ظاهرة سعودية روائية.. تأشيرة الشهرة عبر «الممنوع»

نقاد وناشرون وكتاب شباب يتحدثون عن أعمال «تعتمد على عناوينها»

من معرض الرياض الأخير ومجموعة من الكتب المثيرة للنقاش («الشرق الاوسط»)
TT

في تعليق سابق، اعتبر الوزير والأديب السعودي غازي القصيبي، أن منع الأعمال الأدبية في السعودية أفضل وسيلة لتسويقها، فـ(كل ممنوع مرغوب) كما يقال، لكن لقصة الأعمال الأدبية الممنوعة في السعودية طابعاً خاصاً، حيث تجد شباناً سعوديين يجوبون معارض الكتب هنا وهناك بحثاً عن ثمة أعمال ممنوعة، من دون الاكتراث للقضية الفكرية أو الأدبية التي تحتويها هذه الأعمال، وهذا بدوره أعطى لبعض الروائيين الشباب في السعودية فكرة البحث عن هذه التأشيرة، وإلصاق صفة (ممنوع) بأعمالهم الأولى، حتى يزيد الطلب عليها وبالتالي يحققون الشهرة والانتشار اللذين يرغبون فيهما مع صدور العمل الأول، رغم أن قسماً من هذه الأعمال ضعيف وصادم للقارئ.

«الشرق الأوسط» ناقشت هذه القضية مع عدد من الروائيين السعوديين الشباب، كما استطلعت رأي بعض النقاد والناشرين السعوديين حول هذه الظاهرة.

البازعي: اللعبة ليست جديدة

* الناقد الأدبي الدكتور سعد البازعي يقول: من الصعب إطلاق حكم عام على كل الأعمال الروائية السعودية بأنها تتعمد إثارة مواضيع بهدف منعها، ولكن هناك أعمالاً روائية تعتمد ذلك بشكل واضح من عناوينها، وقد تحققت الشهرة لبعض هذه الأعمال وسجلت أرقاماً عالية في المبيعات لمجرد أنها منعت.

وأضاف البازعي: «إن لعبة إثارة مواضيع جنسية أو دينية والتركيز عليها في الأعمال الأدبية، ليست جديدة على الرواية السعودية فهذا تقليد أدبي عالمي اكتشفه الروائيون العالميون منذ فترات طويلة جداً، لكن السؤال المطروح هل هذه الأعمال ضعيفة؟، فهذا أيضاً حكم عام، لأن هناك أعمالا تقتحم الممنوع لكنها ليست ضعيفة، كما أن هناك أعمالا اقتحمت أسوار الممنوع وكانت ضعيفة على كل المستويات.

ويشير الدكتور البازعي إلى أن القارئ يتحمل ما يمكن وصفه بالصدمة الناجمة عن فشل هذه الكتب في إقناعه، فإذا كان القارئ واعيا ولديه حس فني ونقدي قد يصاب بخيبة أمل أو صدمة عندما يجد هذه الأعمال بمستوى فني متردٍ، لكن هناك قراء عندما يبحثون عن الأعمال الممنوعة يبحثون عن المثير نفسه ولا يهمهم المستوى الفني، بل على العكس سيصدمون لو لم يجدوا في هذه الأعمال الإثارة التي يتخيلونها، وسيعتبرون المنع أو عنوان العمل تغريراً بهم، عندما لا يتضمن العمل إثارة من النوع الرخيص.

ويقول البازعي: «إن الروائيين والروائيات في السعودية أمعنوا في هذه اللعبة، وهي لعبة سهلة على حد وصفه، وبعضهم لا يبالي بما يسمى أدبا رفيعا أو أدبا متميزا أو تاريخيا، لذا تم نشر أعمال لا تستحق ان تنشر تحت عنوان الإثارة بهدف الوصول إلى أكبر عدد من القراء. وبالمناسبة هذه اللعبة أغرت الكتاب وحتى النقاد، فبعضهم ينشر إصدارات شبيهة بالمفرقعات من الأحكام لإثارة الناس فقط، وهي لعبة مشابهة للعبة الإثارة الجنسية أو الدينية في الأعمال الروائية الممنوعة، فعادة من يطرح موضوعاً طرحا هادئا ورزينا، يكون توزيعه محدوداً ودائرته ضيقة، بينما من يصدر المفرقعات والأحكام المثيرة يكون الإقبال عليه أكثر وتوزيعه أكبر.

السهيمي: البحث عما لا يقال

* الروائي علوان السهيمي، الذي أصدر رواية «الدود»، وهي واحدة من الروايات التي منعت في معرض الرياض للكتاب الذي نظم أخيراً، يقول لـ«الشرق الأوسط»: ان المنطقية في الطرح، بمعنى أن للحياة في الرواية بعدا منطقيا يتصوره القارئ، تجبر الكاتب أحيانا على قول ما لا يقال كي يجعل من القارئ أكثر تفاعلا إزاء نصه الذي يكتبه. فعندما كتبت «الدود» لم أتخيّل الرقيب أبداً، فأنا أكتب بمعزل عنه، أكتب منطقية الحياة ورقاً، وهذه المنطقية تجعل مني أحيانا أدخل في عمق الشخصية، وعمق الحياة داخل الشخوص لأبين للقارئ أن الحياة هكذا. وإذا حدث تجاوزات – كما يقول الرقيب - فأنا لم اقصدها في الأساس لأن الحياة داخل النص تحتاج لهذا الأمر. أما مسألة أن أثير الرقيب لمنع كتابي أو أن أتجاوز ما يسمح به الرقيب لمنعه وبالتالي أزيد من انتشاره، فلا أعتقد أن المنع في أي مكان في العالم يساعد على الانتشار، حتى لو كان من باب (كل ممنوع مرغوب) فستجد قارئا ما في تلك البقعة التي مُنع فيها الكاتب لا يستطيع الوصول إلى كتابك وبالتالي أنت تخسر هنا قارئا. لكن ما نحتاجه أن يعيد الرقيب تحكيمه للنصوص، لأننا في زمن الكتاب الالكتروني، ومنع الكتاب الورقي في زمن الكتاب الالكتروني مفارقة في تصوري.

بادي: «حب في السعودية» ضخمتها الصحافة

* أما إبراهيم بادي صاحب رواية «حب في السعودية»، التي صدرت في عام 2006 وطبعت مرتين، فيقول: «شهد عام 2006 ولادة خمسين رواية سعودية، وضمن هذا العدد خمس روايات فقط اصطلحت الصحافة الثقافية على تسميتها «روايات إباحية»، فكيف يدعي البعض أن الأعمال الروائية السعودية تعتمد الجنس موضوعاً لها، وتتحدث عنه بشكل مسرف؟ من الخمسين رواية التي صدرت داخل السعودية، هناك 26 رواية لا تتضمن أي نقد ديني، كما أنها لا تتحدث عن الجنس، بينما الروايات التي صدرت خارج السعودية كان عددها 24 رواية فقط، وهذا العدد، الذي يمثل النصف تقريباً، قد يتضمن نقداً لبعض الممارسات».

ويرى إبراهيم بادي أن ما يسمى بالأدب الإباحي في الرواية السعودية ليس من اكتشاف السعوديين لكنه قضية عالمية، لكن عندما تتحدث خمس روايات من أصل خمسين رواية عن (الايروتيكية) في الأعمال الأدبية السعودية فهناك خلل، يجب أن يزاد هذا العدد إلى 20 في المائة من المنتج الروائي، لأن هذا الجانب مهم في الحياة.

ويشير بادي إلى أن ما يتضمن «نقداً دينياً» لا يتجاوز 10 روايات فقط وثلاث من هذه الأعمال كتبت بأسماء مستعارة، مضيفاً أن الرواية لا تقدم نقداً دينياً أبداً، لأنها عمل إبداعي أدبي خيالي فقط، ومن يقرأها له حرية تفسيرها على الوجه الذي يريد، لكن من يكتب رواية ويظن أنه يقدم من خلالها نقداً أو اصلاحاً فهو مخطئ. ويدعم وجهة نظره بقوله: «إن الكتاب في الوطن العربي قليل الانتشار، والدليل أن كبار الكتاب والأسماء المهمة في المشهد الثقافي العربي، لا يطبعون أكثر من 3000 نسخة كل عشر سنوات في أفضل الأحوال».

ويعتقد إبراهيم بادي أن الأدب عبارة عن «تضخيم لبعض الجوانب على حساب أخرى، كذلك التكثيف والمبالغة، وهذا ينسحب على كافة أشكال الأدب والفن، وبالتالي فتضخيم الجانب الديني أو الجنسي في الأعمال الأدبية لا يشذ عن هذه القاعدة، والمشكلة التي نعاني منها مع صدور أية عمل يتحدث عن الدين أو الجنس، قلنا إنه يحكي عن المجتمع السعودي، وهذا خطأ كبير، لأنه لا يوجد عمل يحكي عن المجتمع. الكاتب يتحدث في العمل بحدوده الشخصية فقط».

ويتوقع إبراهيم بادي أن يكون لدى بعض الروائيين هدف من إثارة بعض القضايا، لمنع أعمالهم، لكن المسؤول ليس الروائيين وإنما المطبلون لهم.

الحوشان: روايات تحت الشراشف

* ويعلق الكاتب والناشر السعودي عادل الحوشان، صاحب دار «طوى» للنشر، التي أصدرت أخيراً مجموعة من الأعمال الروائية لمؤلفين سعوديين، على ظاهرة الروايات الأخيرة التي يمثلها جيل الشباب، معتبراً أنها أصبحت تميل إلى استغلال المرحلة الاجتماعية والدينية والسياسية.

وقال: «إن بعض المحاولات الروائية أشبه ما تكون بمحاولات للتأثير في مجريات هذه المرحلة، أو تأتي كشاهد عليها، أو ككاشف لبعض مظاهرها، مثلما يحدث أو حدث في أكثر من رواية صادرة خلال العامين الماضيين».

ويعتقد الحوشان أن هناك ما يسميه «ذكاء خائنا» في أذهان من يكتبون حكايات تتعلّق بموضوعي الجنس والدين بعيداً عن شروط الرواية فنياً.

ويضيف الحوشان: «إن هذا «الذكاء الخائن» يأتي على حساب المرحلة الروائية السعودية والأدب السعودي الذي تمثّل الرواية في السنوات الخمس الأخيرة هرمه المقروء ونموذجه الفني، حتى وإن كنت شخصياً أعتقد أن المرور بمثل هذه المرحلة يمكن اعتباره ضرورياً». نحن نؤمن تماماً أن المجتمع وصيغ علاقاته التاريخية لابدّ من كشفها بالكتابة عنها روائياً لكننا نختلف حول الصيغة التي تتطلّب تجربة فنية فيها من الغنى ما يكفي لكي نتعامل مع الرواية بكل أشكالها على أساس فني لا على أساس فضائحي أو شتائمي. فمثل هذه الكتابة يمكن أن تأخذ صيغاً أخرى مُعلنة عن طريق أدوات تختلف عن صيغ التعبير التقليدية كالرواية، مثلاً غرف المحادثات الإلكترونية أو التقارير الصحافية أو المقالات ومنتديات الحوار الإلكتروني. هذا لا يعني أن موضوع الجنس أو الدين موضوع محرم على الرواية لكنه مشروط باكتمال عناصرها لا أن يكون الموضوع، أياً كانت صيغته شرطاً لمجرد أن يكشف حياة أو حيوات خاصة مسكوتا عنها».

ويعتقد صاحب دار «طوى» أن معظم الروايات التي استلهمت موضوع الجنس، وأساءت لبعض الرموز الدينية، يمكن أن نسميها «روايات تحت الشراشف»، وما كان ينبغي أن تصدر أساساً في كتب، وتعرض في معارض الكتب، وتجد صدى لها في الملاحق الثقافية.

مظاهر اللاجامي: الهدف تسويقي

* الكاتب، الشاب مظاهر اللاجامي الذي أصدر رواية (بين علامتي تنصيص)، وهي الأخرى اعتبرت ضمن الأدب المكشوف، واستقبلت حين صدورها بكثير من النقد، يقول: «إن مساحة الحرية في الأعمال الأدبية في تراجع، فما كان مسموحاً به في فترة من الفترات أصبح ممنوعاً حالياً، وأن منع الأعمال الأدبية يؤدي إلى انتشارها، لأن القارئ ما زال يتعامل مع الأدب الروائي على أنه أدب فضائحي».

وهو يرى أنه من الصعب الحكم على الأعمال الروائية التي تمنع بأنها قصدت هذا المنع بشكل أساسي، لكن من المؤكد أن الكاتب أثناء كتابة العمل يركز على بعض الأمور أو بعض المواضيع بهدف التسويق للعمل.

أميرة المضحي: البحث عن الشهرة

* أما أميرة المضحي، التي أصدرت أخيراً رواية «الملعونة»، فتقول: «إن المنع ساهم في انتشار كثير من الأعمال، خصوصاً الأعمال التي تجد إضاءة عليها بعد قرار المنع، لأن المنع يوقف العمل عن الانتشار، لكن إذا بقي العمل مادة إعلامية وبقي حاضراً أمام القارئ، سيبحث عنه بشتى الوسائل، وهذا نوع من الدعاية».

وتبين أميرة المضحي «أن الفرق بين طرح قضايا الجنس وقضايا الدين في الأعمال الأدبية مختلف، فعلى حد قولها الهدف من طرح قضايا جنسية بهذه الطريقة هو الشهرة، أما التحدث عن قضايا دينية، فهو يعبر عن الرغبة في مناقشة هذه القضايا التي كانت مسكوتاً عنها في الفترة الماضية، ويرى المجتمع أن الوقت حان لطرحها ومناقشتها».