ربيع الثقافة في البحرين مر باهتا

خلاف قطاعي الإعلام والثقافة انعكس على المشهد الثقافي

فيروز في مهرجان «ربيع الثقافة»
TT

لم يتمكن مهرجان ربيع الثقافة في البحرين، على الرغم من تعدد فعالياته وانتشارها على مساحة شهر من الزمان، أن يحدث ما كان يصنعه في نسختيه السابقتين من جدل وتحريك للحوار والسجال في المشهد الثقافي البحريني.

وعلى الرغم من اكثر من 30 فعالية عالمية ومحلية، إلا أن المهرجان غاب بشكل شبه كامل عن المشهد الثقافي، وأحدث الانقسام الصامت في جناحي وزارة الاعلام الذي يحاول طرفاه: الإعلام والثقافة، التكتم عليه ومداراته، وهو ما انعكس على أداء المهرجان وتغييبه عن المشهد الثقافي.

ورغم الرصيد العالي الذي سجله مهرجان ربيع الثقافة في عاميه الاولين، إلا إنه يكاد يمرّ من دون أن يسجل لنفسه هذا العام حضوراً بارزاً في الاهتمام الثقافي، في حين شهدت البحرين فعاليات ثقافية بارزة، كان أهمها معرض الكتاب ويوم الشعر والمسرح، وهي فعاليات لم تنضو تحت مظلة مهرجان الثقافة، مما يعزز الاتهام بوجود خلل في التنسيق.

وكيلة وزارة الإعلام المساعدة للثقافة والتراث الوطني الشيخة مي بنت محمد آل خليفة قالت لـ«الشرق الأوسط»، إنه من البديهي أن يتم الفصل بين قطاعي الثقافة والاعلام أسوة بكل الدول العربية، لكنها خالفت القائلين إن المهرجان يسير نحو نهايته، بل انه يتجه إلى الافضل، كما ترى.

بينما يقول مثقفون بحرينيون، إن مهرجان ربيع الثقافة 2008 كان في أدنى مستوياته، كما تأثر إلى حد كبير بالانقسام بين أجهزة وزارة الإعلام، وكذلك الانقسام الذي انعكس على المثقفين البحرينيين.

فعلى مستوى المضمون، غلبت على المهرجان الفنون الأدائية، وغابت على نحو واسع الأعمال الفكرية التي تميزت بها المهرجانات في السابق وأحدثت حراكاً ثقافياً واسعاً، من قبيل الندوات التي شهدت في العامين الماضيين حضور المفكر محمد اركون، وأدونيس، ومحمود درويش، والرئيس الايراني السابق محمد خاتمي، وقاسم حداد، وغيرهم.

وكانت الحفلة الأكثر صخباً العام الماضي، أمسية تزاوج فيها الشعر بالموسيقى، وأحياها الفنان اللبناني مارسيل خليفة، والشاعر قاسم حداد، ورافقتها عروض أدائية ورقصات، وشهدت إحدى اللقطات الاستعراضية لقصة (مجنون ليلى)، هجوماً عنيفاً من قبل التيار الديني في البحرين، واحتج أعضاء في البرلمان على لقطة قالوا إنها تضمنت إيحاءات جنسية، وحركات خادشة للحياء، وهو الجدل الأبرز في مهرجان العام الماضي.

في حين كانت جميع فعاليات هذا العام بعيدة عن الاثارة، وهو ما يفسره مثقفون في البحرين بأن المنظمين ارادوا تجنيب الساحة مساجلات اضافية، في حين قالت الشيخة مي الخليفة لـ«الشرق الأوسط»، إن جهة التنظيم راعت نتائج التقييم الذي حدث العام الماضي.

مهرجان هذا العام، كان باهتاً أيضاً، من حيث غياب الإعلام، وغياب الحملات الترويجية، ولم ينظم حتى مؤتمر صحافي واحد، وكما يقول صحافي ثقافي هو حسين المرهون، فإن الاعلاميين لم يجدوا أمامهم أحداً يتحدثون معه من جهات التنظيم، ولم يكن هناك هيكل اداري واضح أو متحدث معروف باسم المهرجان، وجميع العاملين ليست لديهم الصلاحية لتقديم معلومات للصحافة.

ومما يعكس الجدل الداخلي، صدور بيان تضامني اصدره مثقفون بارزون في البحرين، وبيان آخر لمثقفين بحرينيين وعرب صدر في باريس يدعم وكيلة وزارة الإعلام المساعدة للثقافة والتراث الوطني الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، ويعرب فيه الموقعون عن «دعمهم وتضامنهم مع الجهود التي تبذلها، في تطوير الثقافة وتعزيز مكانة البحرين على الصعيد العالمي في مجالات الإبداع الإنساني المتعددة». ووقع البيان نحو خمسين شخصية أدبية وفنية وإعلامية وثقافية عربية بينهم أدونيس، ومارسيل خليفة، والطيب صالح، وعبد الله الغدامي، ومعجب الزهراني، وجمال الغيطاني، وقاسم حداد، وجمال فخرو.

وأدى الانقسام بين المثقفين البحرينيين إلى تراخي الحماس بشأن مهرجان ربيع الثقافة، وانعدم التنسيق بين الجهد الذي يقوم به منظمو المهرجان، وهما على نحو الخصوص مجلس التنمية الاقتصادية، وقطاع التراث والثقافة في وزارة الاعلام، وبين مؤسسات المجتمع الاهلي الثقافية، وكان هذا الغياب بارزاً في العديد من الفعاليات التي تضج بها البحرين خلال شهري مارس (آذار) وابريل (نيسان)، من دون ان تدخل ضمن فعاليات مهرجان ربيع الثقافة، أو يتم التنسيق بين مواعيدها.

من هذه الفعاليات معرض الكتاب، وهو أحد أبرز معارض الكتب في الخليج، ويشهد حضوراً كثيفاً لدور النشر والمثقفين، وفي هذا العام يشهد حفلات توقيع لأكثر من ثلاثين مثقفاً عربياً، بينهم نحو 17 مثقفاً ومؤلفاً من البحرين، ولا يدخل هذا المعرض ضمن فعاليات مهرجان ربيع الثقافة.

كذلك بالنسبة للاحتفالية الكبيرة التي تنظمها اسرة الأدباء للعام الخامس على التوالي بيوم الشعر العالمي، التي تستضيف هذا العام شعراء من مصر وايران والاردن واليمن والسعودية، وأقامت على مدى أسبوع فعاليات شعرية حاشدة، وهذه جميعاً لم تكن ضمن غطاء مهرجان ربيع الثقافة. ومن بين الفعاليات ايضاً، الاحتفالية بيوم المسرح العالمي.

وبسبب انخفاض سقف التوقعات لمهرجان هذا العام، تساءل مثقفون عن مصير مهرجان ربيع الثقافة، وقال بعضهم لـ«الشرق الأوسط» إن الحماس لهذا المهرجان انخفض على نحو كبير، إن بشأن غياب مشاركة البحرينيين في فعاليات المهرجان، حيث اتيحت لبعضهم الفرصة هذا العام، أو بشأن الجدل الفكري والايديولوجي، حيث قلصت مساحة الترويج عبر الاعلانات في الطرقات للفعاليات جميعاً، مما غيّب الفعاليات الفنية التي تحتوي استعراضات راقصة، وهي ما كان يستفز التيارات الدينية في السابق.

يذكر أن مهرجان ربيع الثقافة 2008 ينظمه مجلس التنمية الاقتصادية بالاشتراك مع مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث، بالإضافة إلى مراكز للفنون وصالات عرض أخرى من البحرين، هي: صالة الرواق للفنون، مركز لافونتين للفن المعاصر، صالة دار البارح، وجمعية البحرين للفنون التشكيلية. ويحظى مهرجان هذا العام برعاية من شركة ممتلكات البحرين القابضة.

مصدر في مجلس التنمية الاقتصادية أفاد لـ«الشرق الأوسط» بأن رغبة المجلس، الجهة الأبرز في تنظيم مهرجان ربيع الثقافة، هي أن يعكس «صورة مشرقة للتعاون بين مختلف مؤسسات الدولة من أجل تحقيق التنمية الثقافية والاقتصادية المتكاملة». وقال المجلس إنه «يحرص على أن يحتفظ المهرجان بصبغته المحلية والدولية المعهودة، ويحرص أيضاً على أن يكون مهرجان ربيع الثقافة مستمراً مع كل ربيع في كل عام ليطلع عليه الشعب البحريني، والسياح الآتون من الدول المجاورة، وأن تصل سمعة المهرجان إلى سمعة مهرجانات عالمية، مثل مهرجان بيت الدين ومهرجان جرش». وأضاف مجلس التنمية الاقتصادية أنه يحرص على أن يكون مهرجان ربيع الثقافة وعاء ثقافيا شاملا تنصهر فيه مختلف الثقافات العالمية بشكل متميز يكرس الحوار الفني الراقي بينها، وأن يبرز القدرات والمواهب الخلاقة لأبناء البحرين المبدعين، الذين أثبتوا جدارتهم بشهادة المراقبين والمهتمين الدوليين. ولا يستبعد مجلس التنمية الاقتصادية إمكانية تحقيق ارباح مالية من الفعاليات الثقافية التي يرعاها ضمن مهرجان ربيع الثقافة.

. ويتوقع المجلس أن تكون المساهمة الاقتصادية للمهرجان بارزة من خلال إقامة عدة فعاليات متنوعة في أوقات مختلفة، لكن متتالية ومنها فعاليات مهرجان ربيع الثقافة وسباق الفورمولا-1. لكنه اكد على أن «الأهم هو أن يساهم المهرجان في إثراء الحراك الثقافي والتراثي الوطني، وينجح في تقديم صورة مشرقة للتراث والثقافة البحرينية».

* الفعاليات

* ضمت فعاليات المهرجان في دورته الثالثة هذا العام أكثر من 30 فعالية على مدى خمسة أسابيع، بدأت في الأول من مارس وتستمر حتى مطلع أبريل، موعد سباق الفورمولا – 1، بالإضافة إلى عروض الموسيقى والرقص والمسرح والفنون البصرية والاستعراضية العالمية والإقليمية والمحلية، والشعر والأدب والصحافة ومعارض الفنون التشكيلية والنحت.

وكان أبرز فعاليات هذا العام الحفل الكبير للفنانة اللبنانية فيروز، الذي أقيم في قلعة عراد يوم 12 مارس. وشهدت حفلتها نفاد التذاكر خلال اقل من ساعة من طرحها للبيع، الا انها ظهرت بعد ذلك في السوق السوداء لتباع بأسعار تجاوزت 400 دينار.

وخصص هذا العام برنامج للأطفال والعائلة، من خلال سبع فعاليات، مسرحية وفنية مثل، مسرحية «الحديقة اليابانية»، وهي عرض مسرحي تفاعلي مبتكر يجمع ما بين الرقص ورواية الحكايات ومشاركة الجمهور. ويتم عرضه مرتين في مركز سلمان الثقافي ابتداء من اليوم إلى 29 مارس. وكان الحكواتي المعروف «روجر جنكنز» قد قدم للأطفال حكاياته التي يستخدم فيها الدمى المتحركة والأقنعة في ذات المركز في 15 مارس، وعرض أيضاً «جامب» وهو عرض فني استعراضي كوري من أكثر العروض مبيعاً على الصعيد العالمي، في قلعة عراد في 12 و22 مارس.

وكان هناك أيضاً عرض «جو لويس» من تايلند، للدمى المتحركة، وحضرت أيضاً فرقة «ليتل وود» الصينية للفنون القتالية، التي تجمع ما بين الفنون القتالية، والرقص الحديث والموسيقى، وتجهيزات الإضاءة المتطورة، والتكنولوجيا المسرحية الحديثة. كذلك شهد هذا العام عروضاً فنية «الفلامنكو»، للموسيقى والأغاني والرقص الغجري، وفعاليات اخرى.

وضمن فعاليات ربيع الثقافة، كانت هناك امسية شعرية وصدور كتاب للشاعر قاسم حداد، ومعرض تشكيلي لفنانات خليجيات، وآخر لسبعة فنانين عالميين.

وتقام فعاليات ربيع الثقافة على كل من، قلعة عراد، ومتحف البحرين الوطني، والبيوت التاريخية في المحرق، وصالات عرض من القطاع الخاص.