نجوم الثقافة الإسرائيلية.. سفراء لبلادهم حول العالم

الإبداع في خدمة الاحتلال

مدير عام اليونسكو
TT

يعرف العالم اسم جلعاد شاليط جيداً، بصفته الجندي الإسرائيلي الأسير لدى تنظيمات فلسطينية في غزة، ولكن لا أحد يعرف أديبا بهذا الاسم، إلا أن لوزارة الخارجية الإسرائيلية رأياً آخر، فقد أعادت اكتشاف الأسير شاليط أدبياً، وقدمته للعالم بصفته هذه، ضمن ما يعتقد أنها مساع تبذلها الوزارة لتحسين صورة إسرائيل، وهذه المرة من خلال الأبواب الثقافية. وهي محاولات تجاوزت شاليط لتصل إلى اليونسكو، وقريباً إلى دول عديدة من العالم عبر سفراء مثقفين وفنانين يمثلون الوجه المشرق لإسرائيل.

عندما تمكنت ثلاثة فصائل فلسطينية من أسر شاليط في يونيو(حزيران) 2006، سارعت وسائل الإعلام الإسرائيلية، إلى نشر صور للجندي الأسير بملابسه المدنية. وبدا كأنه فتى صغير، ضمن ما يعتقد انه استخدام إسرائيلي لتأثيرات وانطباعات الصورة في ذهن المتلقي. وحتى عندما سمحت الرقابة العسكرية الإسرائيلية، في وقت لاحق بنشر صور لشاليط وهو يرتدي ملابس عسكرية، كان ذلك في إطار مشاهد عائلية مؤثرة، ثم عندما بدأت تنشر صوراً فردية لشاليط بملابسه العسكرية، كان واضحاً تماما أنها منتقاة، وتظهر اكثر البراءة في وجهه.

ومع استمرار قضية شاليط، وعدم نجاح الحكومة الإسرائيلية في حلها، نشرت وزارة الخارجية الإسرائيلية، وبعدة لغات، من بينها العربية، قصة للأطفال، قالت إن شاليط نفسه كتبها عندما كان عمره 11 عاماً، وذلك عام 1997، وحملت القصة عنوان «عندما التقت السمكة الصغيرة وسمكة القرش أولا». وقدمت وزارة الخارجية الإسرائيلية القصة على أنها رمزية «تتحدث عن لقاء بين سمكة صغيرة وسمكة قرش، تقرران خلاله أن تكونا صديقتين بالرغم من التوتر والعداء الطبيعي القائم بينهما».وأضافت الوزارة «أن هذه القصة تتناول الطموحات الإنسانية الأساسية للصداقة والسلام والأمل. وأن الشبان في القصة هم الذين يجرؤون على تغيير العالم. وتدل القصة على مدى ترسيخ قيم السلام في قلوب الأطفال الإسرائيليين».

والإشارة الأخيرة حول ما تسميه قيم السلام الراسخة في قلوب الأطفال الإسرائيليين، لا شك انها تستدعي، تلك الصور التي نشرت خلال حرب يوليو (تموز) 2006، على لبنان، لأطفال إسرائيليين، يخطون رسائل على الصواريخ الإسرائيلية قبل إطلاقها على الأراضي اللبنانية، حاملة الدمار والقتل وليس السلام.

وتدور أحداث القصة المنسوبة إلى شاليط، في المحيط الهادئ، وليس في البحر المتوسط غير الهادئ أبداً، ويعتقد انه ما زال على مواعيد جديدة مع حروب مقبلة.

وتتحدث القصة عن سمكة قرش أرادت أن تفترس سمكة صغيرة ولت هاربة، ولكنها توقفت فجأة وسألت سمكة القرش: «لماذا تريدين أن تفترسيني؟ يمكن أن نلعب معا». وهو ما حدث طوال النهار، حتى عادت سمكة القرش إلى منزلها وروت لأمها ما حدث، فلم توافق، وكذلك فعلت السمكة الصغيرة، ولكن أمها قالت لها «القرش هو الحيوان الذي افترس أباك وأخاك. لا تلعبي مع هذا الحيوان!». والتقت السمكتان، بعد عام من اللقاء الأول، بسبب معارضة الكبار، ولعبتا خفية، وبعد شهور، ذهبت السمكتان إلى أم السمكة الصغيرة وتحدثتا معها، وهكذا أيضا فعلتا مع أم سمكة القرش. لفرض وجه نظر السمكتين الصديقتين، رغم ان الاولى صغيرة والثانية مفترسة، وينهي شاليط قصته بالقول «ومنذ ذلك اليوم تعيش اسماك القرش والأسماك الصغيرة بسلام». وتكملة القصة هي عند المتلقي، الذي أرادت وزارة الخارجية الإسرائيلية، إيصال رسالة إليه، مفادها بأن شاليط «الأديب» و«المحب للسلام» مثل «باقي الأطفال الإسرائيليين» والمؤمن بتعايش «الأسماك الصغيرة مع أسماك القرش»، ما زال محتجزاً لدى «المنظمات الإرهابية». ولا تقتصر جهود وزارة الخارجية الإسرائيلية الثقافية، على اكتشاف وإعداد ونشر قصة شاليط عندما كان طفلا، ولكنها نجحت في ما يمكن تسميته «تحييد» إن لم يكن انحياز منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، إلى إسرائيل، التي تعتبر وفقا للقوانين الدولية، دولة احتلال، وكل ما تفعله في الأراضي المحتلة من تدمير للإرث الثقافي الفلسطيني، غير شرعي وغير قانوني، وهو ما كانت اليونسكو تعلنه دوما، وتوجه انتقادات لاذعة لإسرائيل بشأنه. إلا أن الأمر تغير في ظل عهد الياباني كويشيرو ماتسورا مدير عام اليونسكو الحالي، صاحب المواقف المنحازة بوضوح إلى إسرائيل. وخلال الحملة الأكاديمية التي شهدتها بريطانيا لمقاطعة الجامعات الإسرائيلية، تدخل ماتسورا واصدر بيانا في باريس بتاريخ 22 يونيو 2007، أعرب فيه، «عن قلقه إزاء الاقتراح الرسمي الصادر بتاريخ 30 أيار (مايو) 2007 عن اتحاد الجامعات والكليات البريطانية، بمقاطعة المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية».

وصرّح ماتسورا بأنه «في حالات النزاع، ينبغي الإمساك بجميع الفرص الإيجابية، أينما أمكن ومهما تفاوت شأنها، بهدف تعزيز آفاق السلام والحوار. كما أن التبادل الحرّ للأفكار والمعرفة، الذي يقع في جوهر أي نشاط فكري، إنما يشكل قوام العمل الأكاديمي والمؤسسات الجامعية».

وقال «إذا كنا جادّين حقًا في مسعانا لتلبية الحاجة إلى السلام المستدام، والديمقراطية والتنمية، أرى أنه تقع علينا مسؤولية أخلاقية في تقاسم المعرفة وتشجيع التفاهم. ولا يشكل التعاون الجامعي الدولي نوعاً من أنواع الترف، وإنما ضرورة قائمة بذاتها. لذا، علينا مواصلة دعم جميع الجهود المبذولة ضمن المجتمعات المدنية لتغذية الصلات والروابط في جوّ من الاحترام والتفاهم المتبادل، وهو ما يميّز العلاقات السلمية».

ووصل ماتسورا إلى إسرائيل، في الأسبوع الأول من شهر فبراير (شباط) الجاري، في أول زيارة رسمية له لإسرائيل، تسبقه حملة إعلامية ترحيبية، من قبل وزارة الخارجية، باعتباره «يبدي تعاملا منصفاً وودوداً تجاه إسرائيل، وجد تعبيرًا له في تصريحين مهمين أدلى بهما مؤخرا. فقد ندد ماتسورا بالمقاطعة الأكاديمية البريطانية لإسرائيل واستنكر إنكار المحرقة النازية في المؤتمر الذي عقده الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في طهران». وتبنت منظمة اليونسكو بقيادة ماتسورا «توجها بنّاءً في قضية باب المغاربة»، والمقصود الحفريات التي تجريها إسرائيل بجانب أحد أبواب الحرم القدسي الشريف، والتي أثارت غضباً عربياً وإسلامياً، باعتبارها تهدد اساسات هذا الحرم. ورغم أن الأعمال الإسرائيلية في تلك المنطقة مخالفة للقوانين الدولية التي تحظر على سلطة الاحتلال إجراء حفريات في الأراضي التي تحتلها، إلا أن اليونسكو تغاضت عن ذلك، واعتبرت في تقرير لها أن تلك الحفريات لا تهدد اساسات الحرم القدسي. وتحمل إسرائيل أيضا تقديراً لليونسكو ومديرها العام لان هذه المنظمة الدولية اختيرت «لتكون الهيئة المسؤولة من قبل الأمم المتحدة عن نشر القيم الكونية المتعلقة بذكرى الهولوكوست».

وتفاخرت إسرائيل، وهي تستقبل مدير عام اليونسكو، بأنها دولة «داعمة» لنشاطات هذه المنظمة، وليست دولة متلقية الدعم، مما يشعرها بالزهو على معظم الدول العربية التي «تستجدي» أموال المانحين والمنظمات الدولية ومن بينها اليونسكو.

والتقى ماتسورا، خلال زيارته أولا وزيرة الخارجية الإسرائيلية تيسبي ليفني، ووقع الاثنان على مذكرة تفاهم تنظم العلاقات بين إسرائيل والمنظمة. ووفقا لوزارة الخارجية الإسرائيلية، فإن مذكرة التفاهم هذه حددت «المواضيع ذات الأهمية المشتركة لإسرائيل واليونسكو». وهي كما فصلتها الوزارة: تعزيز دراسات المحرقة النازية في الدول الأعضاء في اليونسكو، والمساهمة في تطوير جهاز التعليم في دول جنوب الصحراء الكبرى، وتطوير شبكة مدارس تابعة لليونسكو، وتطوير مراكز علمية في المناطق النائية في إفريقيا من خلال مركز التعاون الدولي (مشاف) التابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية، إضافة إلى مواضيع أخرى.

والتقى مدير عام اليونسكو، أيضا بمسؤولين إسرائيليين عديدين مثل وزير العلوم والثقافة، ووزيرة التربية والتعليم، ومدير مؤسسة ياد فاشيم الخاصة بالهلوكوست ورئيس بلدية تل أبيب. وبالإضافة إلى هذا النوع من النشاط، فإن وزارة الخارجية الإسرائيلية، تدرس تعيين أدباء وفنانين مشهورين في مناصب «سفراء الثقافة»، والسبب كما قالت مصادر في الوزارة الإسرائيلية «محاولة لتحسين صورة إسرائيل في العالم».

وانبثق هذا الاقتراح من مكتب وزيرة الخارجية ليفني، ويتضمن تشكيل لجنة وزارية مستقلة لوضع معايير اختيار سفراء الثقافة الإسرائيليين، والشروط التي بموجبها منح لقب «سفير الثقافة». وقال مصدر في الوزارة الإسرائيلية في محاولة لترويج الاقتراح وسط المبدعين الإسرائيليين بأن المبادرة الجديدة ستساعد دولة إسرائيل والفنانين. فتستفيد إسرائيل بتحسين صورتها من خلال الفنانين والمبدعين، وهؤلاء يستفيدون أيضا بالترويج لأعمالهم في بلدان العالم المختلفة التي سيزورونها بصفتهم سفراء للثقافة الإسرائيلية. وترددت أسماء مرشحة لمثل هذه المناصب من الكتاب والفنانين والراقصين والنحاتين والموسيقيين، ومن بين هذه الأسماء الروائي الإسرائيلي المعروف عالمياً عاموس عوز.

وربما من باب الصدفة، انه بعد اقل من أسبوع من الحديث عن عوز كأبرز مرشح لتولي منصب سفير الثقافة الإسرائيلية، فاز بجائزة استورياس الأسبانية، التي تعتبر أنها تضاهي جائزة نوبل.

وحاز عوز الجائزة التي ترعاها العائلة المالكة الأسبانية، لينضم إلى سلسة طويلة، من شخصيات عالمية حازتها مثل: نائب الرئيس الأميركي السابق آل غور، وقائد سيارة الفورمولا وان مايكل شوماخر، وحصل عليها أيضا الإسرائيلي افنير شليف مدير مؤسسة ياد فاشيم. وخلال حفل تسلم عوز للجائزة كان ضيوف الشرف مجموعة من اليهود قدموا على انهم من الناجين من الهلوكوست، من بينهم رجل الأعمال دافيد عزرئيلي، الذي قال إنه فقد عائلته في بولندا على يد النازيين. وترغب وزارة الخارجية الإسرائيلية، في استغلال شهرة بعض الإسرائيليين، في الخارج مثل عاموس عوز، لتحسين صورة دولة يعتبرها كثيرون في هذا العالم عدوانية، يصعب الدفاع عن سياستها. لذا فإن الوزارة الإسرائيلية تريد أن تحقق هدفها عن طريق الثقافة، وليس عبر دروب الدبلوماسية والسياسة.