لماذا اصطحب الرئيس التركي عبد الله غل فرقة موسيقة لزيارة قطر؟

23 بلداً يمثلهم أكثر من 75 عازفاً لتأكيد انفتاح تركيا

TT

في الزيارة التي قام بها مؤخراً، الرئيس التركي عبد الله غل إلى قطر، رافقته فرقة موسيقية غير عادية، عزفت ألحانها هناك، وكأنها تعاضد الرئيس وتتمم مهمته السياسية.

فرقة موسيقية قد تبدو للوهلة الأولى عادية، لكنها في أسباب ولادتها وأهدافها وتركيبتها تختلف كليا عن الفرق المعروفة. كبار عازفيها آتون من رقعة تمتد بين شرق حوض المتوسط وبحر قزوين والبلقان وآسيا الوسطى وشرق أوروبا، حملوا آلاتهم والتقوا في اسطنبول، ليقولوا شيئا مختلفاً باسم التقارب والانفتاح.

الأسماء مهمة طبعا لكنها تبقى في الظل أمام الفكرة وما حققته حتى اليوم من نتائج. 23 بلداً يمثلهم أكثر من 75 عازفاً، معظمهم من الأكاديميين المبدعين، يروجون لفكرة قدرة الموسيقى على جمعنا وتوحيدنا حتى ولو أرادت القيادات غير ذلك في بعض الأحيان.

في كتاب التعريف الذي توزعه الفرقة خلال حفلاتها تقول «إذا قرأت أسماء الموسيقيين، ولائحة البلدان التي ينتمون اليها فستكتشف على الفور انهم يمثلون اكثر المناطق الجغرافية تشرذماً وتفككاً واقتتالاً في العالم، لكنهم وأنت تتأملهم أمام آلاتهم الموسيقية خلال العزف، يقولون لك اننا رغم كل شيء باستطاعتنا الجلوس معاً».

الانطلاقة كانت عام 1992 على هامش اللقاء الأول لمنظمة مؤتمر دول حوض البحر الاسود مع 17 عازفا و6 دول، أما اليوم فالفرقة تحتفل بمرور 16 عاماً على تأسيسها، ونراها وقد انتزعت عشرات الجوائز العالمية، وزارت الكثير من العواصم والمدن. متوسط نشاطاتها هو 5 عروض عالمية كل عام، وجولات دائمة بين أوروبا وآسيا، تتقدمها إنكلترا واليونان وبلجيكا واليابان وروسيا. عروض لا تحصى أمام الملوك والرؤساء، حفلات في قاعات أهم وأكبر الجامعات وقاعات الاحتفالات التركية والعالمية. دعيت الفرقة من قبل منظمة رجال الأعمال الأتراك «توساد» لتواكبها في جولتها الأوروبية الأخيرة، تسهل لها مهمة إبراز النموذج التركي وطروحاته الثقافية والاجتماعية على طريق الاتحاد الأوروبي، فكان تأثيرها لا يقل أهمية وقيمة عن الدور الدبلوماسي الذي تلعبه أهم البعثات التركية في أوروبا.

هدفها إيصال أصوات البحار الثلاثة الاسود وقزوين والمتوسط، بسبب هويات أعضائها الجغرافية، وتقريب هذه البقاع المتداخلة أصلاً ثقافياً وتاريخياً عبر العزف والموسيقى. فرقة أرادت إضافة تعريف جديد لمصطلح التعددية، فكان ذلك عبر الأنغام والألحان المتداخلة المنفتحة على بعضها البعض من دون حواجز. العود من سورية، الفلوت من بلغاريا، الكمنجا من أذربيجان، البوزوكي من اليونان، البيانو من روسيا والناي والقانون من تركيا.

الفكرة كانت للمايسترو والأكاديمي التركي سايم أكشل، الذي جمع حوله داغو برتو ينهارس وازاد علي زادا وبهار بيريجيك والياس ميزاييف وجوان قره جولي، وغيرهم من كبار الموسيقيين في منطقتنا.

مولت الفرقة شركة «اكفن» للاستثمارات وتركتها بين يدي نهاد كوكييت الذي لم يبخل ولو للحظة في الاستجابة إلى كل طلباتها لتكون الفرقة النموذج بطابعها الاقليمي الذي يجمع أهم عازفي كل دولة مشاركة، تركتنا وجها لوجه أمام مختبر موسيقي مذهل، يجسد تطلعات شعوب هذه الدول عزفاً وأداءً.

عذراً من الفرقة الموسيقية وكل من يقف وراءها ويدعمها، فنحن هنا، ربما أفشينا سراً كان خافيا على حكومات وأجهزة الدول التي التحق كبار موسيقيها بهذه المهمة، في ما قد يفهم على أنه تآمر على بلدانهم، من دون قصد. وهم قد يتعرضون ـ بسبب ما نكتب ـ الى مضايقات وملاحقات، كانوا بغنى عنها، حتى ولو كانت غايتهم المشاركة في فتح أبواب حصون وقلاع مغلقة منذ سنوات بعيدة من دون أن يعرف السبب.

مرة أخرى نجد أنفسنا وجهاً لوجه أمام مغامرة مثيرة، يخطط لها ويقودها وينفذها القطاع الخاص التركي، ضمن خطة تعاون إقليمي بغطاء موسيقي يحمل الطابع العالمي في جميع تفاصيله، ومرة أخرى نجد انفسنا مجبرين على مطالبة رموز القطاع الخاص في تركيا والعالم العربي بدعم وتمويل عمل مماثل يعزز روح الانفتاح الثقافي بين الشعبين، إذ ليس بالتجارة وحدها يحيا الانسان!