المرأة المضطهدة اختفت من النصوص المدرسية وبقيت في الواقع

«صالح يزور تونس» و«فاطمة تطبخ بالمنزل»

المرأة ضحية عقدة الدونية
TT

عندما وصلتني دعوة الملتقى الدولي حول «صورة المرأة العربية في مناهج التعليم بين النمطية والدور الفاعل في التنمية» من «الالكسو» المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم»، قفزت الى ذهني مباشرة تلك الصورة التي تلقيناها ونحن على مقاعد الدراسة في سنتنا الاولى ابتدائي لعنوانين بارزين لا يمكن ان يمّحيا من ذاكرتي ابداً، يعرفهما جيل الستينات والسبعينات في تونس ممن درسوا في ذلك المقرر. العنوانان هما: «صالح يزور تونس» و«فاطمة تطبخ بالمنزل» هو «واقف امام واجهة بلورية بأحد شوارع العاصمة» وهي «أمام كانون تحرك قدراً بالمطبخ»، هذا لا يمكن ان أنساه أبداً، لانني كرهت الطبخ منذ ذلك الحين باعتباره قدر المرأة ووظيفتها الاساسية مع وظائف أخرى تصرّ العقليات التقليدية ان تكون من مشمولاتها دون الرجل، كالكي والغسيل والتنظيف.

 هذه الصورة النمطية امحّت الآن من الكتب المدرسية بتغيير المقرّر الذي لم يعد لائقاً بنهضة مجتمع يصبو إلى الحداثة، وقد خرجت فيه المرأة إلى سوق العمل للقيام بمهام أخرى غير الطبخ والغسل والمسح والشطف. ولكن هل تغيرت النظرة الدونية إلى المرأة، وهل تغيّر واقع المرأة وأُعفيت فعلا من هذه الوظائف التي وجب تقاسمها مع الرجل؟ بما انها صارت تعمل وتتعب مثله، أم ان الوضع ما زال على حاله وخروجها للعمل لم يحررها من تحمل كل هذه الاعباء بمفردها في البيت؟.

 المسألة ليست في اللامساواة في تقاسم المسؤولية فقط ولكن ذلك يمكن ان يؤثر في اختيارات البنت مهنيا حيث لاحظ المنجي بوسنينة، رئيس المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في الكلمة التي القاها في مفتتح هذه الندوة ان «الفجوة كبيرة بين الجنسين على مستوى المشاركة في النشاط الاقتصادي للدول العربية عموما، وذلك من خلال الحضور في سوق العمل، كما لاحظ النسب الضئيلة لالتحاق الفتيات بالتخصصات الصناعية في التعليم المهني والتقني مقابل حضورهن المكثف في التخصصات الادارية والتجارية والصحية، مما يطرح قضية التمايز والتمييز بين ادوار الجنسين في مجتمعاتنا العربية بشكل عام وسوق العمل بشكل خاص».

وفي بحث قدمته راضية عبد الرحمن من مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث «كوثر» بعنوان: «رهانات تصحيح صورة المرأة العربية من النمطية الى الفاعلية في التنمية من خلال المناهج التعليمية» قامت فيه بجرد لنصوص الكتب المعتمدة في البرامج الرسمية بالبلاد التونسية للمرحلة الاولى من التعليم الاساسي مقارنة إياها ببعض البحوث التي اعدت في بلدان عربية اخرى لاستخلاص ملامح الصورة النمطية للمرأة العربية في المناهج التعليمية، فوجدت ان النسب ضئيلة في تصوير المرأة في كل المجالات شأنها شأن الرجل الا انها بدأت تسجل علاقتها مع الحاسوب ومع التكنولوجيا في إصلاح المذياع مثلا او الساعة الا ان هناك مجالات بقيت حكراً على الرجل، ذات طابع تكنولوجي وبعد مغامراتي كالخبرة في علوم البحار وملاحة المنطاد والهندسة، مقابل طموحات محدودة للمرأة لا تتجاوز التعليم او التمريض وفي اقصى الحالات التطبيب.

ومن أهم ما تقترحه الباحثة لخلق ألفة بين التلميذ والمرأة مدّه بجرعة أكبر من النصوص بأقلام نسائية دون أن يكون الموضوع حتما مشاغل المرأة.

، ذلك ان التلميذ يكاد ينهي المرحلة الاساسية من تعليمه وهو لا يعرف إلا صوت الكتّاب الرجال ويندر جداً، بل قد ينعدم اطلاّعه او بحثه في إعداد النص عن ـ حياة الكاتبة ـ ذلك ان العبارة المتكررة لديه هي ـ حياة الكاتب ـ.

كانت الندوة محاولة للوقوف على تجارب بعض البلدان العربية والاجنبية، كذلك لمعرفة مدى مساهمة المناهج التربوية في تغيير الصورة النمطية للمرأة العربية، لكن أليست المناهج في كل الاقطار انما تعكس واقع المرأة الذي ما زال يحتاج إلى الكثير من الجهود ليتغير إلى مستوى المساواة في الحقوق والواجبات بين المرأة والرجل، الذي يجب ان يبدأ من البيت قبل المدرسة، ومن الأم قبل الرجل لانها هي التي تصنع الفروقات داخل العائلة بتمييزها بين البنت والولد، وهي التي تُسيّد الأخ على أخته احيانا بوعي واحيانا بغير وعي، والمطلوب الآن ان تستجمع الأم والعائلة كل وعيها لتربية تراعي الفروقات البيولوجية دون السقوط في التفاضل والدونية.