«عقدة سندريلا» تتحكم في سلوك النساء العصريات

روايات الأطفال بين الإمتاع والإفساد

TT

بدأت عروض فيلم «سكس آند ذا سيتي» (الجنس والمدينة)، وهو متابعة لمسلسل تلفزيوني يحمل نفس الاسم. القصة تدور حول أربع اميركيات يعشن في نيويورك: الاولى زوجه، لكن زوجها يخونها مع امرأة اخرى. والثانية أنجبت بنتاً من صديقها، لكنه لا يريد ان يتزوجها. والثالثة لم تنجب من صديقها ولا يريد ان يتزوجها. والرابعة تغير صديقاً بعد صديق، بحثاً عمن يتزوجها. علق ناقد في جريدة «واشنطن بوست» على الفيلم بالقول إنه «يلخص القصة الأبدية للأنثى، منذ أيام سندريلا. قصة الاميرة التي تبحث عن فارس يتزوجها. فقد دخلت المرأة الاميركية القرن الحادي والعشرين، وكادت تفوز برئاسة الجمهورية، وطارت أميركيات في الفضاء، وربما سينزلن على سطح القمر، لكن تظل المرأة تتجمل، وتلبس، وتتأنق، بحثا عن زوج. تماماً مثلما فعلت سندريلا قبل مائتي سنة».

ربما لم تشتهر رواية خيالية مثل «سندريلا». فقبل ستين سنة، انتجت استوديوهات «ديزني» أول فيلم بهذا الاسم. وقبل ست سنوات صدر فيلم: «سندريلا تصير حقيقة»، وقبل سنة، خرج من ديزني أيضاً فيلم: «سندريلا تعصف بها الرياح». وهناك مسلسلات عديدة عن سندريلا، وأفلام كرتون ومسرحيات، وهناك فرقة غنائية اسمها سندريلا، ومتحف سندريلا، وقسم في جامعة «سنترال مسيسبي» متخصص في دور سندريلا في الثقافة الاميركية. وغنى ستيفن شابمان»: «ابنتي سندريلا». وتقول بدايتها: «نادتني ابنتي: يا أبي، انظر الى فستاني الابيض الجميل. ألا يثيره؟ ألا يغريه؟ تنتظرني العربة في الخارج لتاخذني الى القصر. لا بد أن أكون هناك قبل منتصف الليل». حتى الباكستاني ساجد علي، غنى سندريلا، وغنت برتني سبيرز: «كنت صديقتك، وكنت تناديني، سندريلا. وكنت اسرع كلما تناديني. لكني لم اعد اصدق الروايات الخيالية. الآن، ليس أمامنا سوى الامر الواقع. أطلب منك ان تغفر لي، لأني لن ابقى معك بعد اليوم. أطلب منك ان تغفر لي لأنني سأهرب غداً، صارت سندريلا حرة ومستقلة«.

القصة التي يعرفها الجميع أن سندريلا بعد وفاة والدتها، عاشت في منزل والدها، مع زوجته وابنتيها التعيستين. كان الثلاثة يأمرنها بان تغسل ملابسهن، وتنظف غرفهن، وتعد طعامهن. لم تكن لها من صديقة غير ساحرة عجوز، أقنعتها بحضور حفلة رقص في قصر الأمير العازب الذي يبحث عن زوجة، لكن ساندريلا نسيت فردة حذائها الزجاجي وهي مسرعة في طريق العودة. أخذ جنود الامير الذي وقع في غرامها، يبحثون عن صاحبة فردة الحذاء إلى ان عثروا عليها. وكادت الغيرة ان تقتل الاختين وهما تريان سندريلا تستعجل وترتدي أجمل ملابسها، لتحملها عربة الخيول الى قصر الامير قبل ان تدق الساعة منتصف الليل، ليتزوجها.

هناك اكثر من مائة رواية عن «سندريلا»، تختلف في التفاصيل، وتتفق في المعنى: البنت الجميلة التي تقاسي من معاملة زوجة والدها، وتصبر على ذلك، حتى يأتي يوم تصير فيه زوجة لأمير.

لكن قبل رواية «سندريلا» الألمانية في القرن السابع عشر، تناقلت الوثائق التاريخية روايات مماثلة. ففي القرن الثاني قبل الميلاد، رسم الفراعنة صور «رودبس» الجميلة، التي أساءت زوجة والدها معاملتها، ولم تأخذها الى حفل الفرعون «اماسيس» في ممفيس. لكن، هبط صقر أمام «رودبس»، والتقط فردة حذائها، ورماها امام الفرعون خلال الحفل. تعجب الفرعون، وقال انه يحس بأن صاحبة الحذاء ستكون احسن زوجة له. وأرسل خدمه مع فردة الحذاء، يبحثون عن صاحبتها، حتى وجدوا «رودبس» وتزوجها. وسنة 860 ميلادية في الصين، كسبت البنت الجميلة «اكسوان» قلب الامير بنفس الطريقة، ولكن بدلا عن صقر خطف فردة حذائها، كانت هناك سمكة سحرية.

وفي سنة 1639، كتب الماني رواية «سندريلا» التي تشتهر حالياً. واشتق الاسم من كلمة «سندر»، ومعناها الرماد، اشارة الى إجبار سندريلا على تنظيف البيت والمدفأة، مما جعل الرماد يغطي جسمها وملابسها.

مؤخرا، اصدرت اليزابيث غروارهولتز، أستاذة الثقافة الاميركية في جامعة بيردو (ولاية انديانا) نتائج بحث عن «التركيز على جمال بطلات الروايات الخيالية». وانتقدت هذه الروايات لأنها: اولا: تقدس البنت البيضاء ذات الشعر الاشقر، والعينين الزرقاوين، والخدين الورديين.

ثانيا: تقدس الجمال، وكأن البنت غير الجميلة، او ذات الجمال المتوسط لا أمل لها.

ثالثا: توحي بأن أفضل الرجال هم الأمراء، والذين يعيشون في القصور. وأضاف البحث ان هناك روايات وأفلاما اخرى تشجع نفس القيم، وتقدم نفس الإغراءات، مثل: «الجميلة النائمة» و«بيضاء الجليد» و«الجيلة والوحش»،... ولاحظ البحث ان هذه القصص ليست فيها فتاة سمراء او سوداء او صفراء. وان البنات القبيحات هن الشريرات.

لكن، خلال السنوات القليلة الماضية، ظهرت روايات وأفلام جديدة، خاصة افلام «ديزني» عن حسناوات من العالم الثالث، مثل: ياسمين، العربية السمراء، في فيلم «علاء الدين»، و«مولان» الصينية، و«بوكاهانا» من الهنود الحمر.

وايضا، كتب غربيون وغربيات عن «سندريلات العالم الثالث»: كتبت ربيكا هيكوكس رواية سندريلا عراقية. وكتبت شيرلي كليمو رواية عن سندريلا ايرانية. وكتب جون ستيبتو عن سندريلا افريقية من «موفارو» من غرب افريقيا، التي تذهب الى كوخ زعيم القبيلة ليختارها زوجه له. وكتبت شيرل كليمو رواية «سندريلا المصرية» عن خادمة عند فرعون، يختارها لتكون ملكة، وهي نسخة جديدة لقصة «رودبس» التي عمرها خمسة آلاف سنة.

غير ان اي واحدة من هذه الروايات لم تجد شهرة روايات البنات البيضاوات. ولا تزال روايات الاطفال الخيالية الاميركية (وخاصة الاوروبية) تسيطر عليها البيضاوات. ولا تزال العولمة التي صدّرت «الهامبيرغر» و«بيبسي كولا» و «كوكا كولا» و«البيتزا»، تصدر «سندريلا» الشقراء.

ولا تزال دور النشر الاميركية والاوروبية تصدر روايات على خطى سندريلا، مثل: رواية باربرا ماكلينتوك عن «سندريلا التي سلبت قلب لويس الرابع عشر في فرنسا». ورواية شارلوت هاك عن سندريلا في بلاط صاحب الجلالة ملك بريطانيا. ورواية ماريام مايار عن «سندريلا الروسية، فاسيليسا، التي تزوجها قيصر في القرن التاسع عشر».

خلال السنوات القليلة الماضية، بدأت تظهر تقارير في الصحف والدوريات عن ظاهرة خطيرة بسبب عولمة «سندريلا»، وبقية الروايات الخيالية الاوروبية، بالاضافة الى انتشار الافلام والمسلسلات التلفزيونية الاميركية والاوروبية، وهي ما تسمي «عقدة سندريلا». تعني هذه رغبة كبيرة من نساء العالم الثالث في استعمال كريمات لتبيض اجسادهن.

وكتبت دورية «فورين بوليسي» (السياسة الخارجية) التي يصدرها مركز «كارنغي» في واشنطن (الدورية محترمة، والمركز محترم) عن ظاهرة «تبييض البشرة» في العالم الثالث، في أوساط النساء السوداوات، والسمراوات، والصفراوات.

وحذرت إدارة الطعام والأدوية الفيدرالية الاميركية من ان بعض هذه الكريمات فيها زئبق يؤذي الجسم. وقالت جريدة «بوسطن غلوب» إن كثيراً من نساء دول العالم الثالث يشاهدن الممثلاث البيضاوات في السينما والتلفزيون، ويردن ان يكن مثلهن في اللون. وقالت أستاذة جامعة بيردو (في ولاية انديانا) إن روايات الاطفال الخيالية، مثل «سندريلا» تؤثر على تفكير البنات، وتجعلهن يعتقدن ان الشعر الاشقر والخدين الورديين والعينين الزرقاوين هما الطريق نحو قلب الرجل. وقالت الجريدة: «اذا كان هذا هو الحال وسط البنات الاميركيات، لا بد ان التأثير أكبر، وأخطر، وسط بنات العالم الثالث«.

وكتبت جريدة «نيويورك تايمز» عن بانيا بوشان، فتاة في تايلند فصلها مدير الشركة لأن لون جسمها صار قبيحاً بعد ان استعملت كريم تبييض فيه زئبق. وكتبت جريدة «واشنطن بوست» عن مرهام شاروكي، في الهند، التي تستعمل كريم تبييض، وتحمل في يدها مجلة فيها صورة سندريلا، وقالت انها تريد ان تكون مثلها.

وأخيراً، لا بأس ان تريد الاميركيات البيضاوات (كما في الفيلم الجديد) السير على خطى «سندريلا» وتجميل أنفسهن، وشراء أجمل الفساتين لإغراء الرجال. لكن، هذا شيء، وأن تعتقد النساء السمراوات، والسوداوات، والصفراوات ان السير على خطى «سندريلا» معناه تبييض أجسامهن. وعلى هؤلاء النسوة ان يتذكرن، دائماً، ان ياسمين في فيلم «علاء الدين» سمراء، ومولان في فيلم «مولان» صفراء.