير المقررة سلفا من الكاتب، تعني اختيارات بلا حصر تسمح للقارئ بأقصى درجة من حرية الحركة، استكشاف الفضاء النصي وترك آثاره عليه، ليصبح كاتبا مشاركا منتجا للنص لا مجرد مستهلك سلبي».

هل سنشهد ولادة أجناس أدبية جديدة؟

يؤكد الروائي محمد سناجلة أن العصر الرقمي سيؤدي إلى موت الأجناس الأدبية التي كنا نعرفها سابقا، مشيرا إلى أن «هذا العصر سينتج أدبا جديدا (مزيج بين القصة والشعر والمسرح والسينما) قادرا على هضم كل ما سبق ومزجه مع ما توفره الثورة الرقمية من إمكانيات كبيرة لخلق جنس إبداعي جديد، قادر حقا على حمل معنى العصر الرقمي بمجتمعه الجديد وإنسانه المختلف».

ويقول الناقد محمد أسليم: «إن الأدب بانتقاله من الورق إلى الرقم لم يعد هو الأدب، وعسر عليه أن يظل كما كان. في هذا الصدد، لا يمكن للنقد أن يقدم سوى فرضيات لتحديد زاوية للتعامل مع الوضع الجديد. من هذه الفرضيات:

- اعتبار الكتابة الرقمية تميل لقطيعة مع الأدب السابق الذي يُنتظر أن يدخل إلى المتحف. في انتظار ذلك، لا مجال لإقحام قواعد الأدب الورقي ونقده، في الشأن الرقمي.

- النظر إلى الكتابة الجديدة باعتبارها بداية حلقة جديدة في تاريخ الأدب الطويل متصلة بالماضي، ومن ثمة إمكانية النظر إلى الأدب، بوصفه كلا لا يتجزأ متألفا من مراحل ثلاث: شفهية (الأدب الشفهي)، كتابية (أدب عصر الكوديكس)، ثم رقمية (الأدب الرقمي)».

سمات الكاتب والناقد الرقمي:

يشير الروائي محمد سناجلة إلى أن الكلمات في العصر الرقمي لم تعد لغة الكتابة وحدها بل غدت الكلمة جزءا من كل. لذلك فهو يؤكد أن

الكاتب في العصر الرقمي عليه أن يكون «ملما بلغات البرمجة المختلفة وتعلم برامج متعددة ليس اقلها الفوتو شوب والفلاش والباور دايركتور وعلم الجرافيكس... الخ. وأقول ملما على الأقل، وليس بالضرورة مبرمجا وعالما محترفا. الإلمام في المرحلة الحالية يكفي لكن في المستقبل أرى أن يكون كلي المعرفة بوسائل ولغة العصر ومتابعا لكل جديد في هذا الإطار».

ويؤكد سناجلة أن الناقد الرقمي يجب ألا يقل أهمية عن الكاتب الرقمي، من حيث إلمامه بأدوات العصر الجديدة، إضافة إلى وجوب إلمامه بالمدارس النقدية التقليدية السابقة، داعيا إلى ضرورة وجود مدرسة نقدية جديدة، تأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الكبيرة التي أحدثها العصر الرقمي على الفعل الإبداعي والكتابي عموما.

فيما تشير الناقدة عبير سلامة إلى «الموت المجازي للمؤلف، لأسباب كثيرة منها: ضعف الموهبة، نمطية الإبداع والتكاسل عن تطويره، خشية التجريب، ضغط الظروف المادية أو النفسية، الغرور، السعي المبتذل للشهرة أو الثراء»، لكنها تؤكد في المقابل على أننا سنشهد في السنوات القليلة المقبلة «بعثا لمؤلفين عظماء أثرى إبداعهم ذاكرة القرن الماضي كله، من خلال الاهتمام المتزايد حاليا بدراسة النصوص المحيطة بإبداعهم، كالمسودات الأولى والطبعات المختلفة والرسائل، مشيرة إلى أننا «سنشهد أخيرا مولدا للمؤلف المشارك بكل ما يحمله مفهومه من قيم أتصور أن واقعنا الثقافي الحالي بأمس الحاجة إليها».

وتضيف: «منتج النص التفاعلي كاتب وقارئ في آن واحد، هويته أنه «كاتب مشارك»: كاتب رحالة يقاوم الصورة النمطية للكاتب المنهمك مع ذاته مسترخيا في «برج عاجي»، كاتب ممارس للنسيان يقاوم الاستعمال التقليدي للذاكرة في دعم الإحساس بهوية ثابتة، الكاتب التفاعلي يعرف أنه لا توجد هوية دائمة ويفهم حاجته لهوية فريدة وظيفتها أن تكون مشهدا للهويات المتعددة الكامنة بأعماقه، وغايتها الوصول إلى حد لا تكون عنده أية قيمة لقول «أنا» أو «نحن» في مقابل العوالم المتنوعة التي نحن عليها حقا».

من هو القارئ الذي سيعبر عنه الأدب الجديد؟

يقول محمد سناجلة بأن القارئ الرقمي هو «الإنسان الافتراضي الذي يعيش في المجتمع الرقمي ولديه الإلمام الكافي بأدوات ووسائل العصر وقادر على التعامل معها. وهذا هو جمهوري وجمهور أدب الواقعية الرقمية عموما».

ويؤكد سناجلة أن القارئ الرقمي لم يعد هنا سلبيا كما كان حال القارئ الورقي، لكنه قارىء متفاعل تماما، ومندمج مع النص، ويستطيع في كثير من الأحيان أن يعيد تشكيل هذا النص، والتأثير فيه وأحيانا مشاركة الكاتب في كتابته، وأخذه لمسارات أخرى

ويضيف: «إن القارئ نفسه يستطيع الاختيار من خلال تقنية الهايبرتكست، حيث يستطيع الذهاب مع لينك معين وتجاهل لينك آخر، أو العودة والمزاوجة بينهما. وفي كل قراءة سيخرج بشيء مختلف وربما رواية مختلفة. أنت لا تستطيع أن تقرأ باسترخاء تام، لأنك تبقى مدفوعاً بأمواج متلاحقة من المفاجآت والمؤثرات، تجعلك مشدوداً ومستفَزّاً ومنجذباً إلى تبدل الألوان والتماعات الصور والتقلبات المفاجئة في طقس الرواية».

وتقول الناقدة عبير سلامة إن الأدب الرقمي «سيجذب بالتأكيد قارئا جديدا، مختلفا، مغامرا راغبا في المشاركة بالفعل والتأثير. والأدب الرقمي بأشكاله المتعددة ما زال جديدا، ومع ذلك انتشر عالميا واستطاع جذب أعداد من القراء تفوق ما يجذبه الأدب الورقي، على الرغم من أن أساس بعض الروايات المنشورة على الإنترنت لا يتجاوز كميا حجم قصّة قصيرة أو «نوفيلا»، ومحتوى الكثير منها تقليدي، لكن الأصل في جاذبيتها أنها تمثل رؤية ثورية لتجاوز الحدود بروح تجريبية خالصة، وتمنح قارئها تجربة حرة متكاملة للتعبير عن الذات والإبداع المشترك».

هل سنشهد موت الأدب الورقي؟

يتوقع الناقد محمد أسليم أن الأدب الورقي آيل إلى الزوال، مشيرا إلى أن هذه الفكرة طرحها Dick Brass مسؤول قسم النشر الإلكتروني في شركة ميكروسوفت عام 2000، ويقول فيها: «إن الكتاب الورقي سيختفي نهائيا في غضون الثلاثين سنة المقبلة»، ويبني تأكيده على وجود رهانات اقتصادية واجتماعية وثقافية كبيرة، بالنظر لهذه التعبئة الشاملة في أوساط كبار الفاعلين في قطاع النشر والمعلومات في الولايات المتحدة الأمريكية.

ويضيف: «هذا التوقع لم ينشأ من فراغ كما أنه لا يقتصر على الأدب وحده. إنه حلقة في سلسلة طويلة من تاريخ التدوين والتوثيق. فقد عرفت الكتابة على امتداد وجودها تقلبا في الأسندة، مدار هذا التقلب كان على الدوام الحرصُ على تدوين أكبر عدد من المعلومات في حيز مساحة مادية صغيرة، ثم التنظيم الفضائي للكتابة بحيث تتيسر قراءتها واستعادتها. كان ثمرة ذلك، ابتكار الفراغ بين الكلمات، ووسم نهايات الجمل، وإنشاء الصفحات، فالفقرات، فتقسيم النص إلى فصول، ثم تقسيم الكتاب إلى أجزاء أو مجلدات. الآن، القدرة التخزينية للأقراص الصلبة ترتفع بشكل مذهل، بل إن الحديث جار عن قرب تحقق مُنجز يُتيح تخزين خزانة في حجم مكتبة كاليكا الرقمية (حوالي 000 200 كتاب) داخل مساحة باتساع رأس غبرة لا غير».

من جانبها تشير الناقدة زهور كرام إلى عدم إمكانية الجزم بتراجع الأدب الورقي مقابل الرقمي، مشيرة إلى أن تجربة الأدب الرقمي ما تزال في بدايتها، ولم تأخذ نصيبها من النقد، كما أن هناك عددا كبيرا من الكتاب العرب لم يدخلوا غمار هذه التجربة.

وتتساءل كرام: «لماذا هذه الرغبة بالإقصاء. تجربة الأجناس الأدبية لا تقول بموت الجنس الأدبي، وإنما بمعنى التشرّب في الجنس اللاحق. لأن الأدب هو حياة تنتعش من تاريخها. بالعكس أنا أرى بأن الكتاب الورقي دعامة أساسية للتحسيس بالكتاب الرقمي. سيظل الكتاب الورقي قائما من أجل كتاب يؤمنون بالتعبير في المجال الورقي وإلا ما معنى حق الإنسان في التواصل مع أدواته». وتضيف: «النص الرقمي عليه أن يخوض في كل المواضيع وهذا موجود في التجارب الغربية، وأيضا في نص «صقيع» لمحمد سناجلة حيث يخوض تجربة يقظة سؤال الذات. الوسائط التكنولوجية ستسمح للمبدع بتناول كل الموضوعات التي قد لا تجد طريقها في الوسيط الورقي. وهذه من حسنات الأدب الرقمي».