بي نظير بوتو.. وصية أخيرة لامرأة غير اعتيادية

كانت امرأة شجاعة لكنها لم تكن مثل مارغريت تاتشر أو أنديرا غاندي

الكتاب: المصالحة: الإسلام، الديمقراطية والغرب المؤلف: بنازير بوتو الناشر: سيمون وشوستر، لندن 2008
TT

لعل ما حدث لرئيسة الوزراء الباكستانية السابقة بي نظير بوتو، يشكّل إثارة أكبر وإيلاماً أبلغ من قراءة صفحات افتتاحية كتابها «المصالحة: الإسلام، الديمقراطية والغرب»، التي تصف فيها عودتها إلى باكستان في الثامن عشر من اكتوبر (تشرين الأول)2007، والاحتفال الذي أعقبه حصول مجزرة وتناثر أشلاء.إن تفاصيل ذلك الهجوم الانتحاري، هي بلا شك، تفاصيل مرعبة ومروّعة، ولكن، حينما تقرأ كنذير شؤم للهجوم الذي أودى بحياة بي نظير بوتو بعد عشرة أيام على ذلك، فإنها، تكتسب صدى أشد وأقوى

كتاب «المصالحة: الإسلام، الديمقراطية والغرب» لبي نظير بوتو يجيء متزامناً مع كل الأحداث التي تمر فيها باكستان. هناك وهو يشتمل على نصين: الأول، ربما، نشر خلال الأشهر الأولى من تولي بوتو رئاسة الوزارة، إذ ان كلماته تأتي مثل معيار لقياس عمل وتأثير حكومتها. أما النص الثاني، فإنه يأتي وكأنه يمثل وصية أخيرة لامرأة غير اعتيادية، أضاف موتها إليها أهمية أكبر.

الفصل الأول من الكتاب، يحمل النفس ذاته الذي كتبت به ببليوغرافيتها «بنت الشرق». إنها تصف عودتها من المنفى إلى باكستان، نهاية العام الماضي: «يجب أن أعترف بأنني شعرت بالأمان في بحر الحب العظيم، والتشجيع الذي أحاطني». بعد الفصل الأول، الذي يتناول حادث التفجير في الثامن عشر من اكتوبر( تشرين الأول)، ينتقل الكتاب ليصبح أكثر أكاديميةً، حيث تدافع بوتو عن الإسلام مقابل أولئك الخارجين عن روحه ومبادئه، ممن يعكسونه كدين عنف وإرهاب، وممن يهدفون إلى توظيفه في عمليات مثل تلك التي راح ضحيّتها أكثر من مائتين من أنصارها في احتفال اكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي. إنها تركّز بشدة على حقيقة ان الرئيس الباكستاني برويز مشرف لم يقم بتوفير الحماية اللازمة. وهي تدعم ذلك بآيات من القرآن الكريم، تدعو إلى السلام، والتعددية، والتقاليد الديمقراطية في الاتفاق الجماعي والحوار. وكذلك، تستشهد بالآيات التي تحرّم العمليات التي يدّعي المتطرفون بأنها جهاد. ولتعزيز آرائها، تأتي بأقوال جملة من علماء المسلمين. وفيما هي تدافع عن الإسلام في جوهره، فإن بوتو تؤكد على الحاجة الماسة لإجراء النقد والتغيير في العالم الإسلامي. وفي عدّة مناسبات، تشير المؤلفة إلى السرعة التي يبادر فيها مسلمون لتعنيف الغرب على أفعالهم غير العادلة، ولكن، حينما يتعلق الأمر بعنف المسلم ضد المسلم، كما هو حاصل في العراق، وأفغانستان ودارفور، «نراهم جميعاً يلتزمون الصمت». تكتب بوتو أيضاً، عن تقصير القنوات التلفزيونية العربية في ما يتعلق بالمجزرة الجماعية للمسلمين في دارفور و«عدم وجود الرغبة في العالم الإسلامي للنظر عميقاً، وتشخيص الخطأ».

بعد ذلك، تكرّس بوتو الفصل التالي لموضوع شائك ومختلف عليه، هو موضوع الديمقراطية والإسلام. إنها ترى، بأن إخفاق الديمقراطية في أكثر الدول الإسلامية، له امتدادات سياسية أكثر مما هي دينية، وفي أغلب الحالات «لعب الغرب ـ إن كان أوروبا أو الولايات المتحدة الأميركية - دوراً سيئاً في تقويض الديمقراطية وتنصيب الديكتاتوريين». وتذكر الكاتبة عدة بلدان إسلامية، منها : تركيا، مصر، تونس، إيران، مالي،الكونغو، كازاخستان والهند. بعد ذلك، تسرد لنا تاريخ باكستان، ومنجزات عائلتها «بوتو»، وجدّها، السير شاه نوّاز بوتو، وهو إقطاعي وسياسي، تظهره بي نظير، على أنه شخصية أساسية في تأسيس باكستان عام 1947.

وفي موضوع «صدام الحضارات»، تركز بي نظير بوتو مرة أخرى على مجموعة من الشخصيات المنفتحة في العالم الإسلامي، وتركّز على أهمية هذه الشخصيات، وضرورة الاستماع إليها. إنها تسهب في هذا الجانب وتقول فيه الشيء الكثير، لكنها، في كل مرّة تؤكد على أن الديكتاتورية يجب أن تنتهي وأن الديمقراطية يجب أن تمنح كل مساعدة ودعم.

كتاب بوتو ينتهي بوصفة لعالم أكثر سعادة، متمثلة في قيام خطة تماثل خطة مارشال، لمساعدة البلدان الإسلامية الفقيرة من قبل الغنية. وتعقد الكاتبة آمالها على اندحار التطرّف بتكاثف الجهود المشتركة لكلا الجانبين: الإسلامي والغربي، وتطرح هنا عدّة مقترحات وتوصيات، ثم تستدرك وتقول «ربما ينظر لهذه المقترحات بشك، أو انها غير ممكنة التحقيق، إلا أنني أطرحها، لأن الوقت يتطلب فعل ثمة شيء أكثر من المشاريع المعتادة. إن هناك ما يكفي من الألم. لقد آن أوان المصالحة».

يقول مارك زيغل، الذي ساعد بوتو في البحث عن مواضيع الكتاب وتحريره، بأن بي نظير كانت قلقة من الطريقة التي استولى فيها المتطرفون على رسالة الإسلام: «أرادت مني أن أجمع وأصنّف كل ما ورد من مزاعم على لسان المتشددين من رجال الدين والمتطرفين حول الديمقراطية والتعددية والتسامح...ثم أرادت مني التشاور مع العلماء المسلمين وتصنيف المراجع الإسلامية وفق مواضيعها وترتيبها، لاشهارها في مواجهة المتطرفين».

كفتاة شابة في جامعة هارفارد وأكسفورد، تشبعت بي نظير بوتو بالأفكار المثالية حول الديمقراطية ومساواة المرأة. وفي خلال أوائل الثمانينات من القرن الماضي، تعرضت لإساءة قاسية من قبل الديكتاتور، الجنرال ضياء الحق، وانتقلت من سجن إلى آخر، ثم حجزت لفترة من الزمن في زنزانة تقع في سجن صحراوي في السند، حيث تصل درجة الحرارة إلى أكثر من خمسين درجة. هذه الأحداث، وحدث إعدام والدها، علي بوتو، شكّلت شخصية بي نظير السياسية وطبعت روحها الكفاحية العالية. لكن أحد الكتّاب السياسيين وصف شخصية بوتو قائلاً بأنها «شخصية ازدواجية إلى حد كبير، لاعبة ماهرة في لعبة متعددة العناصر، تقول لأنصارها شيئاً، ولكنها تقول شيئاً آخر للجيش الباكستاني أو للمخابرات الباكستانية، أو لندن وواشنطن، او للإعلام الغربي عموماً. كانت امرأة معقدة وشجاعة، لكنها، لم تكن مثل مارغريت تاتشر أو أنديرا غاندي».