الكتب بخلافنا لا تعرف قراءها

ألبرتو مانغويل يقترح في كتابه الجديد تقنية جديدة للقراءة

TT

يختار مانغويل كتبا مفضلة تبلغ 12 كتابا كان قد قرأها في اوقات بعيدة، بعضها كان منذ ايام الدراسة، منذ ما يقارب الثلاثين عاما. ويبدأ ليفرد لكل كتاب في يومياته شهرا منها. وفي تلك الاشهر التي تمثل فصول الكتاب، يتداخل زمن القراءة وتمثلاته مع تفاصيل واقع يومي في احداثه واماكنه. هنا نطلع على تجربة حياة من خلال رواية ومذكرات ويوميات او حتى مقطع من قصيدة شعر، وصور وصفية قصيرة، استذكارات مفاجئة عن كتب، وملاحظات شخصية، وانطباعات عن احداث يومية، واقتباسات تماثل حدثا ما، واستشهادات بمقولات، وكل ذلك اثناء تنقله في مدن مثل، برلين، وباريس، وبوينس آيرس، وغيرها.

يفترض «البرتو مانغويل» تقنية جديدة للقراءة في كتابه «يوميات القراءة، الذي ترجمه الى العربية عباس المفرجي، دار المدى، 2008». ويدعو لان تكون ممارستها مشابهة لفعل الابتكار من قبل قارئ عليه تمثل ما يقرأ، وأن يقرأ كما يكتب بوصفه كائنا متأملا، تقنية كائنة في صلب اهداف القراءة ذاتها باعتبارها وظيفة حياة اساسية، وهو افتراض كان قد المح اليه في كتابه السابق «تاريخ القراءة» بقوله: «يجب على القراء ان يكون لهم مليون سيرة ذاتية». فهنالك اثار حياة ذاتية فيما نقرأ بقدر ما تحتفظ هذه العملية بمعنى قد يشابه الواقع او يقوم بعلاقة معه، حيث الكتب بتعبير «لسنغ» لا تكتفي بتفسير الحياة، بل يمكن لها كذلك ان تكون عذرا مقبولا لها. اننا نتعرف معها على العالم مصنفا وموجودا ومعرفا ومتأملا فيه. العالم والكتاب متشابهان لاننا نصدقهما معا، بذريعة اننا موجودون في الاول فيما الثاني هو في متناول ايدينا.

يوضح مانغويل ان هنالك انواعا متعددة من القراءة، احد هذه الانواع قائم على المتعة واخر قائم على الخشوع، واخر لا يقبل التعليق كونه لا يعطي سوى المعلومات، فيما هنالك نوع اخير هو ذلك الذي نمارسه بشغف ولوقت طويل حتى باستطاعتنا ان نحفظ الكلمات عن ظهر قلب.

في السبعينات قرر هذا الارجنتيني ان يكون صادقا مع نفسه قبل ان يكون قارئا ـ كاتبا، الامر الذي جعله يدرك ان القراءة عبارة عن محادثة، تجري عند وجود اتفاق عابر ورابطة متحققة بين تجربتنا وافكارنا وبين المعنى والخيال المدون على الورق. فلطالما تنتاب القارئ الرغبة في ان يمسك بالقلم ويبدأ بتدوين هوامشه على حافة الصفحات الى جانب النص المقروء وكأنه اخر، علاقة لابد من ان تجعل من القراءة ذاتها حالة اليفة، خاصة ومغايرة.

بعدما قرر «مانغويل» اعادة قراءة بعض من كتبه القديمة المفضلة لديه، اصابته الدهشة حينما لاحظ ان هوامشه المدونة الى جانب بعض النصوص مثل بقايا قراءات مختلفة، قابلة على ان تكون نصا اخر، هو بعض من مذكرات، ادب رحلات وملاحظات شخصية واستذكارات وصفية بدوافع افكار مقروءة. فالكتب حين تبادر اليد الى فتحها توقظ الحياة في الكلمات، ونصبح قادرين على اقتناء ذكرياتنا وتصور حاضرنا من خلالها، مهيئة للتجربة وللخيال عنها طبيعة الحقيقة التي تنطوي عليها.

يختار «مانغويل» كتبا مفضلة تبلغ 12 كتابا كان قد قرأها في اوقات بعيدة، بعضها كان منذ ايام الدراسة، منذ ما يقارب الثلاثين عاما. ويبدأ ليفرد لكل كتاب في يومياته شهرا منها. وفي تلك الاشهر التي تمثل فصول الكتاب، يتداخل زمن القراءة وتمثلاته مع تفاصيل واقع يومي في احداثه واماكنه، واثناء ذلك يجعل من سيرة القراءة شغفا ليس محدودا. هنا نطلع على تجربة حياة من خلال رواية ومذكرات ويوميات او حتى مقطع من قصيدة شعر، وصور وصفية قصيرة، استذكارات مفاجئة عن كتب، ملاحظات شخصية، انطباعات عن احداث يومية، اقتباسات تماثل حدثا ما، واستشهادات بمقولات، وكل ذلك اثناء تنقله في مدن مثل، برلين، وباريس، وبوينس آيرس، وغيرها.

لا يخفي الكاتب ان فرصة القراءة بالنسبة له تتخذ غالبا صفة استذكارات طفولة «اتذكر الشعور بالغبطة الذي يغمرني عندما اصل الى نهاية كتابي ومن ثم احلام اليقظة عن شخصياته في حال لو احببتهم، الذي يمتد الى ايام عدة». (ص145).

قراءة تستدعي مثلا مذكرات من وراء القبر لشاتوبريان، وأفكارها في التمهيد لنهاية الارستقراطية في اوروبا وتصور نهاية العالم، والنظر الى لحظات الحاضر العابرة، السريعة الزوال، وكأن كل شيء فيها كان شاهدا متميزا لعصرها، يذكر شاتوبريان: «بالنسبة لي، لا شيء يتلاشى في الظل، كل شيء عرفته يوما يعيش حولي».

يعترف الكاتب بان هناك كتبا اثيرة بالنسبة لنا ولكن من دون ان نعرف لماذا، ربما لانها تحتوي ما نريد معرفته، او لانها تساعدنا اثناء القراءة على اكتشاف ومعرفة افكارنا واهوائنا الخاصة. نحن القراء المعرضين للفناء يوصينا مانغويل تاليا بأن علينا ان نمنح الحياة للكتب وذلك بقراءتها،ولكن علينا ان نعلم ايضا اننا نبقى مجهولين بالنسبة اليها، فالكتب بخلافنا لا تعرف قراءها.