دبي تطلق جملة مشاريع ثقافية والهدف «أن يقرأ رجل الشارع العربي»

المدير التنفيذي لمؤسسة محمد بن راشد لـ «الشرق الأوسط» : المنافسة مع أبوظبي في ترجمة الكتب «محمودة»

ياسر سعيد حارب («الشرق الاوسط»)
TT

«مشاريع ثقافية لا تتوقف ومبادرات بالجملة لتعميم القراءة في الشارع العربي».. هذا هو الشعار الرئيسي لمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، المؤسسة الخيرية التي أعلن عنها حاكم دبي العام الماضي بوقف بلغ عشرة مليارات دولار. الرقم من الضخامة ما يجعل الشارع العربي المثقف ييمم وجهه إلى هذه المؤسسة لمعرفة ما الذي ستقدمه؟ وما الجديد الذي عن طريقه سيتم تغيير التباطؤ في التنمية الثقافية، مقابل التهافت على التنمية الاقتصادية، عربياً طبعاً؟!.

التقت «الشرق الأوسط» ياسر سعيد حارب، المدير التنفيذي لمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم ـ قطاع الثقافة، الذي لم يشأ التركيز على رأسمال المؤسسة وضخامته، مشيرا إلى ضرورة النظر في القيمة المضافة التي تنوي تقديمها المؤسسة «بعيداً عن القيمة المالية لرأسمالها».

ياسر حارب كشف لنا عن جملة من المشاريع الثقافية المبتكرة على المستوى العربي، منها: مشروع لاستقطاب المدونين العرب ونشر أعمالهم الأدبية، مشروع لتعريب مصطلحات المواد العلمية لطلاب المدارس، مشروع لابتعاث الشباب العرب للدراسات العليا وتأهيلهم لتقلد مناصب عليا في بلادهم، مجلة إلكترونية لأكثر الكتب العربية والإنجليزية واليابانية توزيعاً، بالإضافة إلى مشاريع سبق للمؤسسة أن أطلقتها مثل مشروع «اكتب» ومشروع «ترجم».

المسؤول الثقافي الإماراتي رد بصراحة على ما هو متداول على الساحة الثقافية من منافسة بين الشقيقتين أبوظبي ودبي، في مجال الترجمة تحديداً، مؤكدا أنها «منافسة محمودة»، وأنه يتمنى إطلاق المزيد منها عربيا «كون الساحة العربية في حاجة ماسة لهذه المشاريع»، وقال إن هناك تنسيقاً مستمراً بين أبوظبي ودبي لعدم التعارض في الكتب المترجمة من الجانبين، مرحبا في الوقت ذاته بإطلاق جائزة الملك عبد الله للترجمة، معتبراً إياها «إضافة كبرى في مجال الثقافة العربية».

ولعل اللافت للنظر أن ياسر حارب، يصر على أن هدف المؤسسة هو «أن يقرأ المواطن العربي»، أما كيف يستطيع قياس هدفه الطموح هذا، فإنه يرى في قراءة رجل الشارع «في الحافلة والمترو والأماكن العامة، دليلا على أن المجتمع العربي تقدم خطوات للأمام في مجال القراءة».

> العالم العربي يعج بالمؤسسات الثقافية.. ما الذي دفعكم لإنشاء هذه المؤسسة؟

ـ نظرة سريعة على أوضاع العالم العربي، نستطيع أن نستشف منها حجم المشاكل القائمة. الدراسات التي قمنا بها قبل إطلاق المؤسسة، أشارت إلى أن العالم العربي بحاجة إلى ما بين 80 مليونا إلى 100 مليون وظيفة بحلول عام 2015. المؤسسة تهدف إلى تحقيق عدة أهداف من أبرزها: تصميم وإدارة برامج بناء ودعم قاعدة معرفية متطورة، الارتقاء بمستوى البحث العلمي، دعم وتنشيط أعمال التأليف والنشر والترجمة، توفير البعثات العلمية في شتى مجالات العلم، إعداد وصقل وتطوير مهارات جيل من القيادات في المجالات العلمية المختلفة سواءٌ من القطاع الحكومي أو الخاص، وتطوير الفكر الاستثماري لدى جيل الشباب لحثهم على الإبداع والريادة في الأعمال من خلال إطلاق برامج متخصصة وإنشاء صناديق مالية تدعم هذه الأنشطة. كما تعنى المؤسسة بإنشاء المتاحف والمكتبات المتخصصة ومراكز الأبحاث ودور النشر والترجمة، وإطلاق جوائز عالمية في مجالات الثقافة والأدب والمعرفة والعلوم، وإصدار تقارير ونشرات دورية في مختلف المجالات، وتنمية الثقافة ودعم وتشجيع المثقفين في العالمين العربي والإسلامي.

> وكيف يمكن لكم تغيير الواقع السيئ للمواطن العربي؟

ـ سأضرب لك مثالا بأحد المشاريع التي نعمل عليها حالياً. هناك طبقة من الشباب العربي تعتبر شبه مغيبة، وهي الطبقة التي لا تستطيع إكمال دراستها العليا، بالرغم من تفوقها في مجالات عديدة، لكن الإمكانات المحدودة تعصف بآمالها. مبادرتنا تقضي بتهيئة الفرصة لهؤلاء الشباب لإكمال دراستهم العليا، ومن يدريك، فربما نتمكن من إيصال بعض منهم ليصبحوا وزراء أو مسؤولين في بلادهم.

> لأنكم تتحدثون عن مبادرات بالجملة.. ما هي آخر مبادراتكم في قطاع الكتاب تحديداً؟

ـ لدينا مشروع «اكتب»، المتعدد الأوجه والمشارب. الدراسات تشير إلى أن هناك المئات بل الآلاف من الموهوبين ممن لا يتمكنون من الوصول إلى القارئ العربي، بل اننا نفقد مواهب كان من الممكن أن تقدم شيئاً جديداً لها ولنا أيضاً. دورنا هو اكتشاف هذه المواهب ونشر كتب لها، كما أننا نقدم دعماً مادياً لها بأن نشتري جزءاً من هذه الكتب التي طبعناها ونوزعها على الجامعات والمؤسسات العلمية العربية.

> وكيف تستطيعون الوصول إلى هؤلاء من المؤلفين الموهوبين؟

ـ حسنا.. البرنامج مخصص لتشجيع كتابات المدونين، وهم كما يعلم الجميع شريحة مؤثرة ومثقفة، وأيضاً، متمردة على الإعلام العربي عموماً، ونحن نريد تقديم هذه الشريحة. لدينا لجنة متخصصة تقيّم الكتب المقدمة، ولأننا لا نريد الحكم على الكتاب من ملخص معين، فإن أبرز الشروط هي أن يكتب المتقدم لمدة لا تقل عن سنة في المدونات الإلكترونية، وبالتالي تستطيع اللجنة الحكم جيداً على هذا الكاتب أو ذاك.

> وهل بدأتم فعليا في هذا المشروع؟

ـ نعم.. تقدم لنا المئات من المؤلفين الشباب، وتم اختيار ما يقارب 100 كاتب سنقوم بالاتفاق مع كبار الناشرين لطبع كتبهم وضمان تقديمهم للشارع العربي بصورة تتناسب وإمكاناتهم. سنطلق كتبهم في مناسبات للتوقيع عليها وجمعهم مع جمهور المثقفين، وسنساهم في تسويق كتبهم، وسنبرم اتفاقاً لطباعة ثلاثة آلاف كتاب لكل مؤلف من الذين يقع عليهم الاختيار، وفيما سيقوم الناشر بتسويق ألفين من الكتب، ستقوم المؤسسة بشراء ألف كتاب وإهدائه للمكتبات والجامعات العربية.

> وما الذي تريدونه.. هل هو تقديم كتب جديدة إلى المكتبة العربية؟

ـ عفواً هذا ليس هدفاً لنا.. نحن نسعى لدعم كتّاب وليس كتباً.

> أنت تتحدث عن المدونات الإلكترونية والاستفادة عربياً من هذه التجربة، ما أبرز مشاريعكم الأخرى إلكترونيا؟

ـ لدينا مشروع سنطلقه الصيف المقبل، وهو مجلة إلكترونية ترصد أكثر الكتب توزيعاً، في ثلاث لغات، وهي العربية والإنجليزية واليابانية، لأننا نريد أن يعرف القارئ العربي (حتى لو لم يقرأها) ما هي الكتب المهمة لدى هذه الشعوب. وسوف نربط الكتاب بالمبيعات، كما سنربط القارئ بالمكتبات التي تبيع الكتاب. وهي طريقة نعتقد أنها ستسهل مهمة القارئ العربي في اختيار الكتب التي تستحق فعلاً أن يهتم بها، مع تسهيل مهمة حصوله عليها.

> وما نصيب النشء من طلاب المدارس في مشاريعكم الثقافية؟

ـ لدينا مشروع لتدريب طلاب المدارس لاستخدام اللغة العربية في المواد العلمية، وأوكلنا التجربة لجهة أكاديمية متخصصة، وهي جامعة زايد، كجهة رقابية. يقوم المشروع باختصار على أن يكون في كل كتب المواد العلمية ملخص بالمصطلحات العربية التي تقابل المصطلحات الأجنبية. بدأنا بالتجربة محلياً في مدارس الإمارات، وسوف نعممها قريباً على بعض الدول العربية، في حال نجحت.

> لنتحول إلى موضوع آخر وهو قطاع الترجمة.. لماذا هذا الاندفاع المحموم في الساحة العربية للترجمة؟

ـ لنسترجع التاريخ قليلاً وسنجد أن أي نهضة انطلقت، كان بالتأكيد قبلها ترجمة على مستوى عال من الحرفية والتأثير. صحيح أن الناس حالياً تقرأ باللغة الإنجليزية، لكن طالما لم ندعم مشاريع القراءة باللغة العربية لن نتمكن من الوصول إلى شريحة كبرى، تعيد زمن القراءة إلى وضعه الطبيعي. المؤسسة تقوم حالياً بالعمل على مشروع ضخم وهو ترجمة كتاب كل يوم أي 365 كتاباً في السنة، وبما يزيد عن إجمالي عدد الكتب التي تتم ترجمتها في العالم العربي خلال عام واحد. المشروع يستمر لفترة ثلاث سنوات، وهو ما يعني أننا سننتهي من ترجمة 1000 كتاب خلال هذه الثلاث سنوات. برنامج «ترجم» هو وليد رؤية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ونتاج طموحه لمستقبل العالم العربي وحرصه على إيجاد المقومات التي من شأنها تعزيز فرص المنطقة في اللحاق بركب التطور العالمي، إضافة إلى استشراف الشيخ محمد لأهمية إقامة جسور جديدة بين الحضارة العربية والحضارات الأخرى من أجل تعريف العالم بالجوهر الحقيقي للفكر العربي المعاصر.

> وما هي أهم التخصصات التي تركزون عليها في ترجمة الكتب؟

ـ نستطيع القول إننا نغطي كافة الفروع الرئيسية في الكتاب، لكن التركيز سيكون على الكتب الإدارية بصورة خاصة، لأننا نعتقد أنه متى ما ركزت على الإدارة بطريقة صحيحة، استطعت التغلب على كل مشاكلك. فكيف تستطيع إدارة العملية التعليمية إذا لم تتمكن من إدارتها تربوياً؟ وكيف يمكن النجاح في إدارة المستشفى إذا لم تتمكن من إدارته طبيا بالطريقة الصحيحة؟. هناك اتفاق مع جامعة «هارفارد» لترجمة كتب إدارية. أما من أي اللغات نترجم، بالإضافة إلى اللغة الانجليزية، هناك قائمة باللغات منها: السويدية، الكورية، اليابانية، الصينية. وكما يعرف الجميع النجاح الكبير الذي حققته دبي، يعود في جوهره لإيمان قيادتنا الرشيدة بأهمية عنصر الإدارة. لذا وجدنا من المهم أن نركز في برنامج «ترجم» على هذا المجال الحيوي، حيث تعتزم المؤسسة ترجمة حوالي 180 كتاباً متخصصاً في الإدارة الحديثة خلال العام الجاري، بواقع 50 بالمائة من الكتب التي سيدعم البرنامج ترجمتها إلى العربية في عام 2008، في حين ستتقسم النسبة الباقية بواقع 25 بالمائة في مجال الإبداع الأدبي، و25 بالمائة للعناوين المختلفة في شتى دروب الثقافة، سواء في العلوم الإنسانية أو الاجتماعية أو غيرها من المجالات بشرط أن تكون لها قيمة فكرية مميزة.

> بالمناسبة.. هل خططكم في الترجمة ستركز على الكتب التي يطلبها القارئ العادي.. أم للنخبة من المثقفين؟

ـ لن نهمل النخبة في العالم العربي، لكننا أيضا نبحث عن الوصول إلى حاجة الطلاب في الجامعات العربية، لهذه النوعية من الكتب، سواء في الأدب أو العلوم الإنسانية أو علوم الإدارة.

> بصراحة هناك من يتحدث عن منافسة بينكم وبين أبوظبي التي أطلقت أيضا مشروعا ضخما للترجمة تحت اسم «كلمة»، ماذا تقول؟

ـ أحيانا تكون المنافسة محمودة، لكننا نكمل بعضنا بعضا للوصول إلى مشروع ثقافي عربي كبير، ليس المهم من يقف خلفه، المهم النتيجة التي سنصل إليها. لذا نحن نفرح بمشروع «كلمة» الذي أطلقته عاصمتنا أبوظبي، كما نفرح أيضا بجائزة الملك عبد الله للترجمة، كذلك مشروع «سنة الترجمة» الذي أطلقه الرئيس التونسي زين العابدين بن علي. صدقني الساحة العربية في حاجة ماسة لمثل هذه المشاريع، بل وأكثر، ولمن يؤمن بنظرية المنافسة بمعناها السلبي، أقول إننا ننسق مع مشروع الترجمة التابع لهيئة أبوظبي للثقافة والتراث باستمرار، بحيث لا يكون هناك تعارض في مواضيع الترجمة.

> ما هي أهدافكم من خلال مشاريع مثل «اكتب» و«ترجم» وغيرها التي تركز على الكتاب؟

ـ هناك أهداف بعيدة المدى، أي خلال العشر سنوات المقبلة، تركز على أن يتمكن رجل الشارع العربي من القراءة، في الحافلات، في المترو، بصراحة ليست هناك طريقة ممكن أن تمكننا من القول إننا حققنا أهدافنا غير مشاهدة رجل الشارع العربي يقرأ في كل مكان. بالنسبة لي، هذا هو المقياس الوحيد في ظل غياب أرقام موثقة.

أما على المدى القصير فإننا سنرى ذلك بكل تأكيد في مجموعة الشباب العربي الذين سندعمهم في قطاعات المؤسسة المختلفة. فلدينا 365 كتابا في العام إضافة لمائة كاتب عربي في عام واحد. لا أدّعي أننا غطينا الفجوة الموجودة حالياً، لكن على الأقل تمكنا من تقليصها بدلا من تركها تزداد اتساعا.

> أرى في مشاريعكم تركيزاً على العالم العربي، أليس هناك من تعاون مع مثقفين غربيين كبار، من الممكن الاستفادة من تجاربهم الثقافية؟

ـ لم نغفل هذا الجانب إطلاقا، هناك برنامج للكتابة باللغات الأجنبية عن المشاريع الناجحة عربياً. هو موجه للغرب ليتعرفوا على مشاريعنا بصورة أكثر موضوعية وحيادية. سنأتي بكتّاب أجانب كبار للعواصم العربية. دعني أعطيك مثالا: نأتي بكاتب مثل باولو كويليو إلى السعودية، ونطلب منه قضاء أيام للكتابة عن قصة نجاح شركة مثل «سابك»، أو للقدوم لدبي لنشر قصة نجاح شركة مثل طيران الإمارات، نحن هنا نبحث عن الوصول بتجارب نجاح عربية غير موجهة سياسيا ومن جهات حيادية.

> عذرا على هذا التشاؤم.. لكن كثيراً من المشاريع الثقافية العربية لم تؤت أكلها وبقي الكتاب العربي مهجوراً إلا من قلة قليلة.. ألا تتخوفون من المصير نفسه؟

ـ نعتقد جازمين أن ما قلته هو التحدي الكامن أمامنا.. التحدي الكبير بالفعل أن نجعل هذا المواطن العربي يقرأ. نعترف أننا في حاجة لنفَس طويل لنتمكن من إيجاد زخم للثقافة بدلاً من الاختفاء الثقافي الذي نعيشه حاليا. نحن في حاجة لأن تكون الثقافة مكوناً رئيسياً في المجتمع العربي.

>أخيراً.. هل تعتقد أن العالم العربي قادر على جعل الثقافة لغة تواصل بينه وبين الغرب؟

ـ باختصار أقول لك: الثقافة هي القنطرة الوحيدة التي تبقي التواصل بين الشعوب. ومن أجل هذا الهدف السامي، سأواصل الكشف عن مشاريعنا لـ«الشرق الأوسط». سنتكفل بابتعاث رسامين وكتّاب عرب إلى الحضارات الغربية، مثل أن يذهب كاتب ورسام لمدة شهرين إلى بلاد الأندلس للكتابة والرسم عن قرطبة وغرناطة، وذلك من أجل التبادل الثقافي، الذي نعتقد جازمين بأنه الوسيلة المثلى لردم الهوة السحيقة بين الغرب والشرق.