«قصص تحت الاحتلال».. والواقع اليومي في فلسطين

TT

مع استمرار الانتفاضة وحصار اسرائيل لقطاع غزة والعديد من مدن وقرى الضفة الغربية، يعيش الفلسطينيون مرة اخرى، حياتهم تحت الحصار. ويعكس العمل الجديد لفرقة القصبة «مسرح وسينماتيك» بعنوان «قصص تحت الاحتلال» هذه المعاناة والرعب واليأس الذي تتسم به الحياة اليومية لمعظم الفلسطنيين.

وتبدأ المسرحة بظهور الممثلين من تحت صحف قديمة. وينتقل كل منهم الى وسط المسرح ويحكي روايته. وهي روايات لعب الممثلون والممثلات دورا في تطويرها. انها تحاول تحديد قطاع معين من الحياة اليومية لمعظم الفلسطينيين الذين يعيشون في الاراضي المحتلة اليوم. وتتراوح القصص من المأساة الى الملهاة التي لا تكاد تصدق. الا انه اذا القيت عليها نظرة شاملة تكشف عن المبالاة التي يشعر بها الفلسطيني وهو يحاول ممارسة حياته اليومية. ومن بين القصص المعروضة في العمل قصة الأب العجوز الذي يفتح حقيبة ابنه المدرسية. وفي اللحظة التي يفرغ فيها الاب الحقيبة نعلم ان جنديا اسرائيليا قد قتل ابنه. ويعيد الاب المحتويات الى الحقيبة مرة اخرى قائلا: «سأقدمها لابني الاخر». ولكن في تلك اللحظة يتوقف ويتذكر قائلا: «ليس لدي ولد آخر». ثم يحمل الحقيبة ويبتعد بخطوات متثاقلة.

وتنظر رواية اخرى الى شاب حاصرته اضواء سيارة دورية اسرائيلية. ويرفع يده ثم يتذكر حياته او نصف حياته بهلع: «اختي ماتت عندما قصف منزلنا. واخي في معسكر للاجئين في لبنان. وانا.. لا أهددكم. كل ما افعله هو الاستماع للموسيقى والنوم. وبعدما ادفع ايجاري هذا الشهر وفاتورة الكهرباء لن يتبقى معي شيء. ولكني لا أهددكم. اذا تركتموني امر، سأذهب الى منزلي وانام».

والجدير بالكذر ان القصبة «مسرح وسينماتيك» تأسس عام 1970. وهدفه الرئيسي هو تنشيط ورفع مستوى الثقافة في المجتمع الفلسطيني. وفي عام 1998 بدأ تشييد وتجديد مقر المسرح. وفي يونيو (حزيران) من العام الماضي تم افتتاح المسرح. لقد نقلت القصبة منذ تأسيسها عروضها الى جميع انحاء العالم. فقد مثل اعضاء الفرقة مسرحياتهم في دول مثل تونس واسبانيا وكندا. وتقدم الفرقة عروضها في لندن في اطار مهرجانLIFT .، وهو مهرجان مخصص للمسرح التجريبي من جميع انحاء العالم. وقد امكن تنفيذ هذه الزيارة عن طريق دعم من القنصلية البريطانية في القدس ومن مؤسسة عبد المحسن القطان الخيرية وجامعة الدول العربية واليونيسكو. ويقدمون في برنامجهم شكرا خاصا للمثلة الانجليزية فانيسا ريدجريف المعروفة بتأييدها للقضية الفلسطينية.

وتحاول القصبة في اعمالها ان تقدم صوتا للمجتمع الذي يجبر على الصمت. كما ان الفرقة تنظر الى اعمالها في اطار اعمال العديد من الفنانين الفلسطينيين والمثقفين كتأكيد لحقوق انسان المجتمع.

كما عملت الفرقة ايضا لتوفير عروض المسرح للاطفال. ويعيش العديد منهم في مخيمات اللاجئين او في مدن بعيدة. فعلى الرغم من الحصار العسكري واغلاق الطرق، فإن الممثلين يتمكنون من القيام برحلات من اجل تقديم عروضهم للاطفال وتمكينهم من اختبار ثقافتهم. والصعوبة التي تواجهها الفرقة تنعكس في الصعوبات الحالية التي يواجهها الكبار في الوصول الى مسرح الفرقة الجديد. وهي رحلة قصيرة نسبيا بالنسبة لمعظم الفلسطينين الذين يعيشون بالقرب، الا انها تحولت، بسبب اغلاق الطرق، رحلة عذاب في طرق يتولى حراستها الجيش الاسرائيلي. ولكن بالرغم من هذه العقبات فإن المشاهدين يتدفقون على المسرح، تتملكهم رغبة شديدة في مشاهدة بعض الانعكاسات لحياتهم اليومية.

مثل هذا الاخلاص من المشاهدين يماثله اخلاص الفرقة. ويقول نزار الزعبي «ان العمل كممثل في فلسطين يمكن ان يكون اكثر الخبرات احباطا وفي الوقت ذاته اكثرها مكافأة. ويأتي الاحباط من الافتقاد الى الامن والاستقرار. فنحن نتخذ قرارات تماثل الموقف المتغير بصفة مستمرة، وهو موقف لا يمكننا التكهن به او السيطرة عليه. ويؤدي الى خلق تغييرات، ولكن وفي ظل المعاناة اليومية تنجح في تحدي الواقع والموقف وتخلق فنا بمجموعة من الممثلين والممثلات راغبة في الدخول في معارك من اجل حقها في الصعود على خشبة المسرح. وعندما تصبح المشقة جزءا من العملية وعندما تصبح العملية في اهمية النتيجة، وعندما يتحول الفن الى جزء لا يتجزأ مما يحيط به، تأتي المكافأة. ان اداءنا هو الفصل الثاني للذين يلقون الحجارة في الخارج».

ان مسرحية «قصص تحت الاحتلال» ليست عملا متوازنا.. ولكن من المهم ملاحظة عدم وجود غضب في مثل هذه القصص. فهي تعكس مواقف اصبح فيها وللاسف الاسثناء هو القاعدة. ولعل اهم ما في هذا العمل هو مكالمة هاتفية بين اب وابنه يقيم في لندن، تجري خلالها مناقشة اوضاع الاسرة: «اخوك بخير. شاهدته في السجن بالامس. خمسة احكام مدى الحياة ولكنه بخير. خالك استشهد ولكن اولاده الستة بخير. انتظر دقيقة. لا يمكنني سماعك. افضل الآن. مجرد صاروخ عابر». مثل هذه المحادثة تلخص الواقع اليومي لكثير من الفلسطينيين.