الأسماء السودانية تكشف تقاليد المجتمع ومزاجه

تتراوح بين الثورات والزعماء السياسيين وحتى بطلات السينما

في السودان لكل اسم قصة («الشرق الاوسط»)
TT

بحث طريف بعنوان "الأسماء السودانية من منظور اجتماعي ثقافي" قدمه معتصم مصطفى، أستاذ الأدب والنقد في "جامعة الزعيم الأزهري" أثناء محاضرة بـ"مركز راشد دياب" بالخرطوم أخيراً، تناول فيه تاريخ الأسماء ومدلولاتها الثقافية ومرجعية الأسماء الشهيرة المتداولة، فيقول انه من خلال الأسماء يمكن أن نستشف الكثير من تقاليد المجتمع وعاداته وثقافته.

ففي السودان، ومع بداية دخول الإسلام، الذي طغى على ما سواه من الثقافات التي كانت سائدة، أطلقت الأسماء الإسلامية على المواليد. فعلى الذكور أطلقت أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم وألقابه كالشفيع وأبو القاسم، وأسماء صحابته وأئمة المسلمين كالشافعي والمالكي وأسماء الأنبياء والملائكة، كما أسماء أمهات المؤمنين وأسماء الأمكنة الإسلامية كمكة ومدينة ومنى والبقيع وزمزم وعرفة والحرم التي كانت تطلق على المواليد الإناث حتى وقت قريب! وكذلك أسماء بعض الشهور الهجرية كربيع ورمضان وشعبان. وفي غرب السودان، حيث انتشر الإسلام - إلا أن اللغة العربية لم تكن متداولة لقلة الهجرات العربية - لجأ السكان هناك الى تسمية أبنائهم اسماء الأنبياء المذكورة في القرآن الكريم كآدم وزكريا واليسع وموسى وإلياس ويعقوب ويونس ومريم، لذا حتى اليوم تعرف أصول من يحمل هذه الأسماء بأنه من غرب السودان.

وبانطلاق الثورة المهدية التي قامت بالسودان في القرن التاسع عشر والتي تعتبر أثراً من آثار الفكر الشيعي القائم على فكرة الإمام الغائب برزت الأسماء ذات الصبغة الشيعية كالصادق، الهادي، جعفر، زين العابدين والباقر. أما من أسماء النساء فنجد "علوية" الشائع بين النساء، وهو مؤنث علوي.

ويطلق السودانيون الألقاب الدينية على مواليدهم مثل، "خليفة"، "إمام"، "الحاج"، "الشيخ الفكي" أي "الفقيه". ويقول الباحث انه بازدياد الوعي الديني في العقدين الأخيرين، صار الناس ينقبون في مفردات القرآن الكريم بحثاً عن أسماء لبناتهم مثل "آلاء"، "نمارق"، "تسنيم"، "تنزيل"، "براءة"، "أعراف"، "أبرار".

وكذلك هناك أسماء شيوخ الصوفية كالجنيد والجيلاني وعربي والكباشي والمكاشفي، وهم الذين وفدوا الى السودان من العراق واليمن والشام والحجاز والمغرب، لهذا نجد أسماء عراقية ويمنية وشامية ومغربية، وللإناث شامية.

وهناك تأثر بالسيرة الهلالية لذا نجد عند السودانيين أسماء بوزيد وهلالي وسيف اليزل، وهو تحريف لاسم سيف بن ذي يزن، وكذلك من سيرة علي بن أبي طالب نجد انتشار اسم كرّار.

من الطريف أن البنت الصغيرة التي تلعب مع الصبيان وتلازمهم وتبدو عليها الخشونة، يطلق عليها في السودان لقب "محمد ولد"، مما يدل على أن الاسم العام للرجال السودانيين هو "محمد". أما الرجل الذي يكثر من مجالسة النساء، ويستطيب الحديث معهن فيطلق عليه اسم "فاطناوي" منسوباً الى فاطمة. فاسم "فاطمة" أو "فاطنة" كما ينطق في السودان هو رمز لكافة النساء، ويؤكد ذلك القول الشائع في السؤال الاستنكاري لمن لا ولد له أو فرغ من مسؤولية تربية الأبناء: "لم الاستعجال؟ عندك محمد ولا فاطنة؟!" وذلك عند مغادرته الجماعة بحجة انشغالاته. والرجل السوداني يقول "أنا أخوك يا فاطنة" في معرض الفخر بشهامته وكرمه في تقديم المساعدة لامرأة محتاجة.

أما عن البعد الاجتماعي للأسماء، فيقول الباحث ان الرّق كان يمارس في السودان وللرقيق أسماؤهم الخاصة. والسودانيون في ذلك يتأسون بالعرب في أمر الطبقية حيث كانوا يسمون عبيدهم بالأسماء المستحسنة دالين، من خلالها، على قوتهم ومنعتهم، كأسماء عبد الأسد ودكام "شجاع" وعبد الرجال وسعد الله وبخيت وهلال وألماظ وفيروز وسوميت. أما الرقيق من الإناث فيسمون بأسماء كـ "تاج الملوك"، "الصبر جميل"، "تقيل ميزانه"، "بحر النيل"، "كعب الغزال"، "الله معانا"، "فضل الساتر" و"كيّ الحاسد". وكلها ألقاب لمالكيهم. كما كانوا يطلقون كلمة "الفرخ" للمسترق من الرجال "والفرخة" للمسترقة من النساء. ولهذا أصل عربي قديم حيث يقول العقاد ان أهل المدينة يسمون اللقيط فرخاً وهو ابن زنا لا يعرف أبوه. فالفرخ هو ابن الطير تعرف أمهاته ولا تعرف آباؤه. ومن الجانب الاجتماعي للأسماء أيضاً، يتضح تحيز السودانيين للولد على الأنثى، فإذا ما أكثرت المرأة من إنجاب البنات يطلق اسم "ختمة" أو "ختام" على المولودة، إيماناً بدور سحري للكلمة يوقف ولادة البنات. أما إذا ولدت بنتاً بعد عدد من الذكور فتسمى "هبة" أو "منى".

أما إذا ما كان أطفال المرأة يموتون تباعاً عقب ولادتهم فيسمى الابن اسماً قبيحاً حتى لا يخطفه الموت كإخوته. ومن تلك الأسماء "كوكو" و"دوكة". وهذا أمر شائع، كما يعلّق الباحث بقوله انه في بلاد المجر في العصور الوسطى كان الأطفال يسمون بأسماء وقائية كأن يدعى الواحد منهم بـ"الموت الصغير" أو "ليس حيا" أو "القذارة"، وذلك لصرف الأرواح الشريرة عن هذه المخلوقات. وهذه العادات الخرافية والخزعبلات تعكس الرهبة العميقة أمام الكلمة وسحرها العجيب. وإذا ما توفي للمرأة ولد، وولدت بعده آخر فتسميه "عوض" أو "قسم الله" أو "صبري" أو "صابر"، وإذا كانت المولودة أنثى فتسمى "عوضية" أو "قسمة" وهذا الأخير يحمل الرضا بالمقسوم. والمرأة السودانية لا تنطق اسم زوجها، بل تكنيه باسم ولده البكر بأن تناديه يا أبا فلان، أو أبا فلانة، وتتحدث عنه بلقب أبو الأولاد أو أبونا. وإذا ما سميت البنت باسم والدة أبيها فإن أمها حينئذ لا تناديها باسمها تأدباً، بل تبحث لها عن لقب، كأن تناديها باسم "أم الناس" أو "ست الجيل" أو "ست البنات"!

أما في الجانب البيئي للأسماء فتظهر أسماء الحيوانات كالأسد، الفيل، الغول، الجمل، الدابي، النمر. وكذلك أسماء سهل وأبو جبل. أما اسماء البنات فبعد ازدياد الوعي الثقافي شاعت أسماء مثل ياسمين، سوسن، زهرة، نسرين، وردة، وهنا – كما يعلق الباحث - يظهر جلياً اختيار أسماء الحيوانات القوية أو المتصفة بالصبر للأبناء الذكور، بينما أسماء الإناث من أسماء الورود لرقتها‍.

ويظهر تأثير الاستعمار التركي للسودان، فقد كان يطلق اسم "هانم" على البنات بينما هو لقب المرأة المتزوجة عند الأتراك. وهذه التسمية تدل على إعجاب السودانيات بأسماء السيدات التركيات اللواتي كن سيدات المجتمع، وكذلك أسماء تركية أخرى للإناث مثل توحيدة، مفيدة وتفيدة. ومن اسماء الرجال صفوت، ومدحت، وثروت وعزت.

وتتأثر الأسماء بالأحداث السياسية، فقد يظهر الإعجاب بزعيم عربي أو أفريقي أو آسيوي، فتنتشر أسماء مثل غاندي وعبد الناصر وماو ولوممبا في الستينات.

وفي ثورة أكتوبر 1964 سمى الناس بناتهم، انتصار، وثورة. وكثرت أسماء قرشي وعبد الحفيظ للمواليد الذكور حينها - وهما اللذان استشهدا في الثورة. وعند زيارة السيدة أم كلثوم للسودان أعقاب نكسة 1967 سمى كثير من الناس مواليدهم البنات، في ذلك العام باسمها. وإثر التحالف الثلاثي الذي تم بين مصر والسودان وليبيا سمى بعض الناس أبناءهم: ناصر أو نميري أو قذافي. وأنجب أحدهم ثلاثة ذكور في ذلك العام فأسماهم بأسماء الزعماء الثلاثة‍، وكذلك اسم صدام الذي انتشر في التسعينات. ولتأثير وسائل الإعلام في الثمانينات، استعيرت أسماء كثيرة لبطلات السينما المصرية، مثل، شيريهان، نجلاء، فاتن ويسرا، وكذلك أسماء نجمات السينما الهندية، إضافة إلى الأسماء الأجنبية التي كثرت حاليا كسيلفيا، آن، ماجدولين، نادين، نانسي، جلنار وساندرا.

ويتضح ان ثمة تشدداً واضحاً في المجتمع السوداني في تسمية الأبناء الذكور بأسماء إسلامية أو عربية عتيقة أو أسماء أجدادهم حتى يخلد اسم الأسرة، أما البنات فتلجأ الأسر لتسميتهن الأسماء الجديدة المبتكرة والأسماء الأجنبية. فكأن المجتمع يعبر في ذلك عن اعتماده على الذكور في حفظ التراث والتقاليد والعقيدة، بينما لا شأن للإناث بهذه المهمة.