ماكليلان.. تفاصيل كثيرة وتهرب من المسؤولية

المتحدث الصحافي السابق باسم البيت الأبيض يصف واشنطن بـ«عاصمة الخداع»

TT

مؤخرا، صدر كتاب «وات هابيند» (ماذا حدث) الذي كتبه سكوت ماكليلان، المتحدث الصحافي باسم البيت الابيض لثلاث سنوات (2003-2006)، وصديق بوش ومساعده ومستشاره منذ ان كان بوش حاكما لولاية تكساس قبل عشر سنوات تقريبا.

احدث الكتاب ضجة كبيرة، وذلك لأن المعلومات التي وردت فيه كانت مفاجأة من رجل دافع عن بوش خلال كل هذه السنوات.

وصف ماكليلان حرب العراق بانها «غير ضرورية». وقال عن بوش إنه «يخدع نفسه». ولقب واشنطن بـ«عاصمة الخداع». وذكر عن كونداليزا رايس، وزيرة الخارجية، وقبل ذلك مستشارة بوش للامن الوطني، بأنها «لم تعارض رئيسها، واهتمت بسمعتها».

و«بابليك افيرز»، شركة النشر التي نشرت الكتاب، شركة شبه صحافية. ومؤسسها ورئيسها هو بيتر اوسنوس، الذي كان صحافيا في جريدة "واشنطن بوست، الذي لا يخفي معارضته للرئيس جورج بوش. وكثير من الكتب التي نشرتها شركته فيها نقد لسياساته.

ومنها كتاب «فقاعة»، كتاب جورج سيروس، بليونير الاستثمارات المهاجر من المجر، ومؤسس موقع «موف اون» المعارض لبوش في الانترنت. وكان الكتاب من اوائل الكتب التي انتقدت بوش سنة 2005.

ومؤخرا، نشرت الشركة كتاب «لا نرى النهاية» (لحرب العراق)، الذي كتبه شارلز فيرغسون، ثم اخرجه في فيلم وثائقي.

لكن انتقد البعض كتاب المتحدث الصحافي للرئيس بوش. اولا، انتقدته دانا برينو المتحدثة الصحافية الحالية للرئيس بوش. وقالت ان رئيسها انتقده ايضا، وكذلك فعل فلايشر، متحدث سابق باسم الرئيس بوش، والسناتور السابق بوب دول، من قادة الحزب الجمهوري، الذي أرسل رسالة الى المؤلف وصفه فيها بأنه «مخلوق تعيس»، وانه «عض اليد التي اطعمته»، وانه «لم يملك الشجاعة، في الماضي، ليقول ما يقول الآن».

ورغم ان دول سياسي منحاز الى بوش، ومن قادة الحزب الجمهوري الذين ايدوا غزو العراق، فهناك حقيقة في عبارة «لم يملك الشجاعة ...».

صار واضحا ان ماكليلان لم يكن شجاعا الى درجة ان يقول ما قال الآن عندما كان في البيت الابيض، ويقدم استقالته. لكنه، ليس أول وزراء ومستشاري بوش الذي لم يفعل ذلك. الوحيد الذي فعلها بول اونيل، وزير الخزانة في اول عهد بوش. لقد استقال بعد اقل من سنتين، وكتب كتابه «ثمن الولاء»، الذي انتقد فيه شخصية بوش وسياساته، وقال ان بوش كان يريد غزو العراق منذ ان فاز في الانتخابات.

لكن، بصورة عامة، يمكن القول ان واشنطن لم تعرف، ولا تعرف، كثيرا من السياسيين الذين عندهم شجاعة كافية ليستقيلوا من مناصبهم، وينتقدوا السياسات التي دفعتهم ليستقيلوا.

ولهذا، هناك حقيقة في عنوان كتاب ماكليلان «ماذا حدث: داخل البيت الابيض وجو الخداع في واشنطن».

وكما قال ناشر الكتاب، صار واضحا ان الاميركيين غيروا رأيهم في غزو العراق (ايده ثمانون في المائة، والآن يعارضه ثمانون في المائة). ولهذا، كان لا بد من شيئين يعتبران مسؤولية تاريخية، ومسؤولية اخلاقية:

اولا: معرفة تفاصيل ما حدث.

ثانيا: معرفة من يتحمل المسؤولية.

قدم ماكليلان في كتابه تفاصيل كثيرة، وربما اهمها «بروباغندا» (الدعاية) التي خطط لها البيت الابيض لاقناع الاميركيين، وبقية شعوب العالم، بغزو العراق. ورغم ان ماكليلان لم يقدم تفاصيل جديدة، إلا انه يعيد التأكيد على ان الرئيس بوش قاد، حقيقة، حملة خداع جند لها كل اجهزة الحكومة، عسكريا، وسياسيا، واقتصاديا.

هل يكفي ان يكشف وزراء بوش ومستشاروه تفاصيل ما حدث؟ ماذا عن تحمل مسؤولية ما حدث؟ أولاً، يقول ماكليلان: «كنت متحدثا صحافيا، اجمع المعلومات واقدمها الى الصحافيين». لكن، بعد ان انتقد كثيرا بسبب ذلك، تنازل قليلا، وقال: «لم اكن اعرف كل التفاصيل الا عندما خرجت من البيت الابيض». ثم تنازل أكثر وقال: «نعم، كان يجب ان اعترض وانا داخل البيت الابيض».

ربما سيعتذر ماكليلان اعتذارا كاملا، وربما سيعتذر آخرون

لكن ماذا عن المسؤولية الفعلية؟ ماذا عن القتل والدمار؟

قبل أيام، أعلن عضو الكونغرس روبرت واكسلر (ديمقراطي، ولاية فلوريدا)، ورئيس لجنة الشؤون الدستورية والحريات، انه سيطلب من ماكليلان المثول امام اللجنة، واداء القسم، وتقديم تفاصيل «قانونية» عن ما حدث.

ماذا يعني ذلك؟ هل يعني ان الكونغرس قرر، أخيراً، ان يعاقب الذين ارتكبوا اكبر خطأ في تاريخ السياسة الخارجية الاميركية؟

وسط زوبعة الانتخابات، ومع استمرار وجود القوات الاميركية في العراق، ومع اقتراب نهاية ادارة الرئيس بوش، لا يبدو ان الكونغرس يريد محاكمة بوش، ولا حتى جمع معلومات عن ما حدث. لكن، التاريخ طويل، وربما سيكون كتاب ماكليلان اول خطوة نحو نحو كشف الحقائق وتحمل المسؤوليات.