«المدرسة التلمودية» المستهدفة بتفجير القدس هي المرجعية الوحيدة لـ«الصهيونية الدينية»

بعدٌ رمزيٌ استثنائي لمعهد فريد في نوعه

مكتبة المعهد التلمودي وفي الإطار الحاخام ابراهام كوك
TT

فجّر الشاب علاء أبو دهيم نفسه، داخل معهد تلمودي في عملية اهتمت بها وسائل الإعلام كثيراً، واكتسبت بالنسبة لليمين الديني الإسرائيلي بعداً رمزياً، اكثر من أية عملية فلسطينية أخرى، بسبب الأهمية الاستثنائية لهذا المعهد في التاريخ اليهودي المعاصر. فقد أسسه بالقدس الغربية عام 1924، الحاخام أبراهام كوك، واعتبر المعهد الديني الصهيوني الأول، ويعود إليه الفضل في تحقيق المصالحة بين اليهودية الأرثوذكسية والصهيونية، ويتبين الآن، وإسرائيل تستعد لإحياء عيد مولدها الستين، كم كانت هذه المصالحة حاسمة ومؤثرة.

يدرس المعهد اليوم، إضافة إلى التلمود، التمريض، ومعرفة ارض إسرائيل، أي جغرافية التوراة، والأدب، والقانون، وافكار الحاخام كوك، ويمد مناطق إسرائيل كما المناطق الفلسطينية المحتلة، بالحاخامات. ومن هذا المعهد يتخرج شبان، يؤثرون، بشكل حاسم، في تطورات الأوضاع في فلسطين.

مؤسس المعهد، الحاخام كوك، بريطاني الأصل، هاجر إلى فلسطين، وأصبح مقرباً من زعيم التيار الراديكالي في الحركة الصهيونية جابتونسكي. وهو الأب الروحي لسيل من الزعامات التي لعبت أدوارا لافتة، مثل مناحيم بيغن، اسحق شامير، بنيامين نتنياهو، ارئيل شارون وايهود اولمرت.

الأدوار التي لعبها كوك، تجاوزت كثيرا دوره الديني، حيث جمع الأموال والرجال للحركة الصهيونية، وشكل حلقات كانت نواة للصهيونية الدينية.

عينته بريطانيا، بعد انتدابها على فلسطين، حاخاما لليهود الغربيين (الاشكناز)، وهو منصب مهم أتاح له، لعب أدوار، لم يكن يحلم بأن تستمر بعد وفاته. أسس مركزه ودشن من خلاله عملية «التصالح» بين الأرثوذكسية اليهودية، التي تؤمن بان شتات اليهود في العالم هو عقاب رباني، وسيستمر حتى ظهور المسيح، والصهيونية، كحركة علمانية طموحة لبناء دولة يهودية، ما زالت بعض الجماعات الأرثوذكسية، تعتبرها مخالفة لتعاليم الرب.

ذهب كوك، بعيدا في هذه المصالحة، باعتبار تأسيس دولة إسرائيل، تلبية لنداء الرب. أما قادة الحركة الصهيونية، من اليهود العلمانيين، فينفذون وعد الرب، وبالتالي يسرّعون قدوم المسيح المنتظر، وموعد الخلاص. من هذا المنطلق سوغ التعاون بين المتدينين والعلمانيين، ومد بينهما الجسور بطريقة لم يكن يستطيع أحد أن يفعلها بمثل هذا النجاح.

ويصف اتباع كوك، زعيمهم الروحي، بأنه صاحب فلسفة، فهمت كنه الشعب اليهودي، الذي تم العمل على إحيائه. ويرون أن تأسيس إسرائيل بعد 13 عاما من وفاته، كان تجسيدا لصلاحية أفكاره، وتحقيق تنبؤاته.

ورأى كوك في التوراة، مستودعا لإيجاد حل لأية مشكلة عصرية تجابه اليهود.

وهدف كوك -الضليع في الحركات الصوفية والباطنية اليهودية- من خلال مركزه، إلى تثقيف الكوادر اليهودية والصهيونية، بوجهة نظره الدينية، وزرع فيهم «محبة التوراة وارض إسرائيل»، وتحولت أفكاره إلى حركة، لها اتباع في المدارس اليهودية، واذرع شبابية ونسائية. أما كوك فصار اكثر من رمز، ومركزه نبراساً في كل ما يتعلق بحياة اليهود في فلسطين الانتدابية، وخارجها.

والطلبة الذين يتخرجون في المعهد الآن، متشبعون بأفكار كوك، لا يتحولون فقط إلى زعماء روحيين، ولكنهم يلتزمون بطريقة معينة في الحياة، توصف في إسرائيل بأنها متزمتة، لإظهار صلاحية مبادئ التوراة ووضعها موضع التنفيذ.

ويشكل الخريجون، مرجعيات، دينية في المدن والبلدات والمستوطنات الإسرائيلية (خمسة من بين القتلى الثمانية في العملية الأخيرة هم من المستوطنين)، ويخدمون في فيالق الجيش الإسرائيلي. ومن الصعب استعراض كل أسماء خريجي المعهد، الذين تحولوا إلى نجوم في إسرائيل، ولعبوا أدواراً مهمة (مثل حنان بورات، رائد أول مستوطنة أنشئت بعد فترة وجيزة من سكوت مدافع حزيران، وموشيه ليفنغر رائد الاستيطان في الخليل). كذلك من الصعب تجاهل الدور الذي لعبه تسفي يهودا كوك ابن الحاخام كوك، حين تولى مسؤولية المعهد من بعده، في حركة الاستيطان اليهودية في الضفة الغربية. وهو دور جمع بين العمل الميداني والتنظير، كما خلط السياسة بالدين، على نحو لا نظير له، في حركات «سياسية دينية» إسلامية أو مسيحية.

وأضفيت هالات على كوك الابن، الذي نسب إليه، تنبؤه باحتلال القدس الشرقية، قبل أيام من حدوث ذلك بالفعل، فتم نقله، من قبل طلابه، إلى الحائط الغربي للحرم القدسي، الذي يطلق عليه اليهود حائط المبكى، في مشهد احتفالي لا يعرف إلى أي مدى أدرك كوك الابن تاريخيته، وخلاله أطلق عملية تهويد للمدينة لم تنته حتى الآن.

وتمكن كوك الابن، من ترسيخ دور المعهد، ليصبح مرجعاً ـ يكاد يكون وحيداً للصهيونية الدينية ـ على الصعيدين التعليمي والعملي، من خلال منظمات استيطانية رائدة كحركة غوش امونيم، أو عطوريت كوهنيم. ودور الأخيرة في الاستيطان بالقدس، أمر لا يمكن إلا إدراجه، ضمن حملات استيطان تاريخية أخرى شهدتها المدينة المقدسة، أثرت على مستقبلها، لفترات طويلة، كالفتوحات العربية ـ الإسلامية أو الحروب الصليبية التي استمرت 200 سنة، والاستيطان اليهودي المستمر، بنجاح مبهر منذ 40 عاما على الأقل.

وكشف كوك الابن عن أفكار جانحة في تطرفها كدعوته لحرب دينية شاملة باعتبارها الوسيلة الوحيدة لتحقيق عودة المسيح المنتظر.

وبعد موت كوك الابن تولى المسؤولية عن المعهد الحاخام أبراهام شابيرا، الحاخام الأكبر السابق لإسرائيل الذي وصف كوك الأب بأنه من «اعظم علماء التوراة في جيلنا». وبعد وفاة شابيرا، المثير للجدل في العام 2007 عن تسعين عاما، خلفه ابنه الحاخام يعقوب شابيرا، وواصل تبني فتاواه وإصدار أخرى تحرم الاتفاقات السياسية مع الفلسطينيين.

ويقول سفيان أبو زايدة، المختص بالشؤون الإسرائيلية: «هناك جدل يهودي داخلي حول أمرين رئيسيين، الأول علاقة الدين بالدولة والأمر الثاني علاقة الدولة بعملية (الخلاص) وعودة المسيح المنتظر، حسب المؤمنين بالديانة اليهودية. بكلمات أخرى، هل يجب أن تتدخل يد البشر في عملية الخلاص الإلهي أم لا؟ هذا الطرح قلص الفارق بين الدين والصهيونية، وشكل أساسا لفكر الحاخام أبراهام كوك الذي توفي عام 1935 ومن ثم ابنة الحاخام اسحق كوك الذي توفي عام 1980». ويشير أبو زايدة إلى أن الحاخام كوك تأثر «بمواقف الحاخامين، يهودا القلعي وتسفي كالشير اللذين دعيا خلال القرن التاسع عشر إلى ضرورة الهجرة إلى فلسطين وإقامة المستوطنات للإسراع بعودة المسيح المنتظر».

ويقول أبو زايدة، وهو وزير فلسطيني سابق بأن «كوك الأب طور هذه الأفكار حين قال بان فكرة إقامة دولة يهودية في فلسطين ربانية والحركة الصهيونية أداة في يد الله، واعتمد تفسيرا متطرفا للتوراة حول أفضلية الشعب اليهودي معتبراً أن الروح غير اليهودية خلقت من الطرف الأنثوي للشيطان، أما ابنه الذي سار على هداه، فأضاف جواز استخدام العنف، كضرورة للإسراع في الخلاص».

ويضيف أبو زايدة «للقدس نصيب الأسد في هذا الفكر المتطرف. ومعظم أعضاء حركة عطيرات كوهنيم المتخصصة في الاستيطان بالقدس العربية، والبلدة القديمة بشكل خاص هم من خريجي هذه المدرسة، ويؤمنون أن المسيح المنتظر يعود عندما يتعزز الوجود اليهودي بالقرب من الحرم الشريف. لهذا هم على استعداد لدفع أي مبلغ لشراء أرض أو مبنى قريب من سور الحرم الشريف، ويستخدمون كل الوسائل لتعزيز وجودهم هناك».

وحول تأثير هذه المدرسة على ثقافة المجتمع الإسرائيلي، أجاب أبو زايدة: «تأثيرها كبير جداً، خاصة فيما يتعلق بالاستيطان فهم وحدهم يرفعون هذه الراية، بخلاف المدارس الدينية الأخرى». أما المرجعية التي يشكلها كوك فيقول أبو زايدة بأنها «المرجعية الروحية والفكرية لتيار الصهيونية الدينية، ولكنها ليست مرجعية للتيارات الدينية اليهودية الأخرى التي تشكل أقلية في إسرائيل».

من أم بريطانية وأب سوداني، يكتب بالإنجليزية وترجم إلى لغات عديدة، كما حصد جوائز قيمة، لكن جمال محجوب، رغم الأدب المرموق الذي يكتبه والمكانة العالية التي يحتلها، ما يزال يجد أن الأجواء الثقافية البريطانية منطوية على نفسها لا تريد أن تحتضن المختلف.

درس في السودان وأكمل في جامعة شيفيلد البريطانية تخصصه في الهندسة الجيولوجية. عمل في الصحافة البريطانية والترجمة، ثم اتجه لكتابة الأدب. له سبع روايات، ويصنف جمال محجوب في الأوساط الثقافية البريطانية ضمن الكتّاب الأفارقة الحداثيين لما بعد الحرب الثانية، الذين يكتبون بمشاعر الحنين الى الماضي الأفريقي ويتحدثون بغضب واستياء عن الوضع الراهن. يستخدم في رواياته تقنية الكتابة الحديثة لنقد الاستعمار البريطاني للسودان على لسان الرواة، بأسلوب رفيع وعدسة دقيقة، تضاهي عدسة الكاتب الغاني غينوا أباشي والنيجيري وول سونيكا، حسب الناقد البريطاني ديفيد كير.

نالت أعمال جمال محجوب عدة جوائز، منها جائزة صحيفة «الغارديان» للقصة الأفريقية القصيرة «هاينمان»، وحازت روايتهTravelling with Djinns، التى صدرت عام 2003 والتى جاءت سيرة ذاتية بأسلوب تهكمي ساخر على جائزة Prix d"Astrolabe بفرنسا. كما حاز جائزة Mario Vargas LIosa للقصة القصيرة بإسبانيا عام 2005. «الشرق الأوسط» التقته أثناء زيارة قصيرة قام بها أخيراً للخرطوم، وأجرت معه هذا الحوار: