أجواء المؤرخين وسير الأعلام تعود من جديد بـ «سلمان»

سعودي يرصد 121 شخصية حملت اسما واحداً طوال 15 قرناً

TT

نجح المؤلف والإعلامي صالح محمد الجاسر في تقديم كتاب تناول فيه من يحملون اسم (سلمان) دون غيره من الأسماء، مضيفا بذلك إلى المكتبة العربية معلومات غير مسبوقة، حيث وجدت قلة من الباحثين والمؤرخين اهتمت بالبحث عن الأعلام الذين يشتركون في اسم معين.

نهج صالح محمد الجاسر في كتابه الذي صدر قبل أيام، وحمل عنوان «إتحاف الأنام بمن اسمه سلمان من الأعلام»، على ما درج عليه ممن سبقوه، في هذا المجال. لكنه تميز بإدراجه في كتابه من حملوا اسم (سلمان)، حتى وإن أورد بعض المؤرخين روايات أخرى للاسم مثل سليمان أو سلمة. كما حرص المؤلف على تضمين الكتاب كل ما استطاع الوصول إليه ممن حملوا هذا الاسم، وسعى للتعريف بهم أو الترجمة لهم مهما كانت الترجمة قصيرة أو مختصرة.

واقتصر المؤلف في الكتاب على من حمل هذا الاسم من السابقين الذين لهم ذكر في كتب التاريخ والتراجم والحديث والأدب. ولم يتطرق إلى من هم معاصرون لنا من الأحياء ممن يحملون اسم سلمان، وهذا ما درج عليه المؤرخون السابقون.

ونجح الجاسر في كتابه الذي عمل على إعداده خلال أربعة أعوام، بالرجوع إلى أكثر من 120 كتاباً كمصادر للبحث، في تضمينه 121 شخصية حملت اسم (سلمان). وجاء اهداء الكتاب إلى الأمير سلمان بن عبد العزيز، تعبيراً عن الشكر والتقدير والامتنان له، وعلى عنايته وحبه للكتاب والاحتفاء بأهله.

وبدأ المؤلف كتابه بالإشارة إلى أن اختياره الكتابة عن سلمان الاسم حباً في سلمان الإنسان ملمحاً إلى أن بين سلمان الإنسان.. وسلمان الاسم توافقاً عجيباً. وقديماً قيل (لكل من اسمه نصيب)، وإذا كان هذا المثل مصيباً على إطلاقه، إلا أنه في حالة سلمان بن عبد العزيز مصيب.

وقال المؤلف: «سلمان الإنسان حالة نادرة وقليلة التكرار، يتميز بشخصية آسرة ومؤثرة، حديثه حديث علم ومعرفة وأدب، يأسرك بأخلاقه وبعلمه وثقافته، ومعرفته بالناس، وإنزالهم منازلهم. يشكل الالتزام جانباً مهماً من شخصيته، إلا أن هذا الالتزام لا يطغى على الجانب الإنساني، فهو رغم مشاغله وارتباطاته الكثيرة لا ينسى مشاركة الناس أفراحهم وأتراحهم». ورأى المؤلف بأن من لا يعرف سلمان الإنسان.. سيسارع بالكتابة عنه تفاعلاً مع ما يسمعه عنه الناس.. فإذا عرفه تردد. وإذا ازداد معرفة به تراجع، وهذه حالة استثنائية.. فالإنسان غالباً لا يكتب إلا عما يحسن ويعرف.. ولكن في حالة سلمان الإنسان.. تكون المعرفة دافعاً للتراجع خوفاً من الفشل.. وخوفاً من عدم إعطاء الرجل ما يستحقه، فسلمان بن عبد العزيز.. كالجبل الشامخ، كلما اقتربت منه زاد ارتفاعاً وشموخاً، وكلما ازددت منه قرباً ازداد منك ابتعاداً.. ليس في الجسم أو الود أو حُسن المعشر، وإنما في العلم والمعرفة.. حين يطرق سمعك اسم أو عبارة أو معلومة، وتعتقد أنك متميز في معرفتها، تفاجأ أن لديه عنها أكثر مما لديك، فإن كنت قرأت عنها في كتاب أو مرجع، فهو عايشها وعرضها عن قرب وعمق، وهو لا يكتفي بالسماع، ولا يبني على ذلك رأياً أو موقفاً، وإنما يؤصل ما يسمعه من معلومات ويردها إلى مرجعه».

يقول المؤلف: «وجدت أن الكتابة عن سلمان الإنسان مثل خوض غمار بحر عميق يحتاج إلى زاد ومركب وجماعة من أولي العزم، ولهذا ولأن سلمان بن عبد العزيز رفض مرات كثيرة أن يؤلف عنه كتاب، زهداً بأن يسمع ما يستحقه من ثناء، وإدراكا منه أن ما يقوم به جزء من الوفاء لهذا الوطن وأهله، اخترت الكتابة عن سلمان الاسم حبا في سلمان الإنسان، وبحثت عمن حمل هذا الاسم من السابقين، فكان هذا الكتاب الذي تضمن 121 شخصية حملت هذا الاسم».

وفي مدخل الكتاب، قدم المؤلف تعريفا بعلماء اللغة للاسم واشتقاقه، ومصادر الأسماء عند العرب، وتناول باختصار منطلقات الأسماء من معنى أو صفات أو أفعال أو أقوال، ملمحا إلى أن بعض الخلفاء يمنح من يسمى باسمه مالا لإنفاقه على المولود تقديرا لمن يسمى باسمه، مما يجعل الاسم ينتشر بين الناس. وفي المقابل كان بعض الحكام لا يريدون أن يسمى أحد بأسمائهم، ويعتبرون ذلك تقليلا من قيمتهم أو استخفافا بأسمائهم. وأورد المؤلف رواية لأبي حامد الغزالي تتعلق بهذا الجانب حيث يقول: «كان عبد العزيز بن مروان الذي ولي مصر سنة 65 هـ واستمر فيها إلى أن توفي عام 85 هـ وهو والد الخليفة عمر بن عبد العزيز ـ أميراً بمصر، فركب يوما بموضع وإذا رجل ينادي ولده: (يا عبد العزيز) فسمع الأمير نداءه، وأمر له بعشرة آلاف درهم لينفقها على ذلك الولد الذي هو سميه، ففشا الخبر بمدينة مصر فكل من ولد له في تلك السنة ولد سماه عبد العزيز». وضد ذلك، كان الأمير (الحاجب تاش) بخراسان، فاجتاز يوما بصيارف بخارى ورجل ينادي غلامه وكان اسم الغلام (تاش) فأمر بإزالة الصيارف ومصادرتهم وقال إنما أردتم الاستخفاف باسمي».

وتناول صالح محمد الجاسر الأسماء المستعارة أيضاً موضحا أن العديد من الاعلام اشتهر بأسمائهم المستعارة التي طغت على أسمائهم الحقيقية، بل أن البعض من الأعلام لا يعرفون إلا بأسمائهم المستعارة.

ومن أبرز هؤلاء الشاعر الأموي الفرزدق (همام بن غالب بن صعصعة) وفي المجال السياسي هناك ياسر عرفات (محمد عبد الرؤوف القدوة)، وهواري بومدين (محمد بوخروبة). كما أورد المؤلف أسماء من كتبوا تحت أسماء مستعارة في العالم العربي منهم الشاعر اللبناني بشارة الخوري الذي اشتهر بـ (الأخطل الصغير)، والكاتب أحمد علي سعيد المشهور بـ (أدونيس). كما أصدر الدكتور حسين هيكل روايته (زينب) عام 1912 باسم (الفلاح المصري). وحين لقيت روايته قبولا بين الناس أفصح عن اسمه الحقيقي. واشتهرت الأديبة المصرية ملك حنفي ناصف باسمها المستعار (باحثة البادية). والشاعر السوري محمد سليمان الأحمد اشتهر بلقب (بدوي الجبل). وكانت الأميرة فاطمة كريمة الملك محمد الخامس توقع مقالاتها باسم (باحثة الحاضرة). وفي السعودية اشتهر الأديب احمد السباعي، الذي كان يكتب في صوت الحجاز باسم مستعار (فتاة الحجاز). كما كان احمد عبد الغفور عطار يكتب تحت اسم (الجاحظ) والشاعر حسين سرحان يكتب تحت اسم (الفتى النجدي). وأوضح المؤلف الجاسر في كتابه ما درج عليه العرب منذ القدم في استخدام التصغير في بعض الأسماء وذلك لأغراض عدة، معتبرا انه قد يفيد التلميح والتجنب، خاصة حين يطلق على طفل مثل حميد وعبيد وعزوز وخويلد، وقد يفيد التصغير التحقير والتقليل من الشأن، كما ألمح المؤلف إلى أن هناك العديد من الأسماء تكون مشتركة بين الرجال والنساء وهي وإن كانت قليلة إلا أنها معروفة حتى عصرنا الحاضر ومنها أسماء نضال، طلعت، تيسير، بهجت، عنان، صباح، نجاح، عطية، رباح، فيروز، رجاء، صفاء، أمل، نضال، نهاد، سماح، ولاء، سناء، إيمان، إقبال، إكرام، وحيد، عنان، عريب. وفصل المؤلف في اسم ومعنى سلمان موضحا أن سلمان من الأسماء التاريخية القديمة وعرف في مختلف الديانات، وان كان النصارى التزموا في الغالب بصورته المصغرة، فاستعملوا سليمان بدلا من سلمان.

وأشار المؤلف الجاسر إلى أن اسم سلمان يعني (البريء الخالص من العيوب والآفات). ولهذا يسمى به الرجل تفاؤلا بسلامته من العيوب والآفات. وسلمان اسم جبل، كما انه اسم رجل كما جاء في لسان العرب، وهو مشتق من كلمة (سلم) ومنها اشتقت الأسماء: سليمان، سليم، سلمى، سلام، سلاّم، سلمة، سالم، سلوم، سلامة. ولاحظ المؤلف أن اسم سلمان من الأسماء القليلة الاستعمال بين الخلفاء والأمراء والسلاطين، فمن خلال تتبع أسماء الخلفاء الراشدين وخلفاء بني أمية وخلفاء بني العباس وسلاطين الدولة العثمانية، وما نشأ من دويلات في عالمنا الإسلامي خلال فترات التاريخ المختلفة نجد أن اسم سلمان يكاد يكون غائبا عن هذه الدول. وفي الدولة السعودية بمراحلها الثلاث، نجد أن أول من سُمي باسم سلمان من أمراء آل سعود هو الأمير سلمان بن محمد بن سعود بن فيصل آل سعود، وثاني من حمل هذا الاسم هو الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض. ولفت المؤلف إلى أن العديد من الأسر في السعودية والأردن والعراق وسورية ولبنان من السنة والشيعة والدروز يحمل اسم السلمان، وقد ذكرهم بتفصيل عمر رضا كحالة، في كتابه «معجم قبائل العرب»، كما ذكر حمد الجاسر الأسر التي تحمل اسم السلمان في نجد في كتابه «جمهرة أنساب الأسر المتحضرة في نجد»، وقدم المؤلف 121 شخصية حملت اسم سلمان.

ويعد كتاب الجاسر «إتحاف الأنام بمن اسمه سلمان من الأعلام، «الثالث بعد كتابيه «أعلام في دائرة الاغتيال»، و«قراقوش المظلوم حيا وميتا». والجاسر حاصل على بكالوريوس جغرافيا عام 1981م، وعمل في إدارة الأخبار بوكالة الأنباء السعودية، ومندوباً للوكالة في الديوان الملكي، وانتقل منذ 17 عاماً إلى إمارة منطقة الرياض، حيث يعمل حالياً بوظيفة السكرتير الخاص لأمير منطقة الرياض، وكتب في العديد من الصحف، كما أعد برامج إذاعية مختلفة، وله عدد من البحوث والدراسات بعضها منشور والبعض لم ينشر.