قنابل العربات المفخخة.. بيانات رسمية مكتوبة بالدم

أميركا أول من عرفها وباحث أميركي يكشف تاريخها السري

TT

انتشرت ظاهرة قنابل السيارات المفخخة، ولم تعد فقط مجرد سلاح كلاسيكي بسيط للإرهاب والقمع، وتصفية الأعداء والخصوم السياسيين، بطرق مباغتة يصعب توقعها أو تتبع مساراتها، بل الأخطر من ذلك أن صعوبة تمييز هوية الفاعل في هذه الظاهرة أغرت الكثير من أجهزة الاستخبارات العالمية ممن يودون إخفاء جرائمهم باستخدام هذا السلاح وتطويره بطرق علمية وتكنولوجية متقدمة أضفت الكثير من الغموض واللبس على مسرح الجريمة.

الباحث الأميركي مايك دافيس في كتابه «السيارات المفخخة .. التاريخ السري»، الذي ترجمته إلى العربية الدكتورة فاطمة نصر وصدر حديثا في سلسلة إصدارات مجلة سطور. يرصد تاريخ قنابل السيارات المفخخة، ويكشف أبعادها وخباياها وما ينجم عنها من خسائر بشرية واقتصادية باهظة.

يصف الباحث هذه القنابل بأنها «بيانات رسمية مكتوبة بدماء الآخرين، معظمهم من الأبرياء». يذكر أن أميركا أول من عرف هذه السيارات تاريخيا، وذلك عن طريق عربة عرفت بعربة «بودا» تعد النموذج الأصلي لحرب السيارات المفخخة في العالم.

وكانت عبارة عن عربة عادية لا تلفت النظر إليها، وغير معروفة الهوية يجرها حصان واحد، وكان أول تفجير لها في عام 1920 في شارع وول ستريت بالولايات المتحدة، حيث استخدمتها جماعة سياسية مناهضة بقيادة مهاجر إيطالي يدعى «ماريو بودا» للإفراج عن بعض المسجونين والمرحلين السياسيين الأناركيين.

ويشير المؤلف إلى أنه مثل كل أنواع القنابل حتى الذكية منها، فقنابل السيارات غير مميزة، ولذلك فإن الضرر الملازم لها، أو الإصابات غير المقصودة تكون حتمية، لكنها فعالة بالقدر نفسه في تدمير مصداقية أية قضية ما. ويشير أيضا إلى أن المناضل الإفريقي نيلسون مانديلا كان ثاقب البصيرة وهو معتقل، حينما جادل بعنف ضد استخدام حركة تحرير جنوب إفريقيا مثل هذه الأسلحة، فقد كان يرى أنها ستدمر القضية تماما. وأصبحت قنابل السيارات جزءا دائما وأساسيا من ذخيرة المافيا . فقد نشرت سيارات «الفيات» المفخخة الرعب في باليرمو بإيطاليا في بداية الثمانينات، إذ لعبت دورا في مذابح المافيا ضد الناشطين اليساريين والقضاة المستقلين الإيطاليين.

ويخلص المؤلف في الفصل الأخير من الكتاب إلى أن هذه ليست قضية عسكرية، بل قضية سياسية. يذكر أن الجزء الأكبر من التدمير والموت طيلة فترة الاضطرابات التي شهدها العالم في الآونة الأخيرة لم ينتج من البنادق والمدافع والمسدسات، أو من المورتار المصنوعة محليا، أو حتى من متفجرات سمتكس، بل كان سببه القنابل المصنوعة من الأسمدة، التي بإمكان أي شخص لديه معلومات طالب في الكيمياء تصنيعها. فيمكن لرجلين تصنيع ألف قنبلة في أي زريبة أبقار بإحدى المزارع، مشيرا إلى أن عربة «بودا» أصبحت حقا «الكرباج الملتهب» الذي تم ذكره في سفر الرؤيا من الكتاب المقدس.