الجمالية الإسلامية في الخط العربي

آراء للصكار والبشلي والبهنسي عن الخط وتفسيراته الروحية والنفسية

TT

يعتبر الخط العربي من أهم الفنون الجمالية العربية التي تعتمد على التصميم والتكوين والألوان، وهذه العناصر مجتمعة تنطلق من دوافع الفنان الإبداعية والروحية في تجسيد أشكال متناسبة ومتشابكة ومنسجمة.

والتناسب الذي يعد من أهم قواعد الجمال، حيث تكون الأجزاء متناسقة مع بعضها، يعتمد على الذوق والإبداع الخاص لكل فنان. أما التشابك فيظهر في الزخارف العربية وهو يتألف من أشكال هندسية متداخلة أو وحدات نباتية كالملتف والحلزوني والورقي. والانسجام يظهر في بعض التعبيرات عن طريق التضاد والتعاكس وتوزيع الألوان فيبث في النفس البشرية راحة وتناغماً قلما تكون موجودة في الفنون الأخرى.

لدى الشاعر والخطاط العراقي محمد سعيد الصكار تصور جميل للخط يقول عنه: «الخط ليس مجرد زخرفة لكتابة أو صياغة جمالية للحرف، بل بحث يسعى فيه الفنان إلى إطلاق عنان الحرف وإشاعة الحركة فيه، وإحكام تصاميمه الإيقاعية». إذن عندما نتحدث عن الخط فإننا نعني الحركة والكتلة والإيقاع والتعبير، وهذا شيء طبيعي لأن الإيقاع يحدث من تبادل الدقة والغلظ ومن تبادل في التماثل والرقص ومن الإشباع والقوة، أما الإحساس فإنه يأتي من الخط المنحني الذي يمثل الرشاقة ويثير اللذة الجمالية، والخط الهندسي الذي يثير الجمال الرياضي الهندسي، إنه عنصر من عناصر العمل الفني إلى جانب اللون والحركة والظل والنور، ألم يقل عنه هربرت ريد في كتابه «معنى الفن»: «إن الفن بدأ بالرغبة في رسم خطوط ما».

والخط بشكل عام عنصر من عناصر الزخرفة الجميلة، لأنه يتضمن معنى وشكلاً مرئياً، والفنان البارع يستطيع أن يحول الكتلة الخطية إلى شكل زخرفي هندسي، دائري أو بيضاوي أو على شكل مربع أو مستطيل أو شكل طائر وكذلك يستطيع أن يجعل الحروف موضوع لوحته الفنية بشكل زخرفي جميل.

استخدم الخط في إطار زخرفي، فالخط والزخرفة يكونان حلقتين في سلسلة واحدة، إذ نجد في كليهما نسقاً فنياً متشابهاً، إن لم يكن متكاملاً. فالزخرفة في اللوحات الخطية تقوم على التوازن والتناظر والتشعب والتكرار وهذا يشكل وحدة متكاملة. أما بالنسبة للخط فقد استخدم في الزخرفة بشكل بسيط ومركب، وجاءت أشكال الزخرفة إما من الطبيعة أو الطيور، أو من الاثنين معاً، اللذين انبعثا من الموروث العربي الإسلامي وتجمعهما قيم جمالية واحدة.

ولكن ألا يستدعي هذا سؤالاً عن كيفية نشأة الخط؟، طبعاً هناك عدة روايات متضاربة، وقد ذكرها الباحث كامل الجبوري في أحد كتبه، منها أن بعض العرب رأوا أن الخط الذي كتبوا به أمر توفيقي، أي أنه ليس من صنع البشر، وأن أول من وضع الخطوط والكتب آدم عليه السلام، وذلك قبل موته بثلاثمائة عام، وفي رواية أخرى ان أول من كتب بالعربية ووضعها هو إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام، ويقال إن اللّه تعالى أنطقه بالعربية المبينة وهو ابن 24 سنة. وروي أيضاً أن أول من وضع الخط نفيس ونضر وتيماء ودومة من أولاد إسماعيل، وأنهم وضعوها متصلة الحروف بعضها ببعض حتى الألف والراء ففرقها هميسع وقيدار من أولاده أيضاً. وهناك أقاويل كثيرة وأساطير، لكنها ومن دون أي شك لا تقوم على أساس علمي وثابت وإنما على الخيال.

وفي كتاب للخطاط أحمد عبد الفتاح البشلي يتحدث فيه عن الحروف العربية يقول: لقد نشأت من إحساس صادق لطبيعة الأشياء، فهناك مثلاً حرف الميم وهو يعبر عن الضيق، وحرف الدال الذي يصور العاشق الذي صار دالاً من شدة الحزن، والسين هو الأسنان الجميلة، والراء صورة الهلال، والعين وحاجبها كعين الإنسان.

أما الدكتور عفيف بهنسي فقال إن الخط العربي نشأ في بلاد الشام واستمد أصوله من الكتابة الآرامية التي أثرت بصورة واضحة في الكتابة النبطية.

على كل حال، فالخط العربي من أروع الفنون التشكيلية، نظراً لما يتمتع به من صفات زخرفية وشكلية توازي الألفات وتوزيعها بأوضاع معينة، إضافة إلى الخصائص الفنية الجمالية من حيث الاستقامة والرشاقة، والتناسق والامتداد، والتدوير والتناسب، وله إمكانات تندرج بين الهدوء والصلابة، بل قد يكون مرحاً أو متوتراً وله ظلال نفسية سيكولوجية. من هنا تظهر موسيقية الخطوط التي تحقق علاقات في ما بينها، فلكل حركة خطية تفسير نفسي، تأملي، روحي، جمالي... وكذلك يوحي اللون بعلاقاته بين الغامق والفاتح أو تفاوت درجاته، بأنغام موسيقية... أو ظلال نفسية أو أبعاد أسطورية أو دينية.