معرض الكتاب في باريس يسجل انخفاضا في معدلات الدخول

21.000 كتاب مترجم من العبرية إلى الفرنسية بيعَ خلال 6 أيام

جانب من معرض باريس
TT

معرض الكتاب في باريس هو أهم التظاهرات الثقافية في فرنسا وبمثابة أكبر أسواق الكتب على الإطلاق.

رغم ذلك، استقبل هذه السنة 165.000 زائر، مسجلا بذلك انخفاضاً محسوساً في معدلات الدخول مقارنة بالسنة الماضية، إذ وصلت إلى نسبة 8% حسب النقابة الوطنية للنشر، الهيئة المُنظمة للمعرض وبين 10 % إلى%15 حسب مصادر الناشرين الذين قيموها انطلاقا من حساب مبيعاتهم. المعرض عرف مشاركة 1200 ناشر ومتعاون و2000 كاتب ومبدع، ممن عرضوا إنتاجهم على امتداد 50.000 متر مكعب.

الطبعة الثامنة والعشرون من المعرض كانت ممّيزة بأخبار المقاطعة العربية احتجاجا على الاحتفال بإسرائيل كضيفة شرف بالتوافق مع الذكرى الستين لقيام الدولة العبرية. الإعلان عن أخبار المقاطعة رافقته إجراءات أمنية مشّددة تمثلت في عمليات تفتيش دقيقة لأغراض وحقائب الزوار، بدأت مع افتتاح المعرض من طرف الرئيس نيكولا سركوزي برفقة ضيفه الإسرائيلي شيمون بيريز وبحضور وزيرة الثقافة كريستين البانيل. المعرض تمّيز أيضا هذه السنة بتنظيم جديد للأجنحة صُمم بطريقة عمودية تسمح بالتنقل بين مختلف الأجنحة بسهولة مع الاحتفاظ برؤية شاملة عن المعرض، كما تمّ تعزيز اللافتات الاستعلاماتية داخل وخارج المعرض وإنشاء فضاء جديد للنقاش والمحاورة يسمى بـ«مكانة الكتب»، يضم 40 لقاء يشرف عليه كتاب ومسؤولون عن شركات النشر ويتوجه لجميع الفئات الشعبية المهتمة بعالم الكتب ولاسيما الكتّاب الناشئين الذين يحلمون بصعود سُلم المجد والشهرة ويهمهم التعرف عن كثب على كواليس شركات النشر والاستفادة بشهادات الكتاب المشهورين. واحتوى المعرض هذه السنة لأول مرة على «قرية المانجا» التي كانت مقصد حشد كبير من الشّبان ممن تهافتوا على روايات دراغون بول زاد وبوكيمون. وهذا النوع من القراءات يعرف منذ أواخر التسعينيات شهرة واسعة في أوروبا وفي فرنسا بالتحديد التي أصبحت ثاني أكبر مستهلك لهذا النوعية من القصص المّصورة بعد اليابان البلد الأصلي بمبيعات تصل إلى 10.000 نسخة سنوياً، كما ضمّ معرض الكتاب لأول مرة جناح «قراءات الغدّ» الذي قُدمت فيه النماذج الأولى للكتاب الرقمي المزمع تسويقها مع بداية العام المقبل. وعرضت في الجناح الذي امتد على مساحة 500 متر مكعب أول موسوعة رقمية وأول مكتبة رقمية سميت «غاليكا II»، وهو المشروع الذي تستعد «مكتبة فرانسوا ميتران» لإطلاقه قريبا. المسؤولون عن الجناح حاولوا طيلة أيام المعرض الترويج للكتاب الرقمي الذي قالوا انه «مستقبل الكتاب»، مؤكدين أن سعره المرتفع نسبياً من 300 إلى600 يورو سيعرف مع الدخول المدرسي انخفاضا يصل إلى100 يورو وشرحوا للزائرين ميزاته وكيفية استعماله. «قراءات الغد» عرف إقبالا ملحوظا من طرف الفرق المدرسية، حيث اهتم كثير من التلاميذ بفكرة الكتاب والمحفظة الرقمية الخفيفة الوزن وذات القدرة الاستيعابية الكبيرة (نموذج سوني مثلا يزن 250 غراماً ويمكنه استيعاب 7500صفحة)، وأعربوا عن ترحيبهم بالفكرة طالما أن ذالك يعني نهاية آلام الظهر وعصر المحفظة المثقلة بالكتب.

وإن كانت معدلات الدخول قد سجلت انخفاضاً ملحوظاً، إلا أن الإنتاجات الأدبية للكتاب الإسرائيليين يبدو وكأنها حازت الكثير من الإقبال؛ فالجدل الذي رافق هذه التظاهرة الثقافية التي حضيت بتغطية إعلامية ممّيزة هذه السنة ساهم في إذكاء صيت الكتاب الإسرائيليين الذي لم يكن الجمهور الفرنسي يعرفهم من قبل. إقبال كبير بل وأحيانا تدافع شهده جناح (T) الذي استقبل نماذج من هذه الأعمال منذ اللّحظات الأولى للافتتاح. أكبر جزء من زوار جناح إسرائيل فرنسيون ذوو أصول يهودية ومعظمهم أتى من أجل كتب أموس أوس وديفيد كروسمان المشهورين أساساً على المستوى العالمي. أروقة المعرض عرفت أيضا حضور الزوار العرب، لكن بأعداد أقل من المعهود، معظمهم أكدوا أنهم قدِموا من أجل الكتب، لكنهم قاطعوا الجناح الإسرائيلي للتعبير عن احتجاجهم على ما يحدث من مجازر في حق الفلسطينيين. فاطمة مهاجرة مغربية الأصل رافقت ابنتها وقالت إن البلدية التي تنتمي إليها ضاحيتها البعيدة من باريس هي التي تكفلت بهذه الزيارة، وهي لم تُرد حرمان ابنتها من هذه الفرصة، خاصة وأنها تحثها دائماً على المطالعة واقتناء الكتب. وتضيف: «لا أعتقد أن حضوري سيغير شيئاً في القضية الفلسطينية، لكني سأضيع على ابنتي فرصة ذهبية للاستفادة من هذا الفضاء الثقافي. أما مليكة الجزائرية الأصل فهي تقول إن موضوع المقاطعة خلق جدالا حقيقيا داخل أسرتها، فهي تعودت زيارة المعرض كل سنة مع والدها، لكنه قاطع المعرض هذه السنة، بينما فضلت هي الحضور لأنها تبحث عن كتب نادرة تعتقد أنها ستجدها حتماً في المعرض، وهذا لا يعني أنها لا تؤيد قرار المقاطعة، لكنها ترى أن الدوائر الثقافية الرسمية أكثر حظاً في إسماع صوتها من بعض الأفراد المعزولين».

وقال الدكتور حمدان حجاجي كاتب وأستاذ جامعي من المغرب، إن «المعرض كتظاهرة ثقافية مهمة هو أحسن منبر يسمح لنا بالتعريف بآرائنا وشرح موقفنا إزاء ما يحدث في فلسطين، يجب استغلال هذه الفرصة فالغياب لن يفيدنا في شيء».

بوعلام صنصال الكاتب الجزائري الفرانكوفوني الذي لقيت روايته الأخيرة: «قرية الألماني» و«مذكرة الإخوة شيلر» (دار نشر غالمار) هجوماً شديدا من طرف الصحافة والجهات الرسمية الجزائرية، جلس في جناح ناشره الفرنسي غالمار يوقع على اهداءات للمعجبين وصرحّ لنا بما يلي: «لا أعتقد أن تحميل الكتاب العرب نظراءهم الإسرائيليين مسؤولية السياسة التي تطبقها حكوماتهم هي خطوة ذكية، ما ذنب هؤلاء الكتاب؟ أنا أتيت من اجل الثقافة وحب الكتب ولا أريد حرباً مع أحد». نفس الموقف تبناه الكاتب المغربي طاهر بن جلون الذي، وإن قاطع حفل افتتاح المعرض، وكذالك مأدبة العشاء التي دعاه إليها الرئيس نيكولا ساركوزي على شرف الرئيس شيمون بيريز، إلا أنه حضر فعاليات المعرض، وقال إن «الدعوة وجهت للأدب الإسرائيلي وليس للسياسة الإسرائيلية، وليس طبيعيا أن نقاطع أدباء ومبدعين لا يمثلون إلا مواقفهم الخاصة ولا شيء آخر، لقد قرأت للكاتب الإسرائيلي أموس أوز والتقيت مع ديفيد كروسمان في عدة مناسبات، وهو ما سمح لي بالتحاور معهم، وكنا متفقين في كل مرة على أن الحوار هو الذي سيدفع بالأمور إلى الأمام وليس العكس، تمنيت لو أن الكتاب العرب حضروا المعرض ليشرحوا موقفهم وينددوا علنا بجرائم الجيش الإسرائيلي، وهو ما كان سيخدم القضية الفلسطينية أكثر».

المنظمات الفرنسية التي تناضل من أجل حقوق الشعب الفلسطيني شاركت بصفة احتجاجية في المعرض وقد قامت في الجناح المخصّص للجمعيات بتوزيع منشورات على الزوار ندّدت فيها بتجاوزات الجيش الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، كما اغتنمت الفرصة للاحتجاج والتظاهر خارج المعرض مرتين: الأولى يوم الافتتاح ومرة أخرى يوم الأحد الذي سجّل أكبر معدلات الدخول. الجمعيات الفرنسية لم تكتف بهذا القدر، بل راحت تدعو لتنظيم حملة لمناصرة للشعب الفلسطيني بمناسبة مرور ستين عاما على ذكرى النكبة كنوع من الرّد على تكريم إسرائيل في ذكرى قيام دولتها.

الحدث الذي سيعرف تنظيم عدة تظاهرات ثقافية وفنية، بُرمج بالتعاون مع الجمعيات الإنسانية التي تنشطُ في فلسطين بتاريخ 17 مايو(أيار) المقبل في باريس. كما قامت بتنظيم ندوات ولقاءات فكرية على هامش المعرض مع شخصيات إسرائيلية تدعو إلى السلام. المنظمون الفرنسيون أكدوا أن المعرض لم يتأثر بالمقاطعة العربية، بقدر ما تأثر بالإجراءات الأمنية المشّددة التي أرقت الزوار وأضعفت حماسهم بعد أن وجدوا أنفسهم مضطرين للانتظار في طوابير طويلة أمام بوابات الدخول.