الشاعر محمد الثبيتي.. هدوء في قلب العاصفة

قال لـ «الشرق الأوسط» : لو كان الغذامي حاكما لأصبح طاغوتا لكني لن أفرّط في شرف عداوته

TT

يعد الشاعر السعودي محمد الثبيتي صاحب قصائد «التضاريس»، و«تغريبة القوافل والمطر»، «موقف الرمل»، «الجناس»، «وضّاح» و«بوابة الريح»، أحد أبرز الشعراء السعوديين الذين يعدون من ممثلي حركة الحداثة، فهو أحد رواد قصيدة التفعيلة ومن أبرز كتابها ليس على المستوى السعودي فقط، ولكن على المستوى العربي أيضاً، من ناحية نضج القاموس الشعري، وتوظيف المفردة التراثية والبدوية، وجمال اللفظ والموسيقى وغزارة المعاني والرمزية الصوفية. وقد ثار حول أشعاره لغط كبير، في فترة التجاذب بين التيارات الحداثية والمحافظة ليتوقف لفترة طويلة ويعود في المشهد الثقافي أخيراً بقوة بـ«موقف الرمال» متزامنا مع استعادة المشهد الثقافي كثيرا من عافيته.

والثبيتي شاعر مولود من رحم القصيدة التقليدية، وشعره ممزوج بروح بدوية واضحة، ولعل لهذا الإرث المزدوج دورا في احتفاظ قصيدته بالموسيقى والقافية حتى عندما انتقل إلى كتابة قصيدة التفعيلة وبرز فيها.

ولد محمد عواض الثبيتي في عام 1952 في منطقة الطائف وحصل على بكالرويس في علم الاجتماع وعمل في التعليم. وصدرت له الدواوين التالية: «عاشقة الزمن الوردي» 1982، «تهجيت حلما.. تهجيت وهما» 1984، «التضاريس» 1986، وأخيراً «موقف الرمال».

يمتاز الثبيتي بحسّ أدبي شفاف، يجعله يتعامل مع الأشياء من حوله بلغة شاعر، كما يمتاز بتواضع جمّ، وربما هذا التواضع جعله يتعامل مع المواجهات التي وجد نفسه في حومتها بكثير من «الرضوخ»، كما دفعه لالتزام الصمت أو الاحتجاج بلغة هادئة حين حرم من جائزة نادي جدة الأدبي مطلع التسعينات، قبل أن يجري تقديره في نفس النادي بعد سنين، وهو كان في قلب العاصفة وداخل حمأة السجال بين الأطياف الثقافية، حيث اضطر «حسب قوله» للمثول أمام ممثلين من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مكة المكرمة ذات مرة لتفسير أشعاره، قبل أن يجري تحويله إلى المحكمة.

وبعد أزمته في نادي جدة الأدبي، وصراعاته مع المتشددين، لاذ بالصمت قسطاً من الزمن، لكنه حوّل صمته إلى عطاء شعري «فترة الانكفاء والصمت هي التي أنتجت ديوان «موقف الرمال»، كما يقول لنا.

ويتعاطى الثبيتي مع تلك المرحلة بإيجابية، ويقول عن حادث تعرض له في نادي جدة مما اضطره أن يخرج من بابه الخلفي خوفاً من تعرضه لاعتداء، وهي الليلة التي أطلق عليها عبد الفتاح أبو مدين «ليلة الثبيتي»، أن «الأيام والليالي حولتها إلى ذكرى جميلة».

أما عن مرحلة صدور كتاب «الحداثة في ميزان الإسلام» للدكتور عوض القرني وهو الكتاب الذي هاجم الحداثيين وبينهم الثبيتي، فيقول ان الكتاب يمثل «شهادة تاريخية كتبت لتكون حجة علينا فأصبحت شهادة لنا».

والوداعة في شخصية الثبيتي حالة عامة، فحين طلبنا منه أن يعلق على كلام للشاعر محمد العلي في حوار له قال فيه «ان لغة محمد الثبيتي الشعرية لم تعد قادرة على تجاوز نفسها»، أجاب باقتضاب: «حسبي أن يذكرني شيخي».

وحين واجهناه أن الناقد الدكتور عبد الله الغذامي يتظاهر في مناسبات كثيرة بأنه لا يرى ولا يقرأ نص الثبيتي الشعري، ولا يذكره أبداً عندما يتحدث عن الأسماء الشعرية في الساحة السعودية، أجاب: «لو كان الدكتور عبد الله الغذامي حاكماً لكان طاغوتاً وما بيننا لا يمنعني من رؤية قامته العالية. أنا لن أفرط في شرف عداوته بعدما حجب عنا شرف صداقته».

لكن الناقد الأدبي والشاعر الدكتور سعيد السريحي، يقيم شعر الثبيتي عالياً، وذكر مرة في حوار معه ما يلي: «أجبن أن أقول انني شاعر وأنا أقرأ محمد الثبيتي. هذا الرجل كسرني تماماً، وجعلني أتواضع أمام قصيدته وأنفي عن نفسي الشعرية». وتنقل «الشرق الأوسط» عن تعليق الثبيتي على كلام السريحي إذ قال: «هذا الكلام قاله السريحي ليدفع عني شبهة السرقة، وذلك حين فتش أوراقه ذات يوم فلم يجد قصيدة «التضاريس». أرأيت أنبل من هذا الرجل؟».

من جهة أخرى، يرد الشاعر على الأقاويل التي راجت عن منع وزارة الثقافة والإعلام الترخيص لطبعة جديدة من ديوانه «التضاريس» الصادر عام 1986، بالإضافة إلى سحب الطبعة الاولى من الأسواق، بقوله: «هذا غير صحيح فوزارة الثقافة لم تمنع إصدار طبعة جديدة من التضاريس وليست هي الجهة المسؤولة عن سحب الطبعة الأولى».

حصل الشاعر الثبيتي على العديد من الجوائز، منها جائزة نادي جدة الثقافي عام 1991 عن ديوان «التضاريس»، وجائزة أفضل قصيدة في الدورة السابعة لمؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري عام 2000، عن قصيدة «موقف الرمال.. موقف الجناس»، وجائزة ولقب «شاعر عكاظ» عام 2007 في حفل تدشين فعاليات مهرجان سوق عكاظ التاريخي الأول. وهو يقول ان شعوره أمام هذه الجوائز كان مرهفاً كإحساس الأطفال «فقد تقبلتها كطفل وقبلتها كصوفي».

ورغم موهبته الشعرية الواضحة والمعترف بها محليا وعربيا، فإن الثبيتي كسول جداً، فـ«التضاريس»، مثلا، صدر قبل 22 عاماً، بينما صدرت مجموعته التالية «موقف الرمل» قبل عامين. وحين سألناه كيف يبرر هذا الكسل، أجاب: «أنا لا أحترف الشعر. وأكره أن أجد مبرراً لتكاسلي. أو قلة قصائدي».

* مقطع من قصيدة «التضاريــس»

* ترتيلة البدء

جئتُ عرافاً لهذا الرملِ

استقصي احتمالات السوادْ

جئت ابتاع أساطيرَ

ووقتاً ورمادْ

بين عينيَّ وبين السبت طقسٌ ومدينهْ..

خدر ينساب من ثدي السفينهْ

هذه أولى القراءاتِ

وهذا ورق التين يبوحْ

قل: هو الرعد يعرِّي جسد الموتِ

ويستثني تضاريس الخصوبهْ

قل: هي النار العجيبهْ

تستوي خلف المدار الحرِّ تِنيناً جميلاً ..

وبكارهْ

نخلة حبلى،

مخاضاً للحجارهْ

* مقطع من تغريبة القوافل والمطر

* ادرْ مُهج الصبحِ

صبَّ لنا وطنًا في الكؤوسْ

يدير الرؤوسْ

وزدنا من الشاذلية حتى تفيء السحابه

ادر مهجة الصبح

واسفح على قلل القوم قهوتك المرّةَ

المستطابه

ادر مهجة الصبح ممزوجة باللظى

وقلّبْ مواجعنا فوق جمر الغضا

ثم هات الربابة

هات الربابه:

ألا ديمة زرقاء تكتظ بالدما

فتجلو سواد الماء عن ساحل الظما

ألا قمرًا يحمرُّ في غرة الدجى

ويهمي على الصحراء غيثاً وأنجما

فنكسوه من أحزاننا البيض حُلةً

ونتلو على أبوابه سورة الحِمى

ألا أيها المخبوء بين خيامنا

أدمت مطال الرمل حتى تورّما

أدمت مطال الرمل فاصنع له يدًا

ومدَّ له في حانة الوقت موسما

ادر مهجة الصبحِ

حتى يئن عمود الضحى

وجددْ دم الزعفران إذا ما امّحى

ادر مهجة الصبح حتى ترى مفرق الضوء

بين الصدور وبين اللحى.