فخري كريم لـ «الشرق الأوسط»: نعمل على إصدار كتاب للجميع بعشرات الآلاف من النسخ شهريا

رئيس دار المدى للثقافة: القارئ العربي فقد الثقة بمرجعيته

فخري كريم إلى جانب مجسم بورتريه للجواهري في متنزه الشهيد سامي عبد الرحمن في أربيل («الشرق الأوسط»)
TT

يضطلع فخري كريم بمهام ثقافية متشعبة، فهو على رأس اكبر مؤسسة للثقافة والفنون، دار «المدى»، في العراق، التي تنظم اسابيع ثقافية عراقية - عربية يدعى اليها سنوياً عشرات المثقفين العراقيين وغير العراقيين من جميع انحاء العالم، بالإضافة إلى «نهارات المدى الثقافية» في العراق، وعروض مسرحية وسينمائية وموسيقية ومعارض تشكيلية وفوتوغرافية وجلسات نقدية وشعرية وفنية. وهو يرأس أيضاً مؤسسة «التنمية الثقافية» التي تقدم منحاً شهرية لعدد كبير من المثقفين العراقيين، ولعوائل الراحلين منهم، ممن هم بحاجة إليها. الا ان اهم ما تنجزه هذه المؤسسة، التي لها صحيفة يومية ايضا تحمل اسم «المدى»، هو اشرافها على مشروع «كتاب للجميع» الذي تهيئه دار المدى وتطبعه صحف عربية مختلفة بعشرات الآلاف من النسخ شهريا ليوزع مجانا، الى جانب قيامها بمعارض كتب كبيرة تحتوي على عشرات الآلاف من عناوين مختلف الكتب العربية وغير العربية. مؤسسة «المدى» افتتحت أخيراً مكتباً في العاصمة المصرية، إضافة إلى مكاتبها في بيروت ودمشق وبغداد وأربيل.

هنا لقاء مع فخري كريم يتحدث فيه عن مشاريع المؤسسة، وسلاسل الكتب التي تصدرها، والوضع الثقافي العراقي والعربي، وأيضاً عن الدعوى القضائية التي رفعها في بيروت ضد رئيس تحرير مجلة ثقافية بتهمة التشهير، وهي قضية مرفوعة الآن أمام القضاء اللبناني.

> هناك اتهامات كثيرة تمس «مؤسسة المدى»، وتمسكم أنتم شخصياً، فيما يخص طبيعة العمل وأهدافه والتمويل أيضاً. ما هي أسباب ذلك برأيكم؟

- علينا ان نسأل اولا، ماذا يقدم هذا المشروع، دار المدى للثقافة والفنون، منذ انطلاقه وحتى اليوم ليكون هدفا للتشكيك، وتخوين صاحبه واتهامه. العالم العربي بحاجة الى ألف مؤسسة ثقافية من هذا النوع لاستنهاضه ثقافيا وفكريا. إن هدف هذا المشروع لن ولم يكن ربحيا. عندما انطلقت مؤسسة (المدى) من دمشق اريد لها ان تحمل هوية عربية تقدمية تساعد، في هذا الجو المتلبد، على استنهاض الحياة الثقافية في البلدان العربية. أنا لم أؤسس المدى من اجل مواجهة اية مؤسسة ثقافية عربية اخرى، بل من اجل التعاون مع بقية المؤسسات الثقافية العربية لتطوير مشروعنا الثقافي العربي.

> لكنك استهدفت اكثر من مرة من قبل مثقفين عرب؟

- لماذا استهدف الآن؟ كان صدام حسين قد استهدفني في ثلاث محاولات اغتيال، وبعد هذه السنوات استهدف من قبل مثقفين معروفة هوياتهم. الآن يهاجمون اسبوع المدى لانهم يعتقدون انه عراقي فقط، وهؤلاء هم انفسهم كانوا يستهدفون اسبوع المدى الثقافي عندما كان يقام في سورية ويستضيف مثقفين عربا من السعودية ولبنان وسورية والخليج. كل ما أفعله هو اني اساهم في تفعيل الحياة الثقافية العربية بالتعاون مع مثقفين ديمقراطيين وتنويريين يقفون ضد مخاطر تستهدف منطقتنا وفي مقدمتها التفكر الطائفي او العنصري والارهابي، ومن اجل ان نخلق مناخات ثقافية ايجابية ونؤسس لهوية ثقافية عربية ومشاريع نهضوية. ماذا اجيب من يخونني ويتهمني بشتى الاتهامات ومن اين آتي بشهادة تؤكد باني لست مع الاحتلال بالرغم من ان مواقفي واضحة ومعلنة في صحيفة المدى.

> ما هو السبب في اعتقادك وراء هذه الاتهامات ضدكم؟

- السبب معروف ذلك لأنني نشرت اسماء من كانوا يأخذون كابونات نفط من صدام حسين. انا لم اتهم احداً بل نشرت وثائق صحيحة من ارشيف الحكومة العراقية في عهد النظام السابق. ليس مسموحا على الاطلاق لأي مطبوعة او جهة اعلامية، سواء كانت ثقافية ام لا، ان توجه اتهامات وتشهر بأي شخص مهما كان، ومن غير ان تتوفر على اثباتات، هذا يضع تلك المطبوعة او الجهة الاعلامية تحت طائلة القانون. هؤلاء يريدون ان يتسلل الخراب السياسي العربي الى الوضع الثقافي باعتبار ان الثقافة هي الخندق الاخير للامة العربية. اتساءل هنا ما هي مشروعية اتهام شخص بالخيانة؟ وما هي مشروعية اتهام 800 مثقف عراقي وغير عراقي بالخيانة والعمالة. هؤلاء هم انفسهم من اتهم الفلسطينيين الذين بقوا متمسكين وصامدين بأرضهم بالخيانة. هذه امراض من نسميهم بـ «القومجية». هؤلاء بقايا صوت صدام حسين وممن كانوا يتهافتون على زيارة بغداد واللقاء بأقطاب النظام السابق تحت لافتات المؤتمر القومي العربي. أصوات ما تبقى من الداعمين لنظام صدام لا يمكن ان تعلو على صوت الشعب العراقي.

> هل تعتقدون أنكم ستكسبون القضية التي رفعتموها على رئيس تحرير مجلة لبنانية بتهمة التشهير؟

- ثقتي عالية جدا بنزاهة القضاء اللبناني، كما اني سبق وراهنت على نزاهة القضاء المصري وانتصر لي في قضية سابقة. ولأن القضاء اللبناني عادل، ومن اتهمني يعرف انه سيخسر القضية، فانهم لجأوا الى استصدار وثيقة يطالبون بها بعدم اللجوء الى المحاكم في مثل هذه الحالات، أي انهم يدعون الى قانون الغاب ودولة اللاقانون، في الوقت الذي نسعى فيه لبناء دولة القانون وتكريسها. هم يدعون ان ما قالوه يندرج تحت باب حرية الرأي، فهل من حرية الرأي اتهام 800 مثقف عراقي بالعمالة والخيانة، او اتهامي بسرقة اموال وبالعمل في المخابرات؟ أي حرية رأي هذه. ان دولة القانون هي التي تنظم وتحمي حرية الرأي وبقية الحريات.

> في مثل هذه الأجواء، ما رأيكم في الوضع الثقافي العربي الآن، خاصة العراقي؟

- اعتقد ان للثقافة العربية جوانبها الايجابية، التي هي الآن في لحظة تراكم، ولا بد أن تعبر عن نفسها في المستقبل. لكن الوضع الثقافي العربي عموماً محاصر اليوم بالوضع السياسي الفاسد، ومليء بالمستنقعات التي تتحرك فيها اصوات مضادة لما هو ابداعي.. هناك من لا يريد للثقافة العربية ان تتحول الى عامل لبناء الامة.

أما بالنسبة للمثقف العراقي، فهو لم يكن بعيدا عن المشهد الثقافي العربي، وابداعاته كانت وما زالت ترفد الثقافة العربية في مختلف جوانبها. ان مفخرة المثقف العراقي هي ان النظام الاستبدادي في عهد صدام حسين لم يستطع ان يسلب ارادته. وبقي المثقف العراقي رغم صمته احيانا ينتظر لحظة التحول. وهو اليوم، رغم الاوضاع الامنية غير المستقرة في العراق والهجمة الارهابية، يعيد الحياة الى المسرح والموسيقى والتشكيل والرواية والقصة متحديا مفخخات التكفيريين. هذا في الداخل، اما في الخارج فان المثقف العراقي يتحرك بمساحة واسعة على ساحة الثقافة العربية، سواء بإنجازاته الابداعية او بسجالاته بالرغم من انه يعيش محنة الاغتراب القسري. انا اؤمن ان الثقافة العراقية تلعب دورا مؤثرا في تجديد ونهوض الثقافة العربية.. قديما كانوا يقولون ان الكتاب يؤلف في بيروت ويطبع في القاهرة ويقرأ في بغداد، اليوم الكتاب يؤلف ويطبع ويقرأ في بغداد، من غير ان اعني التقليل من اهمية الانجاز الابداعي، سواء في بيروت او القاهرة او أي مكان عربي آخر.

> انت تتواجد في كردستان العراق، ولك محاولات في تشكيل ثقافة عراقية كردية وعربية خاصة من خلال اسابيع المدى التي عقدت في اربيل، كيف تنظر لانجاز المثقف الكردي العراقي؟

- للاسف هناك من يحاول ان يشهر بالمثقف الكردي، وبالتالي بالشعب الكردي ويضع المثقف الكردي في مواجهة امام الثقافة العربية، مع انه لا توجد مثل هذه المواجهة. ليأتي هؤلاء «القومجية» ويروا ان قامات ثقافية كردية تلعب دورا مهما في اغناء الثقافة العربية. وهذه الحالة ليست بجديدة فعلى مدى التاريخ كانت هذه العلاقة المتمازجة بين المبدع الكردي والثقافة العربية، وعلينا ان نذكر ان ابرز شاعرين عراقيين يحسبان على الشعر العربي هما الزهاوي والرصافي وهما كرديان اصلا.

رغم الفصل الاستبدادي الذي جرى في عهد صدام حسين لعزل كردستان، الا ان المثقف الكردي لم يغب عن الثقافة العربية، والكتاب العربي كان وما يزال يدخل بغزارة الى كردستان، ومتابعة المثقف الكردي للثقافة العربية هي افضل حالا من متابعة الكثير من المثقفين العرب العراقيين في مناطق اخرى من العراق. وهناك جهود حقيقية لرفد الثقافة العراقية بانجازات ابداعية وبروافد عربية وكردية وتركمانية وآشورية لتلعب دورا مؤثرا في الساحة الثقافية العربية ككل. ونحن في اسبوع المدى الثقافي الذي اقيم اخيرا في اربيل،عاصمة اقليم كردستان، عمقنا حالة التلاقي بين المثقفين العرب والاكراد والتركمان والآشوريين، حيث اجتمعوا على مدى سبعة ايام او اكثر تحت سقف واحد والقوا قصائدهم وقصصهم وقدموا مسرحياتهم وموسيقاهم وأغانيهم، وعرضت كتبهم في معرض واحد للكتاب.

> ما هي النشاطات التي تضطلع بها مؤسسة «المدى»؟

- هناك اسبوع المدى الثقافي، ونهارات المدى الثقافية التي تستضيف مثقفين في مجالات كثيرة، مثل القصة والرواية والشعر والفوتوغراف والمسرح والسينما والنقد والعمارة والتشكيل، كما كرمت المؤسسة مبدعين عراقيين مثل رائد المسرح العراقي يوسف العاني والمسرحية الرائدة ناهدة الرماح والروائي الراحل فؤاد التكرلي، وغيرهم من الاسماء المبدعة. وكذلك ننشر «كتاب المدى»، وهناك «عروض المدى» المسرحية والموسيقية، ومعارض الكتب التي تنظم في اربيل خلال شهر ابريل (نيسان). وفي هذه السنة، سننظم «اسبوع المدى في بغداد»، الذي سيفتتح في ملعب الشعب الدولي لإتاحة فرصة اكبر للعراقيين للمشاركة فيه، ولإغناء الحياة الثقافية في بغداد. سيكون اسبوع المدى الثقافي شكلاً من اشكال التلاقح بين ثقافة القوميات ومد الجسور بين المثقفين من بغداد الى البصرة والأنبار وكردستان.

> تضطلع مؤسسة المدى بمشروع «كتاب للجميع»، ترى ما هي فكرة هذا المشروع وكيف يتم تمويله؟

- الفكرة هي ان مؤسستنا تهيئ الكتاب وتقوم صحف عربية عدة بطباعته وتوزيعه مجانا مع صحفها، وهو مشروع ثقافي كبير ومهم، اذ يهيئ للقارئ العربي مختلف العناوين، وفي مخططنا اصدار 100 عنوان جديد واعادة طباعة كتب مهمة. نحن لا نقوم سوى باختيار الكتاب وترجمته اذا كان اجنبيا. هناك بعض الجهلة يقولون من اين لفخري كريم كل هذه الاموال لطباعة عشرات الآلاف من الكتب وتوزيعها مجانا. نحن لا نمول هذه الكتب مثلما ذكرت، بل بعض الصحف العربية، هناك مثلا صحيفة لبنانية تطبع 20 الف نسخة من الكتاب شهريا.

> هل تعتقد انه ما يزال هناك كم كبير من القراء العرب؟

- كن على ثقة ان القارئ العربي موجود، وهو دائما يبحث عن كتاب جيد. القارئ والثقافة العربية لم تتراجع مثلما يعتقد البعض، بل ان المرجعيات الثقافية هي التي سقطت، ثم فقد القارئ العربي ثقته بها. القارئ العربي ينتظر مؤسسات ومرجعيات ثقافية يثق بها. الآن في العالم العربي هناك مثلا آلاف الشركات التي تنتج حلويات، لكن لا نجد شركة واحدة كبيرة تهتم بإنتاج وتوزيع الكتاب.