الفلسطينيون في وداع درويش: على هذه الأرض ما يستحق الحياة

يتقدمهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس.. وأمه أحضرت الى مدفنه ترابا من الجليل

مراسم تشييع جثمان الشاعر محمود درويش في رام الله أمس وتبدو والدته في الإطار (أ.ب)
TT

حينما سُئل الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش عن سبب بقائه في رام الله أثناء الحصار الكبير عام 2002، أجاب «على هذا الأرض ما يستحق الحياة».

وهي قصيدة شهيرة لدرويش، يحفظها الفلسطينيون جيدا.

وبعد 6 أعوام، عاد درويش، الى رام الله، لكن هذه المرة، في كفن، ليدفن في تلة مطلة على القدس، في ساحة القصر الثقافي الذي ألقى فيه آخر قصائدة «لاعب النرد»، وتحول اسمه في ما بعد الى «قصر محمود درويش الثقافي».

وشيع الفلسطينيون أمس، يتقدمهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن)، ووالدة الفقيد وأشقاؤه، جثمان درويش في مسيرة شعبية ورسمية حاشدة الى مثواه الأخير، وظل الناس يرددون في وداعه ما قاله «على هذه الأرض ما يستحق الحياة».

وامتلأت جدران رام الله، بصوره الكبيرة وبعض أشعاره، وارتدى بعض المشيعين ملابس تحمل صورته، بينما حملها آخرون الى جانب العلمين الفلسطيني، والسوري (رفعه مشيعون حضروا من هضبة الجولان المحتل).

وسار جثمان درويش في شوارع رام الله محمولا بسيارة رئاسية الى القصر الثقافي يتقدم آلاف المشيعين، قبل ان ينقله حرس الشرف في مراسم رسمية الى مثواه الأخير، ويطلق له 21 طلقة.

وكان جثمان درويش قد وصل محمولا بطائرة اردنية، الى مقر المقاطعة في رام الله، حيث سجي جثمانه، لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليه. وأجريت له مراسم استقبال رسمية، بحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وعائلته، وأصدقائه، ووالدته الكبيرة «أم أحمد» التي كانت تجلس الى كرسي متحرك. وأحضرت معها من قرية «الجديدة»، ترابا، لتضعه فوق قبر ابنها الراحل، الذي طالما قال، «احن الى خبز أمي وقهوة أمي ولمسة أمي.. واعشق عمري لأني اذا مت اخجل من دمع امي».

وقال عباس في تأبين درويش «جميعنا اليوم نودع نجماً أحببناه إلى درجة العشق»، وأضاف «لقد أوفى عطاءً بسخاء، زاد فينا طموحاً بالمزيد، لهذا لا نصدق أنه رحل».

وفي كلمته الطويلة، التي برر طولها بأنه يستبطئ رحيل درويش، قال عباس، إن الرثاء صعب، «فكيف إذا كان لعزيز كمحمود، وكبير كمثله، بقامته وظله». وتعهد عباس «أن تبقى الراية التي رفعها محمود بشعره وقامته وروحه عالياً خفاقةً، لتعلو كمآذن القدس وكنائسها، وأسوارها العالية، العاصمة الأبدية لدولتنا الفلسطينية الآتية قطعاً». وتابع «إنه حلم محمود ورؤياه التي نُقْسم على تحقيقها لتكون مثواه ومثوى شيخ شهدائنا، قائدِ مسيرةِ شعبنا ورمزِ قضيتهِ وكفاحهِ ياسر عرفات».

ودعا عباس للاهتمام بما سماه «جبهة الثقافة»، وقال «فليكن رحيل درويش مدخلاً لتجنيد كل طاقات المبدعين أفراداً وهيئات»، وتابع «إنني أدعو الجهات الحكومية والرسمية المعنية بجبهة الثقافة، المعقل الأساسي الأهم لنضال شعبنا وحفظ بقائه وأمنه القومي وهويته الوطنية، أن تولي هذه الجبهة ما تستحق من تركيز واهتمام ورعاية وتوفير الإمكانات والموارد اللازمة لتمضي قدماً نحو تعزيز دورها ومكانتها والعبور إلى عهد جديد من الأصالة والتجديد».

وخاطب عباس درويش، قائلا «يا أخي أحمد الزعتر، لك كلُ المترادفات والأضداد، فأنت الحاضر الغائب، وأنت الغائب الحاضر، فلم ترحل عنا إلا لنا ولن تتركنا لأنك فينا». وقال «كنت جميعَنا والقاسمَ المشترك، في كل الحِصارات، لم تدخل بيوت أبي سفيان، كنت ابن ثابت لأنك كنت من البداية حتى النهاية. عاديت مسيلمة، ولم تتردد لأن على هذه الأرض ما يستحق الحياة».

وألقى صديق درويش، الشاعر سميح القاسم، كلمة قال فيها: «إنه كان لجثمان درويش أن يطلب الراحة الأبدية في مقبرة البروة الجليلية، لكن المستوطنين يصرون على تحويل مقبرة أجداده إلى حظيرة لمواشيهم. إنهم ينتقمون لأسلحتهم عن مواجهة قصيدتك».

وبدا التأثر كبيرا على القاسم، وأكبر على شقيق درويش (احمد) الذي بكى، وأبكى معه الحضور بمن فيهم الرئيس الفلسطيني. وقال احمد درويش «ها قد عاد إلى ثراكم، عاد أخوكم وصديقكم وزميلكم ورفيق دربكم إلى هذا المكان الرمز، عاد إليكم لغة وفكرا ونهجا وترابا، ومن أحق منكم وفاءً لهذه الأمانة، ومن أحق من هذا المكان القريب من القدس».

في الأردن, شارك الامير علي بن نايف الامين الخاص للملك عبد الله الثاني في وداع الشاعرالعربي الكبير محمود درويش الذي جرى تشييع جثمانه من مطار ماركا في طريقه الى فلسطين ليوارى الثرى في جبالها على تلة مطلة على القدس الشريف. واستقبلت الجثمان ثلة من الحرس الملكي وحيته بسلام الجنازة ونقل الجثمان الذي لف بالعلم الفلسطيني افراد من جيش التحرير الفلسطيني في الاردن الى قاعة الاحتفال حيث ألقى الحضور نظرة الوداع على جثمان الشاعر الكبير.

وألقت وزيرة الثقافة نانسي باكير كلمة باسم الحكومة الاردنية قالت فيها: «فقدان رمز من رموز فلسطين ادمى القلب في الاردن والعالم العربي والعالم، بوصفه علما من اعلام الثقافة وصوتا يدافع عن الحق. وألقى الحضور من رسميين ومثقفين نظرة الوداع الاخيرة على جثمان الشاعر درويش ووداعه الى طائرة خاصة بسلاح الجو الملكي التي نقلته الى رام الله. وشارك في وداع الراحل الى رام الله عدد من المسؤولين الاردنيين والفلسطينيين والمثقفين من الاردن والعالم العربي.