دبي.. هوية ثقافية متعددة لمدينة عالمية

خور دبي سيحول الإمارة إلى مركز ثقافي لحوار الحضارات

TT

أكثر من 200 جنسية من مختلف أنحاء العالم تستقر وتعمل وتستثمر في دبي، الإمارة الخليجية التي تنمو بسرعة الصاروخ، ففي فترة وجيزة لا تتعدى ربع قرن، تمكنت دبي أن تتحول إلى مدينة عالمية، بطراز عصري حداثي لم يألفه محيطها الخليجي، لكنها أيضاً أرست دعائم ثقافية تناسب كونها مدينة عالمية تعبر عن طموح جميع سكانها، وتوفر لهم باختلاف هوياتهم مساحات للتعبير، وفضاءات للإبداع.

وكان مشروع (خور دبي) الثقافي العملاق، وهو اكبر المشاريع العربية على الصعيد الثقافي، الاستراتيجية التي تبلور من خلالها دبي قدرتها على التحدي في تكوين هوية ثقافية تحترم التعدد، وتحتضن التنوع والاختلاف.

لكن إلى أي حدّ يرى المثقفون وصناع الثقافة في الإمارة الخليجية هذه المبادرة جادة و(ممكنة) في ظل التهافت على التمسك بالعصبيات، هذا ما يناقشه التحقيق التالي، مع مجموعة من مسؤولي الثقافة في دبي.

حسب ما جاء في ملامح خطة دبي الاستراتيجية 2015، فإن الارتقاء بالحياة والحركة الثقافية في دبي سيقوم عن طريق تحديث الإطار التنظيمي للقطاع الثقافي، وتطوير مرافق عالية المستوى لاستقطاب الفعاليات الفنية والثقافية العالمية، وزيادة الوعي والاهتمام بالنشاطات الثقافية، وتشجيع وتعزيز كل المواهب. ومن أجل إتمام هذه الوسائل تم تأسيس هيئة الثقافة والفنون في شهر مارس (آذار) الماضي لتعزيز مكانة دبي كواحدة من أكثر المدن العالمية تنوعا على الصعيد الثقافي، حيث يتلاقى الشرق مع الغرب، كما ستعمل على تشجيع سكان دبي الذين ينتمون إلى أكثر من 200 جنسية، على التفاعل والمساهمة في الحيــاة الثقافية والفنية التي تزخر بها الإمارة، كون الثقافة والتراث والفنون تلعب دورا مهما في تعزيز التنمية الاجتماعية في دبي والإمارات، كما بناء جسور التواصل والاحتفاء بثقافات المنطقة والعالم، تمثل عناصر أساسية في المعنى الأصيل للثقافة والتراث والفن.

وبالإضافة لإنشاء (مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم) التي تعنى بالتنمية العملية والمعرفية العربية، بوقفية تبلغ 37 مليار درهم، أطلق الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات ورئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في 26 مارس الماضي مشروع (خور دبي) الثقافي، الذي يمتد على مسافة تزيد على 20 كيلومتراً، بدءاً من منطقة الشندغة، أعرق الأحياء السكنية في دبي، حتى الخليج التجاري، أحدث مراكز المال والأعمال فيها. ويتمحور المشروع حول خور دبي الذي سيمثل عصب المشروع، والقلب النابض للحياة الثقافية والفنية في دبي.

وسيضم المشروع 72 معلماً تراثياً تشمل داراً للأوبرا، وأكثر من 10 متاحف، و14 مسرحا، و11 قاعة عرض، و9 مكتبات عامة، و72 «أيقونة ثقافية»، و7 معاهد للثقافة والفنون للفنانين المحليين والأجانب بتكلفة نحو 184 مليار درهم، (50 مليار دولار) وينفذ على مراحل بالتعاون بين القطاعين العام والخاص على مسافة عشرين كيلومترا بدءا من منطقة الشندغة، حتى الخليج التجاري ويتمحور حول خور دبي الذي سيحول دبي إلى مركز ثقافي عالمي ويجعل من دولة الإمارات مركزا لحوار الحضارات.

ولفت الدكتور عمر محمد أحمد بن سليمان، محافظ مركز دبي المالي العالمي، والعضو المنتدب لهيئة دبي للثقافة والفنون إلى أن مشروع خور دبي سوف (يعكس مكانة دبي كمدينة عالمية متعددة الثقافات).

ورأى عدد من المثقفين الإماراتيين وبينهم مسؤولون في قطاع الثقافة أن التوجه نحو تعزيز هوية ثقافية متعددة، يمثل طموحاً لإمارة دبي، ولا يشكل في ذات الوقت تهديداً للثقافة المحلية أو الهوية الوطنية.

البدور: دبي..

* تثاقف بين القوميات

بلال ربيع البدور، المدير التنفيذي للثقافة والفنون، بوزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع قال لـ«الشرق الأوسط»: إن النهضة الثقافية التي تعيشها إمارة دبي هذه الأيام هي امتداد لما كان يدور من حراك ثقافي عبر تاريخ الإمارة، حيث كانت كل تلك الجهود والمحاولات بشارات لميلاد نهضة ثقافية حديثة، ومؤسسات متخصصة، بإنشاء دائرة الإعلام ثم المؤسسات الأهلية ندوة الثقافة والعلوم 1987 ومركز جمعة الماجد للثقافة والتراث، مؤسسة سلطان علي العويس الثقافية، رواق عوشة بنت حسين الثقافي. ثم تأتي مدينة الإعلام والتكنولوجيا، وقرية المعرفة ومؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم وغيرها..

وفي كل تلك الجهود لم يكن الحضور مقتصراً على المواطنين فقط، كانت كل الشرائح من رجال نساء وكبار وصغار ومواطنين ومقيمين لهم الحق في المشاركة قبل سنوات من تأسيس مجلس دبي الثقافي في ظل النقلة النوعية التي شهدتها دبي تجاه الفعل الثقافي الحديث من خلال المهرجانات الثقافية والسينمائية والإنتاج البرامجي. وتكونت بذلك ساحة واسعة ومناخ رحب للتثاقف بين القوميات التي تقيم على أرضها. فدبي التي تعيش فيها قوميات عديدة وجنسيات يصل عددها إلى مائتي جنسية حققت استفادة من هذا المزيج لتكون نسيجاً واحداً لكنه لا يتعارض ولا يتقاطع، بل يحتفظ كل بخصوصيته وهويته.

* نجاة مكي: فتح باب الحوار

وذكرت التشكيلية الإماراتية ورئيسة قسم التقنيات التربوية في وزارة التربية والتعليم الدكتورة نجاة مكي لـ«الشرق الأوسط» ان المثقفين في العالم العربي مهتمون جداً بما أسمته (الطفرة) التي حدثت في دبي في مختلف مناحي الحياة الاجتماعية والتجارية والثقافية والسياحية والمشاريع العملاقة والمتميزة، وهذا بحد ذاته دليل قاطع على اهتمام الدول والمثقفين بالهوية التي بدأت تظهر نتيجة النشاط والتنمية والاتصالات الخارجية والإقليمية التي تعكس وضوح الرؤية عند القائمين على اتخاذ القرار في دبي، وتكوين مجتمع متجانس وفتح باب للحوار وإلغاء العنصرية جعل من دبي مدينة للسلام والمحبة لشعوب العالم أجمع.

وقالت مكي: اعتقد أن التمسك بالثقافة المحلية هي اللبنة الأولى للسُلم الحضاري الذي يصل بنا إلى العالمية فكل عناصر الثقافة المحلية هي الجذور التي تنمو عليها الأوراق والساق شجرة الحضارة ذات الملامح والخصائص الإقليمية مع مراعاة البيئة العالمية وما يجرى فيها من تطور وحداثة.

الهاملي: هوية متعددة في محيط يضج بالصراعات

الكاتب الإماراتي علي عبيد الهاملي، رئيس اللجنة الثقافية والإعلامية بندوة الثقافة والعلوم بدبي، قال لـ«الشرق الأوسط»: إن البعد التجاري أضفى على مدينة دبي بعدا ثقافيا متعدد الوجوه، نتيجةً لاختلاف البلدان التي وفد منها المقيمون على أرضها، لذلك كونت دبي لنفسها منذ البداية هوية ثقافية تنسجم مع طابعها متعدد الثقافات والأجناس والأعراق. وعندما توسعت دبي في السنوات الأخيرة وازدهرت اقتصاديا على النحو الذي جعلها نموذجا فريدا بين المدن في النمو العمراني والاقتصادي وسط محيط متفجر بالحروب وصراع المصالح والأيديولوجيات، كان لزاما عليها أن تصنع لنفسها هوية ثقافية تتناسب مع كونها مدينة عالمية يعيش فيها خليط من مختلف الجنسيات والأعراق والإثنيات، لتجيء هذه الهوية منسجمة مع طبيعة المدينة. حدث هذا بشكل تلقائي شجعت على انسيابيته طبيعة أهل دبي الأصليين الذين اعتادوا رؤية هذا التمازج على أرضهم. وقد ظهر في السنوات الأخيرة العديد من الأصوات محذرة من ضياع الهوية الوطنية وسط هذا الخليط من الجنسيات والثقافات، لذلك جاءت المشاريع الأخيرة، مثل مشروع خور دبي الثقافي لتبث الطمأنينة في نفوس الخائفين على ضياع الهوية الوطنية، وهو خوف مشروع له ما يبرره في ظل رياح العولمة التي تهب على المنطقة وتكاد تقضي على هوية الشعوب وثقافاتها وتنزع عنها الخصوصية التي يجب أن تتميز بها ثقافة كل شعب وبلد.