المثقفون في حائل.. حراك ثقافي أم صراع فكري؟

انقسام في المشهد الثقافي أعقب 3 أمسيات

لقطة من فيلم «الظلام» الذي أثار جدلا واسعا («الشرق الاوسط»)
TT

ماذا يحدث في حائل السعودية؟ وماذا طرأ على المزاج العام في المشهد الثقافي، ليصبح الاشتباك بين الأطياف داخل الأندية الأدبية وخارجها سمة من سمات الفعاليات الثقافية هناك؟..

فجأة بدأ بعض المثقفين السعوديين يشيرون إلى تحول ملحوظ في هذه المنطقة التي تقع في الشمال الغربي من السعودية، من حالة هادئة متسامحة، إلى حالة من التشنج، استحضرت جدل التيارات الثقافية الذي احتدم في بقية أنحاء السعودية ولو بشكل متأخر، بالرغم من أن الكثير يرى أن السجال، وربما الاصطدام الذي أصبح ظاهرة مصاحبة للأنشطة الثقافية هناك، هو مؤشر على حيوية المشهد الثقافي عوضاً عن الانكفاء والقطيعة. لكن هناك «نقاشات» انتهت بالتعارك بالأيدي، ووصل الأمر إلى بيانات وفتاوى. ما الذي يحدث, وما هي أسباب ذلك؟

* رئيس النادي الأدبي في حائل محمد الحمد يقول لـ «الشرق الأوسط»: «إن سبب هذا الجدال قد يعود للتفاعل الاجتماعي الذي صاحب ما يقدمه النادي من الفعاليات الثقافية المتنوعة، مما جعل البعض «ينزعج» من هذا التفاعل».

ويضيف: «لست مع من يقول إن حائل انزلقت إلى فخ التشدد، وإنما قد يكون التسامح قد وفّر الأرضية التي برزت من خلالها هذه الاتجاهات. وما زلت أعتبر ما يحدث حراكاً ثقافياً، لكن ما يسيء لهذا الحراك هو افتعال هذا الصراع بالإدعاءات وخلط الأوراق ببعضها بعضا، وتمرير شواهد غير صحيحة كضربة استباقية لما يفتعل من صراعات، لتأجيج مشاعر المجتمع واستغلال بعض الأدوات التي يقتصر بعض أفراد المجتمع عليها في استقاء المعلومة، مثل مواقع الانترنت، والإيميلات ورسائل الجوال الموجهة، التي باتت تطير بالشائعات المكذوبة في الساحة الاجتماعية.

* السلمان: عراك الآيديولوجيات

* ومن حائل كذلك يقول الكاتب الصحافي فهد السلمان: «إن ما يحدث في حائل هو حتما ليس حراكاً ثقافياً وإنما عراك بالإمكان أن ننسبه إلى أيّ شيء إلا الثقافة. إن ما يحدث مجرد عراك أيديولوجيات أوقد يكون «عراك مقاومة التغيير»، وهو نتيجة حتمية لمقدمة طويلة تنامى فيها فكر الوصاية حتى بلغ نخاع كل الأشياء بلا استثناء. هذه الوصاية لم تبقِ أيّ مساحة لرأي حر أو مستقل، كما لم تعد هنالك أيّ مساحة مقنعة لإقامة الحوار. إن مساحة التسامح آخذة بالتآكل منذ أواخر تسعينات القرن الماضي، خاصة في ظل صمت الأغلبية هربا مما أسميه «حمّى التصنيفات». ويشير إلى أنه إذا كان لبعض الفعاليات في النادي الأدبي أن فجر هذه المشكلة، ووضعها على بساط البحث، فهذا لا يعني أنها كانت غائبة، فقد كانت مثل أيّ قنبلة موقوتة تحتاج فقط إلى صاعق لتنفجر. وكان هذا الصاعق هو وصول عدد من الشباب الذين يؤمنون بحتمية التغيير إلى مقاعد النادي الأدبي الذي عاش لسنوات مهادنا لا يحضر مناسباته إلا أعضاؤه، فكان لوصول هؤلاء المصنفين استباقيا تحت عناوين تبدأ بالحداثيين والعلمانيين ثم الليبراليين وغيرها كافيا بحد ذاته لاستمالة الرقاب جهة ما سيفعل هذا النادي، وبالتالي محاكمة نواياه حضورياً أو غيابياً، ومن ثم استصدار الأحكام بالوكالة ودون تفويض وباسم المجتمع.

وأشار إلى أن استضافة بعض الأسماء الثقافية، ثم إدخال السينما ضمن قائمة النشاطات شكلت للبعض عملا عدائيا اعتبروه تقويضاً لركائز الفضيلة، كما أن المسؤولين في النادي بدورهم لم يُحسنوا قراءة ذلك الواقع، ولم يُقدموا بالتالي ما ينفوا به عن أنفسهم تهمة الإقصاء التي زعموا أنهم جاءوا ليواجهوها، بدليل أنهم لم يُقدموا نشاطا واحدا يُحسب لصالح التيار الذي يُناهضهم، متناسين أنهم يعملون في بيئة عنوانها الرئيس (الارتياب). هذا ليس تبريرا ولا تخريجا لمنطق طالبي الوصاية على الفن والأدب والثقافة، لكنه محاولة فقط لفهم ما حدث ويحدث، وما استدعى هذه الحدة في المواجهة.

* الجوهرة الجميل: الفجوة الثقافية

* الدكتورة الجوهرة الجميل، إحدى مثقفات مدينة حائل ورئيسة اللجنة النسائية في نادي حائل الأدبي، ترى أن حائل كانت وما زالت تحتفظ بجو التسامح والكرم، وأن ما يجري فيها هو حراك ثقافي طبيعي، (لا يرمى إلا الشجر المثمر).

وتقول الجوهرة الجميل: «إن جميع أمسيات وفعاليات النادي من الندوات والمحاضرات والأفلام والضيوف وغيرها من الأنشطة، تكون وفق استراتيجية عامة مقرة ومعتمدة من وزارة الإعلام، سواء لنادي حائل أم لغيرها من الأندية». وهي تحيل ما حدث إلى وجود فجوة ثقافية بين الواقع والطموح، لعل من أسبابها مكونات الثقافة السائدة التي تغلب عليها ثقافة المنتديات والانترنت. ومن ابرز سلبيات هذه الثقافة، كما تضيف، عدم تحري المصداقية والدقة في الحصول على المعلومة. أما بالنسبة للهجوم على نادي حائل الأدبي، فهو، في رأيها، مفتعل وشخصي، وما زال مجتمعنا يحارب الناجحين في كل مكان وليس في النادي وحده.

* العبيلان: ننتظر تصرف

* الجهات الرسمية مع النادي

* الشيخ عبد الله العبيلان، وهو من مشايخ مدينة حائل، أحد أقطاب القضية المطروحة الآن في حائل حول ناديها الأدبي. وكان العبيلان قد أصدر في شهر مايو/ أيار الماضي، فتوى بسقوط «عدالة» من شاهد فيلم «الظلام» من الرجال والنساء. فالفيلم «يدعو إلى التنصير، حيث تظهر الفتاة وهي في طريقها إلى الكنيسة في بداية الفيلم»، إضافة إلى أن «النادي يدعو النساء للحضور لمشاهدة الأفلام وهذا لا يحدث في أي بلد آخر حتى البلاد التي بها قاعات سينما»، بحسب العبيلان.

ويتحدث الفيلم عن قصة إنسانية لفتاة ولدت بعاهتين، وتمكنت بمساعدة معلمها من تجاوز هاتين العاهتين وإكمال تعليمها الجامعي، وقد عرض الفيلم مرتين في النادي خلال شهر مايو/ أيار/ الماضي، المرة الثانية كانت تحت الحراسة الأمنية. ويمكن القول إن عرض فيلم الظلام هو الذي زاد حدة المواجهة بين الطرفين. من جانبه رفض الشيخ العبيلان في اتصال مع «الشرق الأوسط»، التعليق على ما حدث، معتبراً أن القضية منظورة أمام الجهات الرسمية، وينتظر هو وغيره من أبناء منطقة حائل ما سيبت في أمر النادي، وأمر إدارته، على حد قوله.

* عبده خال: اتهامات بالجملة

* وكان الروائي عبده خال، قد أقام أمسية في نادي حائل الأدبي قبل حوالي سنة ونصف، أثارت كثيراً من الجدل هناك، حيث بقي خال تحت الحراسة الأمنية حتى غادر المنطقة، خشية التعرض لسلامته. يقول الخال تعقيباً على ذلك: «علمتُ فيما بعد بهذه الأخبار، لكني لاحظت خلال الأمسية، أن الجو كان متوتراً. كانت هناك مجموعة تتقصد الإساءة إليّ عن طريق اجتزاء مقاطع من الروايات التي كتبتها، أُخرجتْ عن سياقها الذي كتبت فيه، مما أدى إلى تغير معناها، وبالتالي مواجهتي بتهم لم اقترفها، من أبرزها أنني ضد الوطن أو أسعى إلى هدم الدين».

ويرى خال أن (أعظم التهم التي يواجهها المثقف في مجتمعه، هي خيانة الدين والوطن)، مشيراً إلى خطورة اتهام المثقفين بالعمالة للسفارات الأجنبية، إضافة إلى اتهامهم بتقاضي العمولات لقاء ما يطرحونه من أفكار، مؤكداً أن كل هذه عناوين وادعاءات القصد منها وقف التطور الذي ينادي به الكتاب والمثقفون.

 > كيف يقرأ المثقفون السعوديون المشهد في حائل؟

* السريحي: التشدد ليس سمة عامة ولكنه سمة عالية الصوت

* تعقيبا على هذه الظاهرة، يقول الناقد الأدبي الدكتور سعيد السريحي: «علينا الا نعمم حادثة وقعت هنا أو هناك، لتصبح سمة من سمات منطقة ما من المناطق، وعلينا أن ندرك أن المتشددين في كل منطقة من المناطق، لا يشكلون أكثرية تغلب عليها بقدر ما يشكلون الصوت العالي الذي يطغى على الأصوات الأخرى. التشدد ليس سمة عامة، ولكنه سمة عالية الصوت، ولذلك يفرض البعض مقترحاتهم، وآراءههم وتصوراتهم ليس من حيث انهم أكثرية ممثلة للمواطنين، ولكن باعتبارهم أقلية تمتلك الجرأة في التصريح بما تريد والمطالبة بفرض ما تراه».

ابحث عن الناس في اسواقهم، في بيوتهم، في محلات استقبال البث الفضائي، ومحلات الجوالات، في الاستراحات، ستجدهم لم يتغيروا. المتشددون يظهرون في بعض المواقع، ليعلو صوت التشدد على ألسنتهم». 

* الخالدي: اختبار التسامح

* ويتساءل الدكتور مبارك الخالدي، نائب رئيس نادي الشرقية الأدبي: «ما هو الدليل على أن حائل كانت تتمتع بالتسامح»؟، ويجيب: «قد يكون التسامح الذي يفترضه بعض المثقفين، غير موجود، أو أنه لم يوضع على المحك، ويختبر بشكل جدي، يظهره على حقيقته، وقد تكون الفعاليات التي تبناها النادي هناك، أشبه بالمحفز المستخدم في التفاعلات الكيمائية، هذا المحفز نشط ما كان مستترا وطفا على السطح. وحتى لا نحمل حائل أكثر مما تحتمل، فكثير من المناطق الأخرى لها نفس السمات، أي أنها تحتاج إلى محفز حتى يختبر التسامح الذي يقال انه موجود». ويخلص الخالدي إلى أن استمرار المواجهة في أدبي حائل وتصاعدها، يرجع إلى أن المجتمع هناك نسيج واحد مما يؤدي إلى التماسك الاجتماعي.

ويستشهد الخالدي بما حدث في نادي الشرقية الأدبي، من ردة فعل تجاه الفيلم الإيراني، الذي أوقف عرضه نتيجة الاعتراضات، لكن هذه الحادثة كما يقول الخالدي، تم امتصاصها في وقتها ولم تتطور إلى أشكال أخرى من المواجهة، ولم تستمر أيضاً كما حدث في حائل.

* مثقفون سعوديون يخشون أن يؤدي السجال الثقافي إلى انسداد قنوات التواصل بينهم

* الطائف: طارق الثقفي

 

* في مدينة الطائف على السفوح الشرقية لجبال السروات، عبّر عدد من المثقفين هناك عن خشيتهم أن يتطور الجدل داخل أروقة المؤسسات الثقافية إلى حالة من انسداد قنوات التواصل بين أطياف المشهد الثقافي.

وأوضح وكيل وزارة الثقافة والإعلام لشؤون الأندية الأدبية الدكتور عبد العزيز السبيل لـ «الشرق الأوسط» أن الأندية الأدبية في مختلف أرجاء السعودية جديرة باختيار أطروحاتها ونقاشاتها، وهي تعرف حاجة المجتمع الثقافية والاجتماعية، ووزارة الثقافة والإعلام تضع الرؤى والأفكار العامة. وبين الدكتور السبيل أن المجتمع السعودي بات أكثر انفتاحاً وإدراكية وتفهماً للآخر، فالمجتمع يتغير باتجاه الانفتاح، مشيراً إلى أن العاكفين على الأندية الأدبية نخبة من الأدباء والمثقفين الذين يدركون جيداً حساسية بعض الموضوعات وهم أنفسهم جديرون بالتنسيق المسبق في شأن بعض المواضيع.

وتقول الشاعرة فوزية أبو خالد التي كانت أمسية سابقة لها في نادي حائل الأدبي قد شهدت جدلاً واسعاً: «ان هناك شريحة تحاول ممارسة أفكار القمع والإقصاء بيد أن الجو لم يعد مواتياً لها». أما الكاتب حماد السالمي نائب رئيس نادي الطائف الأدبي، فيرى أن الاستهداف يأتي من فئة تمثل شريحة تستمد قناعاتها، من منظور يعادي في الغالب ما يُطرح من مشاريع ثقافية لاعتقادها أن كل هذا هو ضرب من التغريب.

ويورد السالمي امثلة لحالات التصادم التي جرى فيها التوسل بأساليب بعيدة عن روح الحوار والمشاركة (مثلما حدث في معرض الكتاب، وكما جرى في كلية اليمامة، وقبلها في نادي الطائف الثقافي، حيث تم حشد عدد من الشباب من صغار السن، واليافعين لإحداث هياج وسط الساحة وحاولوا متعمدين الإساءة للدكتور حمزة المزيني).

أما الكاتب الدكتور محمد المحمود فأشار إلى إن استهداف الثقافة بالتخويف المعنوي أو المادي، هو ــ في الوقت نفسه ــ استهداف للإنسان ككل، من حيث إنه يستهدف وجوده الحقيقي والنوعي، إلى درجة أن تصبح فيها قيم الموت هي القيم التي تحكم وعي المجتمع من الداخل. إن التطرف لا يكتفي بالخيار الذاتي، بل هو بطبيعته يريد قسر المجتمع على أن يرى رؤاه، أي انه ليس خيار انتحار فردي، وإنما قسر المجتمع على الانتحار».