كيف أصبح رجل مكروه قائدا لإيطاليا؟

دونالد سيسون يكتب سيرة موسوليني

TT

السؤال المركزي الذي يطرحه الكاتب دونالد سيسون في كتابه الشديد التحليل والتكثيف «موسوليني وصعود الفاشية»، هو، كيف أحرز موسوليني المركز الأول، ولماذا أصبح قائد الحزب غير المحبوب، الذي لا يحظى بدعم شعبي كبير، رئيساً للوزراء؟

يكتب سيسون، بأن الحرب العالمية الأولى كانت انتحاراً سياسياً حقيقياً لجزء من النخب السياسية. ففي السنوات بين (1915-1917)، اجتمع البرلمان الإيطالي 158 مرة، مقارنة مع 423 مرة لمجلس العموم البريطاني، فيما «الموقف التقليدي المعادي للسياسة في أوساط كثير من الإيطاليين يزداد وينمو في الخنادق» نتيجة ذلك، فإن سنتي 1919و1920 كانتا تمثّلان «أوسع مرحلة من النضال الاشتراكي في تاريخ إيطاليا». كما، وأن إخفاق الكاثوليكيين والاشتراكيين في العمل معاً، هو، أيضاً، عامل آخر، مهّد الطريق لوصول موسوليني إلى السلطة.

أميلكاريه أندريا موسوليني (1883-1945)، أو الدوتشي، أي، دكتاتور إيطاليا، هو الابن الأكبر لأب حداد، وداعية اشتراكي، وأم كاثوليكية متديّنة. دخل المدرسة الابتدائية في مدينة بريدابيو، وبعدها مدرسة سلشيان في فلورنسا. أكمل تعليمه في مدرسة نورمال الملكية في فلورليمبوبولي، وهي مدرسة تأهيل معلمين للمدارس الابتدائية. عمل موسوليني عاماً واحداً، كمعلم في مدينة غولتيري. عام 1902 ذهب إلى سويسرا وعمل كبنّاء حر ومترجم. عانى من التشرّد والجوع وكتب الخطب الثورية، واعتقل في مدينة لوزان السويسرية بسبب التشرّد، لكنه كان مدعوماً من قبل المنظمات الاشتراكية. في يونيو (حزيران ) عام 1903، رُحّل من مقاطعة بيرن لنشاطاته الثوريّة. في نفس العام أرغمته أخبار مرض أمه على العودة إلى مدينة فورلي. عاد إلى إيطاليا وخدم في فوج برزاغليري عامي 1905 و1906. في نهاية خدمته العسكرية، عمل مدرساً للغة الفرنسية في أونيغليا بالقرب من جنوة، وفي الوقت نفسه أشرف على الإعلام الإلحادي في الجريدة الاشتراكية المحلية. عام 1910 أسس صحيفة «الصراع الطبقي»، وهي صحيفة أسبوعية تصدر في فورلي، مستخدماً إياها أداة لترويج الفكر الاشتراكي المتطرّف وضد وجهات النظر الدينية.

استمر موسوليني على مواقفه المتطرفة حتى نشوب الحرب العالمية الأولى، مستخدماً التطرف أسلوباً يزيح به خصومه من القادة الاشتراكيين المعتدلين، لتأمين المنصب الذي كان يتوق إليه. عند نشوب الحرب العالمية الأولى، وقف إلى جانب الحياد. وحينما أعلنت إيطاليا انضمامها إلى الحرب في مايو(مايس) 1915، تطوّع موسوليني كجندي خاص في فوج برزاغليري الحادي عشر. انتهت خدمته عام 1917، حينما جرح جرحاً بليغاً في تمرين صعب. في سبتمبر (أيلول) 1917، عاود عمله في صحيفته، وكرّسها للعمل ضد أنصار السلام والمعارضين للحرب. ولأجل هذا الهدف تعاون مع فاشيي دي روزستانس، أو اتحادات المقاومة، المنظمة لهذا الغرض بالذات. عند انتهاء الحرب، ساعدت الفوضى غير الاعتياديّة التي سادت إيطاليا، موسوليني، لكي يتأهب ويستعد. لذا فقد قرّر أن يؤسس مجموعته السياسية الخاصة به، وتبنى الاسم «فاشي»، المتأتي من اتحاد فاشيي إيطاليا. وفي الثالث والعشرين من مارس (آذار) 1919، تأسست المؤسسة الفاشية، وسجلت نشاطاتها التي تدار من قبل موسوليني، تحت اسم الفاشية. من خلال اللعب على أوتار «الخطر الشيوعي»، اكتسب موسوليني دعماً قوياً ونشيطاً من أوساط الطبقة الصناعية والوسطى التي تمارس المهن الحرّة. رغم كل ذلك فإن حزبه لم يحٌز إلا على خمسة وثلاثين مقعداً في انتخابات عام 1921. ولكن في اكتوبر (تشرين الأول) 1922، استطاعت دعاية موسوليني وتكتيكاته الرهيبة أن تحوّل البلاد إلى دولة للتوتّر مما أصبح من اليسير عليه أن يقوم بانقلابه. وفي المؤتمر الفاشي في نابولي من نفس العام، أعلن موسوليني بأن الفاشيين سيستولون على السلطة بالقوّة.

بخمسة وثلاثين صوتاً من مجموع خمسمائة وخمسة وثلاثين صوتاً برلمانياً في انتخابات عام 1921، لم يشكل فاشيو موسوليني إلا نسبة بسيطة، ولكن السيطرة المناطقية الفاشية في الشمال والخوف من انفجار العنف، أقنع المحافظين وهدّأ من الموقف الذي كان يريد أن يتخذه موسوليني. كان يخدع الجميع من خلال التأرجح بين اتخاذ موقفي الاعتدال والتطرف. وكان موقفه الازدواجي وتأرجحه بين الصلابة الفاشية والعصيان المسلّح المشروع، كان يطبع سياسته بطابع غامض ومبهم. في ذلك الحين، دافعت الكتلة الليبرالية السياسية عن مصالح الصناعيين، لكنها، أهملت ملاّكي الأراضي الريفية، الذين رأوا في الفاشية سلاحاً ضد الاتحادات التجارية الفلاحية. عام 1920، كتب رؤساء أركان القوات المسلحة بياناً قالوا فيه إن الفاشيين هم «قوات فعالة، لاستخدامها، في النهاية، ضد قوى التدمير والمعادين للقومية». أما الليبرالي والشخصية السياسية، التي هيمنت على العشرين سنة الأولى من القرن العشرين، ورئيس الوزراء الذي ضمّ فاشيي موسوليني إلى قائمته الانتخابية، جيوفاني جيوليتي، فقد قارنهم بالألعاب النارية «إنهم سيحدثون ضوضاء كثيرة، لكنهم سوف لا يخلفون وراءهم شيئاً سوى الدخان».

على الرغم من الأسطورة التي أحاطت بموضوع زحف الفاشيين على روما، إلا أنها لم تكن ثورة. الرواية الفاشية الرسمية تقول بأن (300) ألف من ذوي القمصان السود، زحفوا على العاصمة روما، فيما مصادر أخرى تقدّر العدد بخمسين ألفا فقط. ويلاحظ سيسون، بأنه «من الخطأ جداً الافتراض بأن حشداً مثيراً من الناس، قد شكّل العامل الأكبر في صعود موسوليني إلى السلطة».

وحالما اكتسب درجة الاعتراف والمسؤولية، اكتسح موسوليني كل شيء أمامه، وحتى حزبه. ألغى التمثيل النسبي الانتخابي، وأصدر عام 1923 قانوناً انتخابياً جديداً تمّ بموجبه منح ثلثي المقاعد البرلمانية للقائمة الانتخابية التي تحصل على غالبية الأصوات. وعلى هذا الأساس حصل موسوليني وقائمته الرائدة على أغلبية ساحقة من الأصوات عام 1924، وهي 64 بالمائة من الأصوات، ما يعني نتيجة برلمانية نسبتها تقارب الثمانين بالمائة من البرلمانيين الفاشست الجدد، حيث ان ثلثي عددهم، لا تتجاوز أعمارهم الأربعين. بعد هذه «الكارثة»، ورغم ان عدد أعضائه عند نهاية العقد الثاني، قد بلغ المليون، فإن الحزب الفاشي جرى إقصاؤه تدريجياً من السلطة، وحلّ محله «الموسولينيون»، وفضّل موسوليني الحكم من خلال الحكّام المحليين، الذين ينبغي أن ينحني أمام سلطاتهم كل الفاشيين.